"الحل سوري - سوري" لغز أم حقيقة؟

2021.06.28 | 06:11 دمشق

bd_alrhmn32.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد عقد على الكارثة السورية التي سبقها عقودٌ من موات السياسة والحريات والحياة الطبيعية في سوريا، وحيث لم يكن هناك بد من ثورة على كل ذلك؛ ساد الرأي بأن ما يعيد سوريا إلى سكة الحياة هو حلٌّ "سوريٌّ -سوري"؛ فهو المخرج الطبيعي المستند على فهم جوهر ما حدث، وسبل معالجته. حتى القرارات الدولية لحظت الحل "السوري- السوري" في نصوصها. غير أن كثيرين تلظوا تحت هذا الشعار أو المبدأ؛ وباسمه عبثوا بكل إمكانية للحل "السوري - السوري" خدمةً لأجنداتهم الخبيثة، ومصالحهم الضيقة، وأمراضهم المستعصية.

حَمَلَ هذا المفهوم معاني كثيرةً ومتباينة للسوريين أنفسهم، ولكل مَن تدخّل بقضيتهم: - فالسورية لنظام الأسد هي عبادة الأسدية، وإلغاء الذات من أجلها، وفداؤها بالروح والدم. سوريا لهؤلاء، هي الأسدية، لأنها إما أن تكون "سوريا الأسد"، أو لا تكون. ومن هنا لم يقلق هؤلاء من العمل بشعار "الأسد أو نحرق البلد".

الحل "السوري - السوري" للأول، هو تكريس "سوريا الأسد"؛ وللثاني فقط الخلاص من "سوريا الأسد" وتحقيق سوريا الوطن الحر المنيع المزدهر ذي الحكم الرشيد لكل أبنائه

للسوري غير الأسدي، سوريا هي ذلك المكان الذي ينتمي إليه أباً عن جد، هي الهوية والأحاسيس والذكريات، وهي قداسة الوطن الحر المنيع الخالي من الأسدية وأمراضها. سوريا هي التي يضحّي مِن أجلها حتى لو اضطر إلى الجلوس مع المنظومة الإجرامية، لإنقاذ الوطن، الذي ليس له غيره. ومن هنا، فالحل "السوري - السوري" للأول، هو تكريس "سوريا الأسد"؛ وللثاني فقط الخلاص من "سوريا الأسد" وتحقيق سوريا الوطن الحر المنيع المزدهر ذي الحكم الرشيد لكل أبنائه.

لإسرائيل "السورية" مصدر خطر وجودي؛ كلما تأذّت أو تأزمت أمورها؛ ضعفت وانشغلت بذاتها وبقضايا أخرى؛ وكلما خنقها الاستبداد والعوز والخوف؛ اطمأنت وارتاحت إسرائيل؛ فما تقوم عليه إسرائيل، أرض لها ومنها؛ ومشروعها لا يعيش، إلا بضعفها واستكانتها حتى الاستسلام. والحل "السوري - السوري" متطابق مع رؤية المنظومة الاستبدادية الأسدية، التي أراحت إسرائيل لعقود، والآن حوّلت سوريا إلى حالة كسيحة، لا تقوم لها قائمة لعقود.

ولأميركا هي قطب رحى شرق المتوسط، حيث ربيبتها إسرائيل؛ ولسيدة العالم الكلمة الفصل فيها. هي لها استراتيجياً بوابة قارات ثلاث؛ ومن يتحكم بمصيرها، لا بد أن تكون أميركا مرجعيته. ومَن يتدخل بها، لا بد له من إذن المرجعية، أو أن يثبت أنه لا يعاكس مشاريعها. وبخصوص الحل "السوري - السوري"، فهي لن تكترث أكان كذلك أم غيره، طالما اعتبرت نفسها المرجعية..

ولروسيا هي فرصة العودة لإحساس "الدولة العظمى" والوجود على المسرح الدولي. وتحت غطاء الحل "السوري - السوري" لقضية سوريا، بحسب مفهوم روسيا، نراها تقف وراء طرف، لسحق الطرف الآخر؛ وتشرعن طرفها رغم جرائمه، وتلغي حق الآخر بأن يكون شريكاً حقيقياً فاعلاً. وشأن إيران بهذا التوجه مطابق للشأن الروسي؛ وخطابهما واحد. أما القرار العربي فهو فهم هذا التوجه بنيّة حسنة، حيث يعتقد أن القول بحل "سوري - سوري" هو جامع مانع منسجم مع القرارات الدولية.

يبقى الأهم في هذا التوجه رأي السوريين أنفسهم؛ فإن استلطف نظام الأسد هذا الطرح، فهو مِن منطلق المزايدة وادعاء السيادة؛ إلا أنه يعرف تماماً المواقف المذكورة أعلاه أولاً، ويعرف أن الحل "السوري - السوري" يعني "الأسدي - الأسدي" ثانياً. مَن اختار الحل الأمني العسكري، ومَن جلب الميليشيات والمرتزقة والاحتلال ليقهر شعباً ثار عليه، ومَن لا يتحمل أي معارضة أو كلمة "لا"، ومَن كان يُنزِل بالمتظاهرين السلميين (باعترافه) عقاباً مضاعفاً لعقابه للمسلحين، ومَن لم يأتِ إلى أي جولة "مفاوضات" إلا لتخريبها، لأنه لا يعترف ولا يريد العملية السياسية برمتها، ولا يعتبر أن لأي سوري أي حق ليفاوض أو يكون نداً له؛ هذا لن يرى في الحل "السوري - السوري" إلا الحل "الأسدي - الأسدي". من هنا، مِن الظلم بمكان أن يُقال إن مفاوضي المعارضة لم يفعلوا شيئاً. عملياً، ليس هناك شيء ليُفعَل، والنظام مدعوماً باجرام إيران وروسيا و"فيتوهاتها".

مِن جانبها ترى ثورة سوريا أنه حتى لو كانت هذه المنظومة الأسدية الاستبدادية ضرورة لإسرائيل ولأميركا ولروسيا ولأوروبا، إلا أنها أضحت عبئاً لا يحتملونه، ولو مجتمعين. وقد يستغرب بعضهم القول إنه أضحى عبئاً حتى على إيران، الدولة المارقة؛ لأنه يزيد في سلوكها قذارة. ومن هنا، مهما حاول مَن يريد التمسك به، أو تكريره؛ فإنه بداية لن يُفلح بسبب ملفاته الإجرامية، وذاكرة السوريين، وثورتهم، وجهدهم الذي لن يتوقف، وتالياً، بحكم تكلفته التي أصبحت أكبر من الاستثمار فيه أو الجنى منه. ولكن للضرورة، نستمر بطلب الحل السوري - السوري. وللأسف يستمر جلد الذات؛ وبعضهم يسارع إلى القول إن هناك تزمتاً وتطرفاً؛ ولكن يُغفَل في هذا السياق السؤال الأهم: لو كان هناك استعدادية حقيقية للدخول في الحل السياسي لإحلال السلام، حتى لو استلزم المساومة، لما ترددت الثورة أو المعارضة من أجل إنقاذ سوريا وأهلها من هذا المصير المرعب؟ ألم تكن ثورة السوريين سلمية بالمطلق لأكثر من ستة أشهر (وبعظمة لسان النظام)؟ ألم تستجب المعارضة للعملية السياسية، وحتى بما في ذلك أستانة؟ وماذا كانت النتيجة؟ ….. هذه المنظومة الإجرامية على ديدنها؛ تنشر الفوضى، تقتل، تدمر، تشرد مستندةً إلى القوة؛ وتريد حلاً أسدياً - أسدياً.  

معروف أن بين السوريين شروخاً لا حصر لها؛ والدولة بمفهوم بعضهم ليست لكل السوريين، وبحسب النظام فعلياً ليست لمن يحمل هويتها بل لِمَن يدافع عنها. هكذا قال رأس نظامها الاستبدادي؛ والقصد ها هنا "بالدفاع عنها" ليس خفياً، إنه الدفاع عن المنظومة الحاكمة حصراً؛ فالبلد مستباح لجملة من الاحتلالات؛ وبعضها أقرب وأهم بالنسبة للنظام الحاكم من أي سوري.

تستمر أكذوبة الحل السوري - السوري؛ ولكن بالنسبة لثورة سوريا، لا بد من حل سوري - سوري لا أسدي - أسدي

نحن كشعب لا نمتلك تلك القوة الجبارة لنستند إليها، ولكننا لسنا فقط قادرين، بل إنه من حقنا -بحكم الدفاع عن النفس- أن نقاوم الظالم المعتدي، وبمختلف الوسائل؛ وهذا الأمر آتٍ لا محالة؛ والكلام لكل تلك الاحتلالات، بما فيها سلطة الاستبداد. ولدينا كل الوثائق التي تدين إجرامهم. أردنا فعلاً حلاً سلمياً، ومنذ البداية، ودخلنا كل عملية سلمية؛ وأردناه حلاً "سورياً - سورياً"؛ وتعرضت الثورة والمعارضة لكل أنواع التقريع والتشويه واللوم والنقد الجارح حتى من أهلها وخاصة قبولها بمجرد الاحتكاك مع هذا النظام المجرم. وما ثبت هو أن الكل يكذبون، ويشوهون، ويستمرون بدعواتهم وادعاءاتهم الزائفة. من قبل منظومة الاستبداد وحماتها تستمر أكذوبة الحل السوري - السوري؛ ولكن بالنسبة لثورة سوريا، لا بد من حل سوري - سوري لا أسدي - أسدي.