icon
التغطية الحية

الشتاء قادم دون أن يستعد له النازحون السوريون

2020.09.29 | 17:04 دمشق

20200215_2_40863034_52184656.jpg
ميدل إيست مونيتور- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

زادت موجات النازحين من مصاعب الحياة اليومية بالنسبة للمدنيين في المناطق الواقعة شمال غرب سوريا، إذ بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في آذار/مارس، ترى صحيفة ميدل إيست مونيتور بأن المدنيين ما انفكوا يواجهون أزمة إنسانية جديدة بسبب جائحة فيروس كورونا، ما أدى إلى ارتفاع حاد بأسعار الغذاء، في الوقت الذي ظل فيه الأطفال يضحون بما تبقى من طفولتهم في محاولة الحصول على العمل بحيث يمكن أن يساعدوا بتأمين لقمة العيش لعائلات كلها أيتام. 

لقد امتلأت الخيام في مخيمات إدلب المكتظة بالناس بعدما شنت القوات الموالية للأسد حملة عسكرية على آخر معقل تبقى للمعارضة خلال شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي. حيث نزح ما يقارب من مليون سوري جراء الغارات الجوية المتواصلة التي استهدفت المدنيين بدعم من روسيا، فكانت تلك أكبر موجة نزوح طيلة الحرب الأهلية السورية التي استمرت لعشر سنوات بحسب تقديرات الأمم المتحدة، أما الحكومة السورية فقد ادعت بأن هدف حملتها هو تخليص المنطقة من الإرهابيين.

إلا أن الغارات بحسب وكالات الإغاثة والعاملين في مجال الإنقاذ دمرت عشرات المشافي والمدارس والبنية التحتية المدنية، وقد حذرت تلك الجهات من أن سكان إدلب البالغ تعدادهم ثلاثة ملايين نسمة أصبحوا على شفير أزمة إنسانية أكبر.

وهنا يرى أحمد القدور مدير جمعية الميزان الخيرية بأن إدلب قد تتحول إلى أسوأ مأساة في خضم أزمة فيروس كورونا حيث قال: "أكثر شيء رأيته وقد كوى فؤادي هو رؤية الآباء يبكون بسبب عدم قدرتهم على الحصول على علبة حليب لأطفالهم الجياع. إذ لا يمكن للناس هنا أن يحموا أنفسهم من فيروس كورنا، والملايين من الناس يعيشون في مخيمات مؤقتة مزدحمة ويتعرضون للصرف الصحي بشكل مباشر مع عدم إمكانية الحصول على الماء والصابون، إلى جانب انعدام المرافق الطبية أو أجهزة التنفس أو الالتزام بالتباعد الاجتماعي".

ثم إن الشريحة الأوسع من المهجرين أي ما لا يقل عن 81% منهم هم من فئة النساء والأطفال، إذ بعد مرور أشهر على قصف المرافق الطبية، أصبح هؤلاء يعيشون في مخيمات مزدحمة في ظل انعدام أي صلة تربطهم بالمنظمات الصحية الدولية. وأشار القدور بأن العاملين في مجال الرعاية الصحية بحاجة إلى الأدوية والمعدات اللازمة لحماية أنفسهم من الفيروس، بالإضافة إلى الأدوات اللازمة لمعالجة غيرهم ممن يعانون من هذا المرض.

إذ يعمل هذا الرجل مع زملائه في مخيمات بين أفقر اللاجئين حيث يقومون بتوزيع الحليب والخبز والدواء عليهم منذ عام 2011، مع بداية الحرب الأهلية في البلاد. وكثيراً ما تعرض هذا الشاب البالغ من العمر 32 عاماً لوقائع الحرب المريرة وللدمار الذي سببته للأبرياء، منهم أصدقاؤه وعائلته. ولعل أصعب جانب من جوانب عمله يتمثل بمشاهدته لأجزاء مبتورة من أجساد النساء والأطفال بعدما قصفت بيوتهم على يد النظام وحلفائه، وقد علق على ذلك بالقول: "كل من في سوريا يرغب بل بحاجة لحماية دولية، إذ لا يوجد مأوى لهم ولديهم رغبة بالعودة إلى بيوتهم. كما أن الخيام لا تحميهم من حرارة الصيف ولا من برد الشتاء، فكيف بالخيمة أن تحميهم من هذا الفيروس الخطير".

ويعمل هذا الرجل مع غيره من المنظمات الإغاثية على مدار الساعة في تقديم المساعدات للاجئين، وقد عقب على ذلك بقوله: "غير أنه لا يمكننا أن نلبي احتياجات الكثير من الضحايا، أي أن المهمة مستحيلة".

ومع شتاء قارص بات على الأبواب، يشرح لنا القدور بأن الكثير من العائلات تعاني من القلق بسبب عدم قدرتها على خوض ذلك الشتاء دون الحصول على معونة، ويعلق على هذا بالقول: "هنالك آلاف الحالات من سوء التغذية وآلاف الأمراض غيرها. لقد فقد الناس الأمل وفقدوا عقولهم معه".

ويتفق معه في هذا عمر عمر مدير مؤسسة قلوب صغيرة، الذي هاله انعدام الاهتمام الدولي بالوضع في إدلب، حيث يدفع أطفال سوريا أبهظ الأثمان. فقد شاهد أطفالاً يقفون على ركام ما كان في السابق مدارسهم، وأنقذ بعضهم من الموت تحت أكوام من الأنقاض.

ويعلق على ذلك بالقول: "إنهم يسألونني أسئلة بسيطة مثل: لماذا يقصفوننا؟ هل الله يحبنا؟ هل هو معنا أم معهم؟"

لقد درس عمر القانون في جامعة دمشق قبل الحرب كونه ولد وعاش في العاصمة السورية، وأصبح اليوم عاملاً في المجال الإنساني لصالح منظمة غير حكومية تقدم الدعم والمأوى للأطفال والحيوانات.

وبالرغم من أن أسرته سافرت إلى ألمانيا، اختار عمر ألا يستسلم لتلك الظروف القاهرة، وحول ذلك يخبرنا بالقول: "لقد انتهت حياتي القديمة عندما بدأت القنابل والرصاص يتطاير هنا وهناك".

وتعيش عائلات حالياً في المدارس المقصوفة التي حولوها إلى منازل وبيوت مؤقتة، حيث تحولت بعض الصفوف إلى مطابخ، وقد شوهد هذا المنظر في مناطق مختلفة أخرى في سوريا.

وهنا يعلق عمر بالقول: "هنالك حوالي 700 نسمة في إدلب تضرروا بسبب فيروس كورونا، ولكن عندما قدمت المشورة للناس في الخيم حول الإجراءات الوقائية التي تحتم عليهم ارتداء الكمامات، أخبره الناس أن الأمر لا يعنيهم، لأنهم يعيشون أصلاً في ظل فوضى وخراب يهدد حياتهم".

يذكر أن مؤسسة قلوب صغيرة تقدم المساعدة للاجئين حيث قامت ببناء مدرسة للأيتام، حيث يقيم ويدرس فيها ما بين 300-400 طفل، وهذا ما علق عنه عمر بالقول: "عبر دعم إحدى المدارس، يمكنك أن ترسم الابتسامة على مئات الوجوه، وأفضل شيء يمكنني أن أقوم به خلال هذه الحياة القصيرة هو أن أعلم هؤلاء الأيتام، فهذا يفيدني من نواح عدة، وهم يمثلون كل شيء بالنسبة لي".

ويتذكر عمر الهجوم بالبراميل المتفجرة على منطقة سكنية في أرمناز بإدلب، والذي وقع في شهر كانون الثاني/يناير 2018، حيث قتل بسببه 15 طفلاً، فيقول: "منذ عامين، أنقذت طفلة صغيرة من ذلك الهجوم، فقد قتل في تلك المجزرة حوالي 70 شخص، كما أنقذت طفلاً عمره عشر سنين. تلك مأساة لا يمكنني أن أنساها، ومنذ ذلك الحين أصبح لدي هدف واحد ألا وهو مساعدة الناس".

وبالرغم من النزاع، يرى عمر بصيص أمل في المستقبل، ليس من قبل الحكومة ولا المجتمع الدولي، ولكن من قبل الأفراد في مختلف بقاع العالم الذين يتبرعون بشكل دوري لمساعدته في رعاية الأطفال والأيتام، وقد عقب على ذلك بالقول: "إن المساعدة الحقيقية الوحيدة تتمثل في إنهاء الحرب، هذا ما يريده كل الأطفال، ثم إن الناس أصبح وضعهم مزر الآن بسبب اقتراب الشتاء"، واختتم حديثه بالقول بأن هذا هو الفصل الذي يعاني فيه الناس إلى أبعد حد، ولهذا فهم بحاجة للمعونات والتبرعات أكثر من ذي قبل، ولكن هل يصغي العالم لمطالبهم؟

المصدر: ميدل إيست مونيتور