السوريون في برنامج المعارضة التركية الانتخابي

2023.02.04 | 07:20 دمشق

السوريون في برنامج المعارضة التركية الانتخابي
+A
حجم الخط
-A

أصدر قادة أحزاب المعارضة التركية، المنضوية تحت مظلة "الطاولة السداسية"، مذكرة تفاهم مشتركة، استعداداً لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، التي من المرجح تقديم موعدها، وذلك بعد إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه سيستخدم صلاحياته كرئيس من أجل إجرائها في 14 مايو/ أيار المقبل، بدلاً من 18 حزيران/ يونيو المقبل.

تعدّ المذكرة بمنزلة برنامج مشترك للسياسات، تتطلع الأحزاب الستة إلى تطبيقه في حال فوزها بالانتخابات المقبلة ووصولها إلى سدة الحكم، وتهدف إلى تغيير الأوضاع في تركيا وسياستها الداخلية والخارجية، من خلال تنفيذ بنودها التي بلغت 2300 بند، وتوزعت على 9 أبواب، و75 عنواناً فرعياً، حيث يتركز الهدف المحوري للوثيقة على تغيير نظام الحكم الرئاسي المعمول به حالياً، واستعادة نظام الحكم البرلماني "المعزز من أجل نظام قوي ليبرالي وديمقراطي عادل، يتم فيه الفصل بين السلطات مع هيئة تشريعية فعالة وتشاركية، وسلطة تنفيذية مستقرة وشفافة وخاضعة للمساءلة، وقضاء مستقل وحيادي"، وذلك على حساب جعل منصب الرئاسة فخرياً، عبر تجريده من الصلاحيات الواسعة، وأن ينتخب لولاية واحدة من 7 سنوات، مع إقالته من حزبه بعد انتخابه، وعدم عودته إلى ممارسة النشاط السياسي بعد الانتهاء من منصبه. وطالت المذكرة شتى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بدءاً من "القانون والعدالة والقضاء"، و"الإدارة العامة"، و"مكافحة الفساد والشفافية والتدقيق"، ومروراً بـ"الاقتصاد والتمويل والعمل"، و"العلوم والبحث والتطوير والابتكار"، و"ريادة الأعمال والتحول الرقمي"، و"السياسات القطاعية"، و"التعليم والتدريب"، و"السياسات الاجتماعية"، وانتهاء بـ"السياسة الخارجية والدفاع والأمن وسياسات الهجرة".

لم تشغل قضية اللاجئين السوريين في تركيا حيزاً في الوثيقة، يتناسب مع الحملات التي شُنت ضدهم خلال السنوات السابقة

غير أن اللافت هو عدم تركيز المذكرة على أولوية مسألة اللاجئين السوريين، التي طالما استخدمتها أحزاب المعارضة كورقة ضاغطة على حزب العدالة والتنمية في البازار الانتخابي، وأطلق بعض قادتها، خاصة قادة حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، تصريحات توعدوا فيها اللاجئين السوريين بالعمل على إعادتهم إلى بلادهم "بالطبل والزمر" فور وصولهم إلى السلطة، وذلك عبر التفاهم مع نظام الأسد، بعد تطبيع علاقات بلادهم معه، إذ لم تشغل قضية اللاجئين السوريين في تركيا حيزاً في الوثيقة، يتناسب مع الحملات التي شُنت ضدهم خلال السنوات السابقة، فورد ذكرهم في الفقرة الأخيرة من الباب الأخير فيها، وتحديداً في آخر ثلاث صفحات منها، وذلك في إطار فقرة تتناول سياسة الهجرة.  

إذاً، لم تتخذ أحزاب الطاولة السداسية موقفاً واضحاً حيال إعادة السوريين إلى وطنهم، وتقديمها على أنها مفتاح حل جميع مشكلات تركيا، وسبب ذلك يكمن في أكثر من عامل، أهمها هو اختلاف نظراتها وموقفها إليهم، فمواقف كل من حزب المستقبل وحزب الدفا وحزب السعادة، لا تعادي اللاجئين، وتنظر إليهم من وجهة نظر إنسانية وأخلاقية ودينية، لذا فهي تختلف تماماً عن موقفي حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد، اللذين وقفا وراء أغلب الحملات التي استهدفت اللاجئين السوريين في أكثر من مناسبة، وطالب بعض قادتهما بترحيلهم إلى بلادهم، وذلك بعد أن حمّلوهم مسؤولية أزمات تركيا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وباعتبار أن الوثيقة توافقية، اضطر ساسة هذين الحزبين إلى قبول الموقف المتوافق مع القوانين التركية والدولية في قضية اللجوء والهجرة، الأمر الذي يفسر أن الوثيقة تضمنت ثلاث نقاط، أولها ارتكز إلى ضمان عودة السوريين الخاضعين لـ"الحماية المؤقتة" إلى بلدهم في أقرب وقت ممكن، لكن ليس كيفما اتفق، بل وفقاً للقانون المحلي التركي والقانون الدولي، مع عزم المعارضة على منع تشكيل ما سمّته "الكانتونات غير المنضبطة" للاجئين في بعض أحياء المدن التركية. وثانيها يتجسد في رفض تحويل تركيا إلى "مستودع لاجئين" لأوروبا، بما يعني أن المعارضة ستقوم بمراجعة اتفاقية "قبول الإعادة" الموقعة عام 2014، واتفاقية 18 آذار 2016، اللتين وقعتهما تركيا مع الاتحاد الأوروبي، وكانتا تهدفان إلى التعامل مع اللاجئين وفق مبدأ تحمل المسؤولية المشتركة وتقاسم الأعباء. كما أنها ستقوم بإجراءات عديدة في هذا الخصوص، تشمل إعادة هيكلة المؤسسات المتعلقة بطالبي اللجوء، ولا سيما مديرية إدارة الهجرة، وتعزيز البنى التحتية لإدارتها وموظفيها، ومراجعة قانون الأجانب والحماية الدولية، وتأمين الحدود بالأبراج الكهروضوئية، وأنظمة الإضاءة، وكاميرات رؤية ليلية، وأنظمة الأمن المتكاملة، ونشر المسيرات، وعدم السماح بالعبور غير القانوني للحدود. وثالثها يتمحور حول بذل جهود من أجل بدء حوار مكثف مع جميع الأطراف الممثلة لمختلف شرائح الشعب السوري، و"الإدارة السورية" باستثناء الجماعات الإرهابية، بغية التوصل إلى سلام دائم في إطار قرارات الأمم المتحدة، وخاصة القرار 2254، ودعم جهودها للتوصل إلى حل سياسي، وحماية وحدة أراضي تركيا، بالإضافة إلى دعم مشاركة رجال الأعمال الأتراك في إعادة الإعمار والاستثمار في سوريا.

لا يزيل التغير في موقف بعض أحزاب المعارضة مخاوف السوريين في تركيا، حيث ما يزال القلق ينتابهم من أن تنعكس نتائج الانتخابات المقبلة على أوضاعهم سلباً في حال فوز المعارضة

ربما، هي المرة الأولى التي تتوافق فيها أحزاب المعارضة على ضرورة القيام بأنشطة توعية عامة من أجل القضاء على نقص المعلومات والتحيزات ضد اللاجئين في المجتمع، ومكافحة إساءة معاملة النساء والأطفال المهاجرين، مع تطوير آلية تضمن حصول جميع أطفال المهاجرين وطالبي اللجوء على التعليم، وإعداد مواد تعليمية ومناهج تعليمية عالية الجودة حتى يتمكن اللاجئون من تعلم اللغة التركية. كما أنها المرة الأولى أيضاً التي تُجمع فيها أحزاب فاعلة في المعارضة التركية على "ضرورة إحلال السلام في سوريا على أساس القرارات الأممية"، وإقرارها بوجوب التواصل مع جميع الأطراف الممثلة للشعب السوري، من أجل الوصول إلى السلام.

لا يزيل التغير في موقف بعض أحزاب المعارضة مخاوف السوريين في تركيا، حيث ما يزال القلق ينتابهم من أن تنعكس نتائج الانتخابات المقبلة على أوضاعهم سلباً في حال فوز المعارضة في الرئاسة، خاصة أن مذكرة التفاهم تتوعد بالعمل على إعادة السوريين المشمولين بقانون الحماية المؤقتة، وبتضييق نطاق منح الجنسية الاستثنائية، من خلال مراجعة القانون ذي الصلة والتشريعات الثانوية، بالإضافة إلى إعادة فحص الإجراءات السابقة المتعلقة بمنح الجنسية. كما أن إجراءات الترحيل التي تقوم بها السلطات التركية بحق بعض اللاجئين يزيد من حدّة حالة الترقب والخوف، في ظل تزايد أعدد السوريين المرحلين إلى مناطق الشمال السوري.