icon
التغطية الحية

السوريون في مصر.. معاناة الواصلين الجدد بين حلم الاستقرار والواقع

2023.01.14 | 05:30 دمشق

أحد شوارع القاهرة (AP)
أحد شوارع القاهرة (AP)
القاهرة - لجين عبد الرزاق دياب
+A
حجم الخط
-A

تعد مصر الوجهة الأكثر ملائمة للسوريين، الذين ازدادت أعدادهم خلال العامين الأخيرين نتيجة التدهور المتسارع للأوضاع الاقتصادية في سوريا.

ويعاني ملايين السوريين في الداخل من أوضاع "كارثية" في ظل أزمة اقتصادية تزداد يوماً بعد يوم، مع فشل مؤسسات النظام في تأمين الأساسيات اليومية للمواطنين من الكهرباء والمواصلات والتدفئة.

وفق الأمم المتحدة فإن 94% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وإن البلاد على شفا مجاعة.

دفعت هذه الأوضاع الكثير من السوريين للهرب من البلاد، وكانت مصر أحد الخيارات النادرة والمتاحة للكثير منهم.

يعيش اللاجئون السوريون في مصر حياة أكثر استقراراً، منذ بدايات عام 2012، مقارنة بأقرانهم في دول الجوار، وفي المقابل لا تخل حياتهم من صعوبات وظروف قاسية على مر العشر سنوات الماضية.

في المقابل، يعاني اللاجئون السوريون الجدد في مصر من ظروف معيشية صعبة، بسبب عدم وجود فرص عمل في بلد يعاني من البطالة.

وما بين حلم الاستقرار والرغبة بالتحصيل المادي السريع كان الواقع يفرض معادلة أخرى على السوريين القادمين مؤخراً إلى مصر.

مصر.. الوجهة الأفضل للسوريين

بدأ السوريون بالتوافد الى مصر في بدايات عام 2012، وقدمت لهم الحكومة المصرية تسهيلات كثيرة في مجالات عديدة كالتعليم والصحة ودعم المشاريع الصغيرة فضلاً عن تشجيع استقبال المستثمرين ورجال الأعمال.

كما لا تعد مصر هي وجهة السوريين القادمين من سوريا فقط، وإنما يفضلها الكثير من السوريين القادمين من أوروبا وبعض الدول العربية الذين فضلوا مصر على دول اللجوء التي كانوا يقيمون بها.

أعلنت الحكومة المصرية، والمنظمة الدولية للهجرة أن عدد السوريين في مصر بلغ مليونا ونصف المليون سوري في إحصائيات صدرت عام 2022.

أسس السوريون في مصر حياة ومجتمعا خاصا بهم وقاموا بالعديد من المشاريع الاستثمارية الصغيرة والكبيرة وعملوا في مجالات كثيرة خلال العشر سنوات الماضية.

ولفت هذا الأمر الأنظار إليهم مما جعل السوريين في الداخل، وفي أرجاء العالم يرغبون في بداية جديدة هنا.

السفر بالطائرة، ولكن تحتاج إلى "فيزا"

قبل عام 2014، كانت إمكانية الوصول إلى مصر أكثر سهولة مما عليه الآن، قبل أن تفرض السلطات المصرية حصول السوري على تأشيرة الدخول "الفيزا"، فضلاً عن صعوبة استخراجها.

في تموز/ يونيو 2013، فرضت السلطات المصرية تأشيرة الدخول على السوريين لأول مرة.

ويضطر اليوم السوريون الراغبون بالحصول على "الفيزا" المصرية دفع ما بين 1200 إلى 1400 دولار أميركي للمكاتب السياحية لتأمين الموافقة الأمنية، بحسب أحد المكاتب السياحية التي تعمل باستخراج تأشيرة دخول.

يقيم معظم السوريين في محافظتي القاهرة والجيزة وسط تفاوت بمستويات المعيشة بين المدن، فتختلف طريقة الحياة حسب الدخل، فالنسبة الأكبر منهم في مدن "ستة أكتوبر" والعبور وفيصل و"العاشر من رمضان"، من الطبقة المتوسطة ذات الدخل المحدود، ويعملون بمشاريع صغيرة كالدكاكين والمحال التجارية بالإضافة إلى المطاعم والمقاهي والموبيليا.

في حين، تعيش النسبة الأكبر من رؤوس الأموال، والمستثمرين، وأصحاب المعامل الكبيرة، والشركات الضخمة، في القاهرة الجديدة.

معاناة الوصول للقادمين الجدد

معظم السوريين القادمين في العامين الماضيين من الطبقة المتوسطة، اضطروا لبيع ممتلكاتهم في سوريا لتأمين المبلغ المالي للوصول الى مصر.

كما نقل البعض عائلاتهم من أوروبا إلى مصر من أجل العمل والاستثمار في دولة عربية تحمل ثقافة تشبههم.

ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، فمع تدهور الأوضاع الاقتصادية أسوة بموجة الركود الاقتصادي والغلاء عالمياً، لم تعد الحياة المعيشية في مصر مثلما كانت سابقاً.

عبد الغني السليمان، لاجئ سوري، انتقل من السويد إلى مصر، ولكنه فوجئ بصعوبات الحياة فيها مما اضطره للعودة مرة أخرى إلى أوروبا.

ويقول عبد الغني، إنه نقل عائلته من السويد بسبب مشكلات مع دائرة الشؤون الاجتماعية، المعروفة اختصارا بـ “السوسيال"، مفضلاً مصر لأنه يريد تربية أطفاله في دولة عربية تشبهه، وبدأ بإنشاء مشروع صغير لتأمين معيشته.

ويضيف عبد الغني، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، سجلت أطفالي بمدارس خاصة لأنهم لا يتحدثون العربية جيداً، ولكنني مع الوقت لم أعد أستطيع توفير احتياجات الأسرة من آجار المنزل، وأقساط المدارس وغيرها، لذلك اضطررت للعودة إلى دولة أوربية أخرى.

بدوره، محمد المصري، سوري عشريني قادم من دمشق، يقول إن والده باع "شقفة الأرض" التي يمتلكها من أجل إرساله إلى مصر، ليستطيع العمل وإرسال المال لعائلته شهرياً.

ويضيف الشاب السوري، ولكن لم أجد عملا مستقرا إلى الآن على الرغم من بحثي المستمر منذ 4 أشهر، وأضطر إلى اليوم للإقامة في منزل صديقي.

وعن ظروف العمل، يقول محمد إن أرباب العمل السوريين يتعاملون مع الشباب العاملين كأنهم "عبيد" حيث تكون مدة العمل "إن وجد" من 8 إلى 9 ساعات من أجل ثلاثة آلاف جنيه وهو مبلغ لا يكفي مصروفا لمنتصف الشهر.

ويشتكي عبد الرحمن النجار مثل معظم السوريين الذين قدموا جديدا إلى مصر  من أنه لا يستطيع توفير المال من أجل أن يستقدم زوجته وطفليه إلى مصر.

عبد الرحمن يعمل في سوبر ماركت مع شريك له، وكل ما يوفره يرسله إلى أسرته في سوريا شهرياً لمصروفات الحياة.

 ويضيف عبد الرحمن، أنه فقد الأمل من قدرته على جلب عائلته ويحاول حالياً البحث عن فرصة لجوء إلى دولة أوربية ليجتمع بهم من دون دفع مبالغ كبيرة.

لا وجود للعنصرية والتنمر

وعلى الرغم من أن مصر مازالت الوجهة الأمثل للسوريين، فإن بعضهم تأقلم وحاول إيجاد عمل أو أكثر من أجل تحسين الأوضاع المعيشية، والبعض لم يستطع الاستمرار وعاد إلى سوريا أو أخذ يبحث عن فرصة لجوء أخرى.

يقول صلاح محمد، سوري يملك متجراً للمنتجات الغذائية في منطقة فيصل بالقاهرة، بدأت مشروعي منذ عشر سنوات برأس مال صغير لصناعة الألبان والأجبان في المنزل ونقلها إلى المحل صباحاً.

مع مرور الوقت وجدت منتجات صلاح استحساناً وإقبالاً من المصريين وليس السوريين فقط، ما دفعه لتوسيع مشروعه.

ويضيف صلاح، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أن الأمر لم يكن سهلا في البداية، ولكن مع توفر خدمات كثيرة كانت شبه معدومة في سوريا مثل الكهرباء والماء والغاز والمواد الغذائية والأدوية أصبح أفضل.

وبحسب صلاح فإن الحياة في مصر رغم صعوباتها أيسر من الحياة في سوريا بالإضافة إلى شعوره بالأمان وعدم الخوف على أطفاله من الحرب.

وبدوره، تيم البارودي، يقول إنه أتى إلى مصر منذ ثمان سنوات محملا ببعض الملابس وأطقم الصلاة والحجابات من سوريا ولم يكن يتوقع أن الأمر سيكون مربحاً، ما دفعه إلى تحويل هذه التجربة البسيطة إلى مهنة إلى أن افتتح محله الخاص بعد عامين فقط.

رغم ذلك، ومقارنة مع أقرانهم في دول الجوار، يعيش السوريون في مصر بأمان تام وشعور بالاستقلالية وغياب العنصرية والتنمر، وأن مشكلة القادمين الجدد منهم تعود إلى النظرة الوردية للحياة في مصر، وأنها خالية من المصاعب وهو الأمر الذي يجعل البعض يعيشون صدمة عند الوصول.