ربما كان إلغاء منصب المفتي في سوريا الذي يعود إلى عام 1918 وتشكيل ما سماه نظام الأسد "المجلس العلمي الفقهي" ربما كان نهاية تقنية لمنصب كتب نهايته بنفسه بسبب طبيعة الأشخاص الذين تقلدوا هذا المنصب من أحمد كفتارو إلى أحمد حسون، وربما كان الأخير الكارثة الحقيقية على هذا الموقع.
في البداية علينا التمييز هنا بين الموقع والشخص، بمعنى ربما يعطيك الموقع سلطة إدارية حقيقة لكن إذا افتقد الشخص الصفات المعنوية والثقافية والنزاهة فإنه يخسر تأثير هذا الموقع لا سيما إذا كان الموقع يعتمد في تأثيره بشكل كبير على التأثير المعنوي من مثل موقع المفتي. إذاً لا سلطة للمفتي على الناس وعلى السوريين بشكل خاص، سلطته الوحيدة هو تأثيره عليهم عبر احترام شخصه وموقعه وموقفه وآرائه، وهنا كان حسون ذليلاً وضيعاً بشكل لا يقاس بأي شخص في نظام الأسد فما بالك بموقع يحظى بمركزية دينية كبيرة مثل المفتي.
لقد سبق كفتارو حسون في الموقع الذي احتفظ به لعقود خلال حكم الأسد الأب وكان دائما مؤيدا داعما له منذ دعم الأسد له في معركة المفتي ضد حسن حبنكة الميداني، لكن كفتارو بنفس الوقت طور شخصية صوفية جعلته محبوبا من شريحة محدودة جداً من الدمشقيين وبقيت الشكوك دوما تثار على طريقته وشخصيته وتأثيره.
كان نظام الأسد سعيدا بالدرك الذي وصل إليه حسون لأنه يسهل عليه عملية إنهاء المنصب كليا وإنهاء استقلال السلطة الدينية في سوريا عن نظام الأسد وإلحاقها بمنصب إداري هو وزير الأوقاف الذي هو في الحقيقة شخصية لا تختلف عن حسون في وضاعته وابتذاله.
لكن عندما تسلم حسون الموقع انتقل به إلى مستوى الدرك الأسفل كما يقال عندما بدا شبيحا في دعمه لجرائم الأسد في القتل والتعذيب من الدرجة الأولى، لقد أصبح يزايد على قادة الأجهزة الأمنية في القتل والتعذيب وتبرير هذه الجرائم، تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي عباراته وكلماته التي كان يلبسها دوما عبارات دينية وكان السوريون يزدادون في مقته وكراهية شخصه لأنهم يرون الحقيقة بأم أعينهم، يرون أولادهم يُعذبون ويقتلون، ويرون الأمن يطلق النار على المتظاهرين السلميين، ويشهدون بأم أعينهم كيف يتعامل النظام معهم، ولا يريدون لأحد أو يسمحون لأحد -حتى ولو كان المفتي- أن يكذب ما عاشوه من تجارب شخصية وحقيقية، تصاعدت المأساة في اللجوء والهجرة والحصار والمعاناة اليومية مع الألم لكنه ازداد فجورا في عباراته في تشبيه جيش النظام بالصحابة، وفي تهديد اللاجئين السوريين وتكفيرهم، فازداد كره السوريين له ولموقعه ومنصبه وهو ما عنى بالحقيقة نهاية منصب المفتي كليا حتى ولو أنه بقي في موقعه حتى الأسبوع الماضي.
نطلق على ذلك في علم القيادة أن الموقع خسر تأثيره القيادي الذي يعتمد بالأصل على احترام الناس للشخص وتقبل تأثيرهم له، ولذلك كان نظام الأسد سعيدا بالدرك الذي وصل إليه حسون لأنه يسهل عليه عملية إنهاء المنصب كليا وإنهاء استقلال السلطة الدينية في سوريا عن نظام الأسد وإلحاقها بمنصب إداري هو وزير الأوقاف الذي هو في الحقيقة شخصية لا تختلف عن حسون في وضاعته وابتذاله، وهو جعل السوريين ينهون دور المفتي أو الوزير في حياتهم، ويجعل دور المؤسسة الدينية بحكم المنتهية كليا في الحياة العامة للسوريين بسبب الأشخاص الذين تقلدوا هذه المواقع وصفاتهم الشخصية.
سئل مرة أحد قضاة المحكمة الفيدرالية الأميركية لماذا يستمع الناس لكم ويطبقون قراراتكم رغم أنه لا شرطة لديكم؟ أجاب لأن الناس تحتاج إلى هذه المحكمة ودورها، ولأن الناس باتوا مقتنعين بأن نزاهة الأشخاص في هذه المحكمة هم فوق الشبهات، عكس هذا تماما حصل مع المؤسسة الدينية في سوريا، التي وقف كثير من شخصياتها مع الأسد في حربه ضد السوريين فلا عجب أن يشمت السوريون اليوم بحسون، ولو أنهم حزينون لأن الأسد نجح وبسهولة في تحطيم رمز ديني كان جزءا من حياتهم على مدى المئة عام الماضية.