السلطة الفلسطينية وتخبطها في أروقة منظمة الأسلحة الكيميائية

2021.05.01 | 05:42 دمشق

000_10l4wi-e1519144597790-640x400.jpg
+A
حجم الخط
-A

جردت الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يوم الأربعاء 21 نيسان/أبريل 2021 نظام الأسد من حقه في التصويت داخل المنظمة، في إجراء وصف بأنه غير مسبوق وخطوة رمزية، وجاء القرار في أعقاب صدور تقرير عن المنظمة ذاتها يتهم نظام الأسد باستخدام غازات سامة في العام 2018 في شمالي سوريا.

صوتت الدول الأعضاء بغالبية الثلثين المطلوبة لصالح القرار الذي دعمته دول منها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وتنص مذكرة القرار على تعليق حقوق وامتيازات نظام الأسد داخل المنظمة. أيدت القرار 87 دولة، وعارضته 15 دولة تصدرتها سوريا وروسيا والصين وإيران، ومندوبة السلطة الفلسطينية روان سليمان، امتنعت 34 دولة عن التصويت وشاركت 136 دولة في التصويت من أصل 193 من الدول الأعضاء.

تعد هذه الخطوة الرمزية والضرورية من جانب منظمة الأسلحة الكيميائية خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة لضحايا الهجمات الكيميائية التي اقترفها النظام السوري والتي تتجاوز الـ 50 هجمة، وهو بمنزلة تحذير وقائي للدول الأعضاء التي اقترفت جرائم مماثلة بأنها لن تفلت من العقاب إن خرقت الاتفاقية الخاصة بالمنظمة.

عكس قرار السلطة الفلسطينية الوقوف مع مجرم حرب كبشار الأسد حالة من ازدواجية وإهانة لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وفي سبيل تحصيله العدالة لضحايا مجرمي الحرب الإسرائيليين

تأتي هذه الخطوة أيضاً كمجهود دولي لتحديد نظام بشار الأسد في المؤسسات الدولية ونبذه سياسياً بحيث لا يقوده الإفلات من العقاب للترويج له كبديل حصري في الحالة السورية، بالإضافة إلى أنها تعطي الحق للمنظمة للتوجه بشكوى لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد النظام السوري الذي خرق اتفاقية المنظمة، حيث قال فرناندو آرياس رئيس المنظمة في تصريح له ببروكسيل أن المنظمة أثبتت بالوثائق تورط النظام السوري بـ 18 هجوماً كيميائياً.

هذه المجهودات التي تمثل أملاً لأهالي ضحايا الهجوم بالأسلحة الكيماوية في سوريا وللشعب السوري كذلك في دول أخرى تعرضت لانتهاكات كما حصل في فلسطين المحتلة حيث استخدمت دولة الاحتلال أسلحة محرمة دولياً في حربها على غزة وفي حربها المفتوحة على الفلسطينيين، وهي مجهودات مهمة، والدول التي وقفت ضد القرار داعمة لبشار الأسد كمجرم حرب، تمثل بذلك حرباً على العدالة وعلى القانون الدولي حتى في خطواته الرمزية.

اللافت أن تصويت نائبة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ضد مذكرة القرار أتى من جهة من المفترض أنها تمثل آمال الشعب الفلسطيني بتحصيل حقوقه عبر تلك المنظمات بخاصة أن ممارسات الاحتلال وانتهاكاته باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً تحتاج لتكاتف من قبل المنظمات والدول التي يمكنها أن تحضر مجرمي الحرب لأروقة المحكمة الدولية.

عكس قرار السلطة الفلسطينية الوقوف مع مجرم حرب كبشار الأسد حالة من ازدواجية وإهانة لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وفي سبيل تحصيله العدالة لضحايا مجرمي الحرب الإسرائيليين.

فقدت السلطة الفلسطينية ممثلة بقيادتها، المصداقية القانونية والأخلاقية في تمثيل قضية شعب فلسطين عبر تحالفها مع مجرم حرب كبشار الأسد، وبمواقفها التي والت هذا النظام القمعي في أكثر من مناسبة، وبذلك هي تمثل خذلاناً لكل الفلسطينيين والسوريين الساعين لتحقيق العدالة والحرية لهم، فالسلطة الوطنية بأجهزتها الأمنية أخذت كثيرا من الفكر القمعي من جاراتها الديكتاتوريات القمعية العربية، وشكلت في ممارساتها بدعم نظام مجرم تناقضاً صارخاً مع مبادئ الحرية والعدالة وإنصاف الضحايا، حيث تشكل هذه كلها الأساس الذي تخاطب به القضية الفلسطينية محيطها العربي والعالمي.

إن التذرع من قبل السلطة الفلسطينية ومن يبرر وقوفها مع النظام الديكتاتوري السوري بكون هذا النظام القمعي نظاما ممانعا، شكّل ذريعة زائفة، فحسب محافل التقدير الاستراتيجي ممثلة بمراكز الأبحاث التابعة لجهازي الاستخبارات العسكرية والموساد ووزارة الخارجية فإن إسرائيل تفضل بقاء بشار الأسد، فدولة الاحتلال تفضل وجود محيط مأزوم وجيش ضعيف ومتخلف مادياً ومعنوياً وقمعي ومفكك وتحت سلطة ديكتاتور على أن يتم استبداله، فهو لا يمثل أي خطر عليها، فحسب أفيف كوخافي رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية السابق ورئيس أركان الجيش الحالي فإن إسرائيل تفضل التعامل مع بشار الأسد على مواجهة رئيس جديد مجهول يقتضي منها إعادة تكوين شبكة مصادرها الاستخبارية.

لا يمكن فهم قرار السلطة الفلسطينية بالتصويت لصالح مجرم حرب سوى على أنه تعدٍ صارخ على أسس تمثيلها للشعب الفلسطيني الذي ينشد قيم الحرية والعدالة وإحالة مجرمي الحرب للعدالة الدولية، فانسجام خط السلطة الفلسطينية السياسي مع خط الأنظمة القمعية وارتباطه معها بتحالفات ظروف يعكس عمق الأزمة والتخبط في صنع القرار لدى السلطة الفلسطينية.

لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تتنكر أيضاً للتقارير الدولية التي تتحدث عن وقوع ضحايا من بين اللاجئين الفلسطينيين في تلك الهجمات الكيميائية للنظام السوري، فقد تحدثت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا عن وقوع 36 فلسطينيا بينهم 18 شخصاً من عائلة واحدة عائلة غازي في بلدة زملكا، وقضاء سبعة فلسطينيين في معضمية الشام بتاريخ 21 آب/أغسطس 2013 في أعقاب الهجوم بالكيماوي على البلدتين في ريف دمشق والذي راح ضحيته مئات من سكان المنطقة بسبب هجوم النظام السوري عليها بغاز الأعصاب المحرم دولياً.

إن التذرع من قبل السلطة الفلسطينية ومن يبرر وقوفها مع النظام الديكتاتوري السوري بكون هذا النظام القمعي نظاما ممانعا، شكّل ذريعة زائفة، فحسب محافل التقدير الاستراتيجي ممثلة بمراكز الأبحاث التابعة لجهازي الاستخبارات العسكرية والموساد ووزارة الخارجية فإن إسرائيل تفضل بقاء بشار الأسد

كذلك حسب الشهادات فإن الضحايا من اللاجئين الفلسطينيين في تلك الهجمات تفوق الأرقام التي أُعلن عنها وذلك يرجع لتكتم الأهالي خوفاً من بطش النظام السوري وصعوبات التوثيق.

مثّل قرار السلطة الفلسطينية خذلاناً واسعاً للفلسطينيين كذلك لدى أهالي ضحايا الهجمات، فكان الموقف الرسمي للسلطة يعكس حالة من التخبط في سياساتها في المؤسسات الدولية، فكيف تحارب السلطة الفلسطينية تحقيق العدالة لضحايا الهجمات الكيميائية في سوريا في الوقت الذي ترفع فيه دعاوى قضائية وقانونية ضد إسرائيل من أجل تجريمها في محكمة الجنايات الدولية؟

لا بد للشعوب العربية أن تتحالف في نبذ نظم القمع والاستبداد والتسلط، فالشعب الفلسطيني في اللجوء والشتات وعلى أرضه المحتلة المطلوب منه نبذ قرارات السلطة الفلسطينية التي تتساوق مع الديكتاتوريات العربية ورفضها على أوسع المستويات، وشجبها والتنديد بها لأنها لا تمثل سعي الشعب الفلسطيني لنيله حقوقه كذلك لا تمثل مجهودات ومطالب الشعوب الحرة في سعيها لنيل حرياتها.