السوريون والخطة ب

2024.01.20 | 06:52 دمشق

السوريون والخطة ب
+A
حجم الخط
-A

يكاد السوريون يكونون أكثر من استعمل مصطلح الخطة ب في السنوات الأخيرة، بدا كأن الخطة ب تريد أن تجدد نفسها؛ فتعاقدت معهم حتى أن كل سوري وضع خططاً عدة أسماها الخطة ب لأنه يعرف أن الخطة أ من الصعب أن تنجز، كأن الخطة ب صارت في حياتهم هي ذاتها الخطة أ، لأنه لم يتح لكثيرين منهم رفاهية تنفيذ الخطة أ؛ فغدت حياتهم هي تحولات الخطط ب.

عادة ما يكون التخطيط الشخصي والعام، ومفاهيم الخطط الرئيسية والخطط الموازية أو البديلة مظهراً من مظاهر الحياة المستقرة الشخصية أو العامة، فتملك أنت الكثير من أوراق الخطة وممكناتها، حتى تستطيع أن تنفذها عبر سيناريوهات معينة أو خطط مركزية وخطط هامشية تتيح لك فسحة من المناورة، فالخطة أية خطة تقتضي تحديد أهداف وأولويات واستراتيجيات وآليات إجرائية وشبكة علاقات ونتائج وإطار زمني وميزانية لكنها تحتاج قبل ذلك ظروفاً طبيعية لكي يتم تأمين تنفيذها.

السؤال المؤلم: هل من خطة أ وخطة ب لمن كانوا جزءاً من مجتمعات الحرب واللجوء والهجرة القسرية كما هي الحالة السورية؟

الإجابة الأولية ستكون: نعم هناك خطة أ وخطة ب لدى السوريين للنجاة والأمان والتخفيف من المأساة وليس للبناء وإعادة الإعمار.

لكن الإجابة المتأملة تقول كذلك: هناك إلى جانب خطة الأمان تلك، محاولات لإظهار القدرة على الفعل، أو الرغبة بالفعل الإعجازي المغامر الذي يخوضه معظم السوريين في الداخل والخارج: اللاجئ والمقيم والمهجَّر، الكبير والصغير والمرأة والرجل في محاولة للبدايات الجديدة والرغبة بالتحكم بجزء من المصير الشخصي أو العام.

بدا كأن الخطة ب قطعتْ أواصرها مع السوريين، في حالات كثيرة، وكلما وضعوا مخططاً لها هجرتْهم ليقوموا بالبحث عن خطة ب جديدة

الخطة ب في أحد دلالاتها تعني قراءة الحاضر الشخصي أو العام والرغبة بصناعة مستقبل تريده أنت، أو ترغب به، أو تبذل جهداً ما للقيام به، لكن الكثير من مفاتيح المستقبل تنبع من الحاضر المستقر، أو على الأقل من حاضر لك يد كبيرة في صنعه، فكيف إذا كان السوريون بعد أن فقدوا جغرافيتهم الأم باتوا نهباً لقرارات إدارية واستعطافية من قبل إدارات الدول التي يقيمون بها تأخذهم ذات اليمين وذات الشمال.

بدا كأن الخطة ب قطعتْ أواصرها مع السوريين، في حالات كثيرة، وكلما وضعوا مخططاً لها هجرتْهم ليقوموا بالبحث عن خطة ب جديدة؛ لم ينفكوا من فقدان الأمل ببنائها، خاصة أن سترة نجاة الخطة ب تكون في مرات كثيرة مثقوبة أو لا تتحمل موجات البحر فتبتلعهم مياهه ليكونوا خطة أ في فم الأسماك.

حين تلتقي بصديق سوري ممن عرفتهم ذات يوم، تدرك كم خطة ب بناها خلال تلك السنوات وتهدمت المرة تلو الأخرى، حتى وصل إلى الخطة ب العاشرة أو أكثر. فتقول: هناك شيء من التفينق الأسطوري بات ملازماً للشخصية السورية، يتبدى عبر الخطة ب، إذ كلما تهدمت خطة ب يستيقظ ليبدأ خطة ب جديدة.

بات لكل سوري وسورية داخل الأسرة خطة ب مختلفة عن الآخر بعد الذي حدث ومر معهم، فالمصائر تعددت والخيارات اختلفت والأدوار تباينت. وفٌقِدت مركزية العائلة وتراتبيتها وهرميتها، بحيث بدا الكثير من السوريين في مشهد أقرب للمشهد المكرس ثقافياً ليوم الحشر، حيث غدا كل سوري حريصاً على صراطه المستقيم لكي يصل إلى هدفه الذي ينجيه.

ينقل مواطن سوري جرب تجربة النزوح الداخلي مرات عدة أن هناك آباء كادوا أن يتخلوا عن أولادهم في لحظة هروب من برميل، أو لحظة هجوم سوري على سوري آخر يحسب أن هذا الآخر عدوه التاريخي، يقول: كأننا في يوم القيامة، حيث تركنا الغالي والنفيس ولا هدف لنا في تلك اللحظة سوى النجاة من الموت.

الخطة ب، لدى كثير من السوريين اليوم، بيت رمل على شاطئ بحري متموج، فكم من حبيب أو عزيز وضع كل جهده في الخطة أ والخطة ب وحين سلكها أدت به إلى القبر، أو وضع كل عوامل الأمان بعين النظر وإذ به يلقى حتفه من حيث حسب أنه يسلك طريق الأمان.

كيف لغريب عن الزمان والمكان والمؤسسات والظروف الطبيعية أن تستقيم له الخطة ب؟ وكيف للخطة ب الخاصة بكل منا أن تنجح وتحقق أهدافها، وكل من حولنا من الأعزاء تهدمت خطط ب عندهم المرة تلو المرة؟

على الرغم من كل ذلك؛ فإن السوريين والسوريات اليوم: المهجرين والمستقرين، الناجحين والفاشلين، المهتمين بالشأن العام والمنشغلين بشؤونهم الشخصية لا ينفكون عن بناء الخطة تلو الخطة كي يستمروا بالحياة ويوائموا ظروفهم مع ما يحدث في العالم، وكذلك مع التحولات التي لا تنتهي بحيث غدت الخطة ب جزءاً مهماً من استمرار الحياة.

على مستوى مناصري الثورة السورية كأنه لا توجد خطة ب حتى اللحظة وهناك تمسك من قبل كثيرين بالخطة أ التي فقدت ظروفها الموضوعية لكي تصل إلى التنفيذ رغم أن حق بقائها في الضمائر لا يضيع ولا ينفد؟

لم ينتصر مناصرو الثورة على النظام القاتل، الذي حول سوريا إلى أربع سوريات وجعل سمعتها ترتبط بكل ما هو مخالف وإجرامي عالمياً، لأن الخطة أ عنده كانت "الأسد" والخطة ب "أو نحرق البلد" فنجح في تحقيق الخطتين معاً!!!

اليوم؛ كل سورية من السوريات الأربع فشلت خطتها أ لكنها لا تريد الوصول إلى الخطة ب التي قد تلتقي في منتصف طريقها مع الآخر، بحيث إنها تفضل إنْ وجدت الطريق بين نقطتين مقطوعاً معاندته ومحاولة الالتفاف عليه بدلاً من البحث عن طريق آخر جديد مختلف.

 السؤال اليوم: ما هي الخطة ب ومن سيضع تلك الخطة فيما يخص مستقبل سوريا؟

من السهولة القول: كيف للسوريين أن يضعوا الخطة ب لمستقبلهم وهم لا يملكون شيئاً من أدواتها؟

الألم يعتصر قلب كثير من السوريين لأن الكثير منهم لا يزال يعيش في أحلام الخطة أ ولا يقبل الخروج منها، يعاند الزمن والظروف والمعطيات، يعدِّل في الخطة أ التي فقدت روحها ويرفض أن يضع الخطة ب أو أن يكون جزءاً منها، أو يعدها خيانة لرفاق الدرب الذين رحلوا إبان الانشغال في تنفيذ الخطة أ التي لم يحالفها النجاح.

بل هناك من يقول: دعني أعيش في حلم الخطة أ بدلاً من الانتقال إلى الخطة ب، التي ستجردني من قيمي وتحولني إلى تاجر شنطة، والقضايا الوطنية لا تقبل التحول، والقيم لا تقبل التفاوض.

يتحاور مع ذلك السوري سوري آخر يقول له: السياسة إدارة الممكن وأن تكون مطاطاً لتحصل على أعلى حد ممكن مما هو متاح من مطالبك عبر تحقيق انتصار من نوع ما.

 يرد عليه: أن تبقى في الخطة أ الواضحة والصريحة أفضل من الدخول في سراديب الخطط ب!!!

يجيب متحمس للخطة ب: أتفهم حلمك الساكن في الخطة أ ومشروعيته الأخلاقية والمطلبية، لكن الظروف تغيرت وبات البحث عن خطة ب جزءاً من العودة إلى الواقع، الذي تجاوز الكثير من الخطة ب وأخذ يتطلب إعادة النظر بسلم الأولويات وتراتبيتها.

تحضر أزمة الخطة ب وصعوبة متابعتها عند السوريين اليوم أكثر ما تبدو بالشأن الشخصي، وقد فُقدت الأدوات من أيديهم، وبات عليهم بذل الكثير من الجهد لتبقى خيوطها فيما بينهم بحيث يمكنهم الإمساك بالتفاصيل.

الخطة ب ليست ترقيعاً للخطة أ أو حالة نكوصية بل هي بديل مختلف عنها بآليات جديدة، لكن السوريين نتيجة ظروفهم غير الطبيعية يرقعون معظم أيامهم بالألم والتحمل والصبر والوجع والحنين!

تقول صديقة مقيمة في أوروبا، مشغولة بشؤون اللجوء إن الخطة ب هي اليوم عند كثير من السوريين على الشكل التالي:

  • راغب باللجوء يمشي على طريقه يبحث عن طريق آخر قبل أن يمسك به حرس الحدود.
  • متقدم بطلب لجوء يبحث عن بلد جديد يقبله ويكسر بصمته.
  • العودة إلى بلد عربي عند من حصل على الجنسية الأوروبية، يتواصل مع الناس فيه بسهولة ويحافظ على شظايا عائلته.
  • البحث عن بلد بديل، عند من يقيم في تركيا أو مصر أو لبنان أو تكاد تنتهي إقامته في بلد خليجي ويفضل أن يكون البلد في أوروبا!
  • الخطة الدائمة عند السوريين على المستوى المالي في الداخل هي: اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب!

الخطة ب ليست ترقيعاً للخطة أ أو حالة نكوصية بل هي بديل مختلف عنها بآليات جديدة، لكن السوريين نتيجة ظروفهم غير الطبيعية يرقعون معظم أيامهم بالألم والتحمل والصبر والوجع والحنين!

يقول زوج سوري مقيم في أوروبا لزوجته: الخطة ب إن تأخر قرار لم الشمل، أن تأتي عبر طريق التهريب إلى أوروبا، فتهمس في سرها غير واثقة بما يقول: الخطة أ عندي أنني أول ما أصل إلى أوروبا سأطلب الطلاق وأقدم طلب لجوء منفردة!

حبيبة تقول لحبيبها: الخطة أ والخطة ب أن أحبك أكثر وأكثر، فكل الخطط تنهار حين أضع يدي بيدك فأتربع على عرش الأمان!