"الشاطر" بوتين في مناطق "تصعيد" التوتر

2019.08.25 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

اختار الإعلام الروسي الرسمي أن يضع على شاشات تلفزته وبالخط العريض خبر "دمشق تطوق أنقرة جنوب إدلب". هو لا يعني حتما الرغبة في العودة إلى ذهنية بقايا مجلس الثورة السوفياتية لكنه في جميع الأحوال يعكس الجو الروسي العام بعد تقدم قوات النظام السوري في إدلب وخان شيخون ومحاولات تضييق الخناق على أنقرة في سياستها السورية وإرباك صُناع القرار التركي.

قوات النظام تتقدم بقرار ودعم روسي واضح في إدلب وخان شيخون، لكن الأخطر هو أن مهاجمة الرتل العسكري التركي في إدلب ومحاصرة القوات التركية في نقاط المراقبة المنتشرة في إطار تفاهمات أستانا وسوتشي هي رسالة روسية متعددة الجوانب والاتجاهات لأنقرة قبل أن تكون خطوة تحد وتصعيد جديدة تطلقها دمشق.

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن جنود بلاده لن يغادروا نقطة المراقبة التاسعة في جنوب إدلب، «لسنا هناك لأننا لا نستطيع المغادرة ولكن لأننا لا نريد المغادرة»، موسكو لا تعبأ كثيرا بما تقوله أنقرة حول أن هجمات النظام السوري تتسبب في أزمة إنسانية كبرى، وتشكل تهديدا للأمن القومي التركي فالكرملين يرى أن الرئيس الروسي ونظيره التركي اتفقا على "تفعيل الجهود المشتركة" بشأن إدلب. خيبت موسكو آمال أنقرة التي كانت تراهن على استحالة تحرك قوات النظام السوري نحو مواقع القوات التركية في مناطق خفض التصعيد بريف حماة الشمالي ومحافظة إدلب. حسابات أنقرة أتت معاكسة لتوجّهات موسكو  التي حسمت أمرها باتجاه إنهاء ما تعتبره وضعا شاذا ببقاء الجماعات الجهادية في إدلب وجوارها.

أعلنت الرئاسة التركية أن أردوغان سيقوم بزيارة إلى موسكو في 27 أب الجاري. احتمالات أن يبحث الرئيس التركي عن إجابات لأسئلة كثيرة سيطرحها على "الشاطر بوتين" في موسكو حول ما الذي تبحث عنه روسيا في سوريا هذه المرة وما هي أهداف هذا التصعيد العسكري الروسي في إدلب ضد القوات التركية وأسباب استهداف الرتل العسكري التركي وهو في الطريق إلى إحدى نقاط المراقبة هناك. ربما حالة التوتر والارتباك وصعوبة التحليل والاستنتاج من الداخل التركي هي التي تقود إلى سؤال هل كان من الأفضل لأردوغان التوجه إلى إيران أم إلى موسكو؟ الكثير من التحولات والتطورات تقول إن أردوغان سيعرج على طهران بعد عودته من موسكو للاستماع إلى ما عندها من قراءات قبل القمة الثلاثية المرتقبة في تركيا؟

إصرار موسكو على الإمساك بكثير من خيوط اللعبة في سوريا هدفه الأول والأخير كان إلزام واشنطن بالحوار والتفاوض معها في سوريا

يبدو أن إصرار موسكو على الإمساك بكثير من خيوط اللعبة في سوريا هدفه الأول والأخير كان إلزام واشنطن بالحوار والتفاوض معها في سوريا وهذا ما يجري. تفاصيل وخبايا الخطة الروسية في سوريا والتي كشف النقاب عنها قبل 5 أشهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن موسكو نفسها بدأت تظهر إلى العلن رويدا رويدا. استئصال المجموعات الإرهابية حسب التوصيف الروسي ثم ترتيب طاولة تفاهمات روسية أميركية حول سوريا تفرض على اللاعبين المحليين والإقليميين كل حسب موقعه ودوره وحصته يتم على أساسها سحب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية، واستعادة مؤسسات الدولة مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية في إطار مشروع فيدرالي سوري جديد.

قوات النظام تقترب من أماكن تمركز القوات التركية في إدلب لأنها تريد المواجهة العسكرية معها والقرار هو روسي لتفجير العلاقات التركية الروسية والتحرر من أعباء السياسة التركية في سوريا. ما جاء على لسان أنقرة بعد الاتصال الهاتفي المطول مع بوتين يتعارض تماما مع الرؤى والتقديرات الروسية. أنقرة تقول إن هجمات النظام قد تتسبب بأزمة إنسانية وإن أمنها القومي في خطر موسكو تقول إن دعم النظام السوري في الحرب على الإرهاب مستمرة وإن تركيا لم تلتزم بتنفيذ تعهداتها في إدلب. موسكو تبحث في سوريا عن قواعد تحرك سياسي وأمني جديد يلزم الجميع بما فيهم أنقرة وعلاقات تركية روسية بمعايير ومفاهيم جديدة غير تفاهمات أستانا وسوتشي. السيناريو الأخطر الآن هو أن تقرر موسكو إطلاق يد النظام في غصن الزيتون ودرع الفرات تحت عنوان الحرب على المجموعات الإرهابية التي فشلت أنقرة في تحييدها.

سبق وحذر المبعوث الأميركي المكلف بالملف السوري جيمس جيفري الأتراك أن التراجع التركي في إدلب، أو الدخول في تفاهماتٍ أمنيةٍ جديدةٍ مع الروس باتجاه قبول سوتشي معدل ستكون تبعاته مكلفة، لأنه سيطلق يد روسيا في سياسة القضم التدريجي لآخر جيوب المعارضة، ويسحب منها آخر أوراقها العسكرية والسياسية في سوريا. هل ما زال جاويش أوغلو عند رأيه الذي ردده قبل 6 أشهر حول أن تعزيز العلاقات التركية الروسية يصب في مصلحتنا؟

جوائز الترضية التي تطالب دمشق وموسكو وطهران بها على ضوء هذا الحراك العسكري الذي "يخرج أنقرة من ورطتها أيضا" كما يقول الخبراء الروس كثيرة ومتنوعة: الإسراع في حسم موضوع الطرق الدولية وسيطرة النظام عليها كما طالبت روسيا وإيران بذلك أكثر من مرة. هل أستانا 13 هو الذي فتح الطريق أمام هذا الحراك العسكري والميداني كخيار لا بديل له لإعلان إشارة الانطلاق نحو إنهاء ملف مجموعات النصرة خصوصا المتشدد منها؟ وهل المرحلة المقبلة ستكون أنباء نسمعها حول بداية الانشقاقات وخطوات التمرد داخل هذه الوحدات تمهيدا لإنزال الضربة القاضية بها بموافقة محلية إقليمية دولية؟

موسكو قد تطالب أنقرة بجائزة ترضية أكبر، الضغط على الفصائل لقبول الحالة الجديدة والتوجه إلى طاولة مفاوضات جديدة مع دمشق بشكل ومضمون وجدول أعمال جديد

من الممكن القول أيضا إن موسكو قد تطالب أنقرة بجائزة ترضية أكبر، الضغط على الفصائل لقبول الحالة الجديدة والتوجه إلى طاولة مفاوضات جديدة مع دمشق بشكل ومضمون وجدول أعمال جديد يتجاوز مراحل أستانا وسوتشي التي لم تحقق أي تقدم حقيقي يذكر في مسار الحل للأزمة السورية. تفكيك النصرة مقابل ليونة وتعاون من قبل فصائل وقوى المعارضة السورية.

أنقرة تقول إن نقاط المراقبة التركية باقية لإنها جزء من تفاهمات سوتشي وأستانا. ما الذي ستفعله هذه القوات إذا ما كانت التفاهمات كلها انقلبت رأساً على عقب وتبددت أسباب وموجبات منطقة خفض التصعيد وتقدم النظام نحو مربعات أمنية جديدة في شمال غرب سوريا هل الذي سيناقش في قمة إسطنبول المرتقبة هو خريطة مناطق تخفيض توتر جديدة تتحول سريعاً إلى مناطق تصعيد توتر أخرى وتسوّغ دائما للنظام مواصلة سياسة القضم وتضييق الخناق على ما تبقى من الفصائل المحاصرة في المتنفس الأخير؟

المشهد في فيلم "روبن هود" كما أتذكر هو أن سيدة القصر انغمست في مستنقع الوحل لانتشال خاروف يكاد يختنق هناك فغطست هي الأخرى وباتت تحتاج إلى المساعدة. يتقدم البطل فينقذ الحيوان أولا ثم يعود ويسحب السيدة التي انتظرت دورها. كيف سيكون المشهد في المستنقع السوري؟ من سيغرق ومن سينتشل من؟ دقائق ونعرف التفاصيل.