الحرائق.. فشل آخر للنظام وخسارة للسوريين

2020.10.10 | 00:55 دمشق

ehv014vwkact1pu.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعيون دامعة وقلوب محترقة، كان السوريون في العالم يشاهدون حرائق صلنفة والغاب والحرائق المتفرقة التي اشتعلت في ليال ارتفعت فيها الحرارة وندر فيها الماء والكهرباء في هذا الوطن المنكوب.

وعلى مدى ليال لم يكن للسوريين سوى أن يطلبوا من قوى الطبيعة أن تنجدهم بمطر من غيبها فيما تجاهل النظام بداية الحرائق، ثم أعلن عن السيطرة عليها فيما كانت لا تزال مستمرة تهدد قرى ومدنا بسكانها، في ردات فعل لا مسؤولة طالما ميزت ردود فعل النظام بكل ما يخص مواطنيه.

وبينما أتت الحرائق على مساحات واسعة يصعب تحديدها من محمية الشوح والأرز، فإن تلك تعد خسارة وطنية بل وعالمية، نظرا لما تتمتع به هذه المحمية من قيمة علمية نادرة، إذ تعد آخر المواطن الأصلية للشوح والأرز، ويعيش فيها نحو ١٤٢ نوعا نباتيا نادرا، وحوالي ٦٠ نوعا من الحيوانات.

 تقع المحمية على قمة النبي متى، وهي أعلى قمم الجبال الساحلية، تحيط بمنطقة المحمية أشجار السنديان التي تمتد حتى ارتفاع ١١٠٠ متر، وفي المحمية يقع على السفح الغربي لقمة النبي متى غابات من الأرز بمساحة تقدر بألف هكتار، ويتفرد السفح الشرقي بأشجار الشوح النادرة عالميا على مساحة تقارب المائتي هكتار، وفي هذا المناخ المتوسطي البارد والرطب ذي ال ١٥٠٠ ملمتر من الهطول تعيش كائنات حية نادرة مثل الغزال السوري، والنسر الأقرع، والنمر السوري، وتعيش نباتات نادرة مثل البيونيا والقيقب ويتخللها دائما أشجار السنديان.

لكن المؤسف حقا هو عدم اهتمام النظام بكل هذه القيمة، وكل هذه البيئة التي تحتاج مئات السنين لتعود كما كانت، على افتراض رغبة السلطة السياسية بدعم عودتها وحمايتها وتوفير الظروف الملائمة لذلك، بل إن احتمالات افتعال هذه الحرائق من قبل حراس الغابات باتت أقوى مع روايات شهود فضلوا عدم ذكر أسمائهم، تحدثوا عن إعطاء هذه الأراضي المحروقة لمتنفذين قاموا بغرسها مباشرة، حيث يبيع حراس الغابات الأشجار المتفحمة وقد زاد سعر كيلوغرام الفحم خصوصا مع نقص مصادر الوقود الأخرى كالمشتقات البترولية والغاز، ووجود سوء توزيع، فبات الفحم تجارة بين حراس الغابات وتجاره في السوق السوداء، ويشكل المواطن الحلقة الأضعف في هذه السلسلة التي تنتهي به.

ساهمت هذه الحرائق أكثر فأكثر بتعرية هذا النظام وفضح عجزه، حتى أمام كوارث من الممكن لأي دولة السيطرة عليها، فبينما استطاعت قوى إطفاء إدلب من السيطرة على الحرائق في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بريف إدلب، رغم مضايقات النظام وإضعافه لهم، وقطع الطرق في وجوههم ووعورة الطرق وضعف التجهيزات، فقد كان الوضع كارثيا في مناطق النظام حيث استمرت الحرائق وبلغت العشرات في نقاط متفرقة، وأعلن عن السيطرة عليها فيما كان الناس على الأرض يرون كذب ذلك ويسرعون بالفرار من بيوتهم التي تقترب منها النيران.

وفيما قال وزير زراعة النظام حسان قطنا بأن الأضرار مادية فقط وأتت على ألفي دونم فقط، فإن فرق الإطفاء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أكدت أن الحرائق أتت على خمسة آلاف دونم من ريف حماة في يوم واحد فقط.

وبينما تشتعل في العالم بشكل متزايد حرائق يعود سببها إلى ارتفاع درجات الحرارة، فإن تواتر الحرائق السنوي، وعددها الكبير، حيث بلغت في اللاذقية وحدها هذا العام أكثر من خمسين حريقا، فإن كل هذه المعطيات تجعل من اهتمام النظام بديهية، وتجعل بالمقابل من كذبه ومحاولة التخفيف من حراجة الموقف

في دولة تحترم نفسها ومواطنيها، قد يعلن الحداد على حرائق كهذه، وتجهز فرق إنقاذ، ويتم إعادة تأهيل المناطق المنكوبة وتعويض أهلها

جريمة غير بريئة، لا يفسرها سوى فساد وبيع وتأجير أراض، وعدم الأخذ باعتبار المحاسبة، فمن سيرفع صوته ويحاسب، تفكر سلطة تنظر إلى مواطنيها كالقطيع، عليهم أن يأكلوا ويعملوا ويناموا، وبالطبع أن يشكروا هذه القيادة الحكيمة على وجودها فوق رؤوسهم?!

في دولة تحترم نفسها ومواطنيها، قد يعلن الحداد على حرائق كهذه، وتجهز فرق إنقاذ، ويتم إعادة تأهيل المناطق المنكوبة وتعويض أهلها، ووضع خطة لمكافحة مخاطر ما بعد الحريق من سيول وسواها، وفي سوريا فقط، يتم تجاهل كل هذا، لا بل وقد يحاصر الشخص الذي قد يطرح أي تساؤل بتهمة "النيل من القيادة" وهي تهمة جديدة تم نحتها من قبل هذا النظام الفريد!

بعض السوريين المعارضين، سمحوا لأنفسهم بتمني مزيد من البؤس لمناطق النظام، ورأوا في الحريق عقابا إلهيا، وسمحوا لأنفسهم بالابتسام لرؤية شجرة تحترق، لمجرد أنها "شجرة في مناطق النظام"! وتستحق ما يحدث لها!

لقد قام هذا النظام عبر حربه على السوريين بترك بصماته على كثير من القلوب التي تعاني من حقد النظام، وتعيد إنتاج هذا الحقد، فيما نحتاج أن نحب بلادنا لنتمكن من إنقاذها، أن نتفهم حرائقها ونعي أن كل شجرة تحترق هي خسارة لنا جميعا، وأن أشجار مناطق النظام متشابكة أغصانها مع أشجار مناطق المعارضة، وأن الحريق حين يشتعل لا يميز بين هذه وتلك، وأن المطلوب تضامننا جميعا للخلاص من هذا النظام ولمعاقبة مفتعلي الحرائق، كلهم.

وكما أمراء الحرب، يفرح حراس الغابة بافتعال حريق سيدر عليهم ثروة شخصية تدوم بعض الوقت وتزيد جشعهم، بينما نحزن نحن لخسارة وطن وجزء نادر في هذا العالم نحتاج مئات السنين لنستعيد خضرته، والفرق بيننا فارق أخلاقي ليس إلا.

لا يختلف عش الطير المحترق وصغاره في الداخل عن صور ضحايا مجزرة الكيماوي، والحولة، ونحن لسنا سوى الشجر، والماء!