التحذير الأخير قبل نهاية العالم

2022.03.14 | 05:06 دمشق

000_323y9j6.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن الحرب الروسية على أوكرانيا مفاجئة لنا على الأخص نحن السوريين، بل يمكنني القول بأننا ونتيجة لتجربتنا الشنيعة في سوريا نعرف بحق مدى جنون العظمة الذي يعانيه القيصر الروسي، ونعرف أنه لا يعرف شيئا آخر غير الحرب ليعالج أي أمر يطرأ أمامه.

لكن الصور المتلاحقة من كييف وبقية المدن الأوكرانية كانت تسحبنا بين تفاصيلها لنعيش من جديد لحظات قصف حمص وبانياس واقتحام المدن واحدة تلو الأخرى، لنقف عاجزين عن كبح جماح آلام كنا نظن أننا تجاوزناها، لكن المؤكد أننا سنعود لمربع الشعور بالضحية مع كل مأساة إنسانية نراها في هذا العالم، وقد ننجو أو لا.

وبالتأكيد فإن ما زاد من الشعور بالمأساة حجم الاهتمام العالمي بالغزو الروسي لأوكرانيا وحجم العقوبات التي نزلت على روسيا بشكل فوري، في حين بدا لنا، نحن السوريين، وكأن سوريا تقع في كوكب آخر، وبأن العالم لا يعي بأن روسيا قامت حقا بجرائم قصف وتهجير وشتى أنواع الجرائم ضد الإنسانية في سوريا، الجميع يتحدث عن جرائم روسيا في أوكرانيا رغم أنها منذ العام ٢٠١٥ وعلى مدى سبع سنوات استمرت روسيا تسفك الدم السوري، فهل تعتقدون أن الدم السوري مختلف عن الدم الأوكراني أو أن مأساة تشرد عائلة سورية أقل إيلاما من تشرد عائلة أوكرانية؟

لا يخجل المحلل الروسي من الإضافة مصرحا بأن الطرفين، الأميركي والروسي، كانت "مصالحهما" واحدة في سوريا، ومتعارضة في أوكرانيا!

يقول المحلل السياسي الروسي الذي تستضيفه قناة "الجزيرة" على هوائها المباشر تعليقا على خبر إنشاء قناة مباشرة بين الروس والأميركيين للتفاهم منعا لوقوع "أخطاء" تفضي إلى حرب نووية على سبيل المثال، يقول بأن الأميركيين والروس لديهم "تجربة" جيدة في التفاهم كما في سوريا! لا يخجل المحلل الروسي من الإضافة مصرحا بأن الطرفين، الأميركي والروسي، كانت "مصالحهما" واحدة في سوريا، ومتعارضة في أوكرانيا!

أعتقد أن المشكلة تكمن تماما هنا، في كون القطبين الرئيسيين في هذا العالم "توافقا" ضمنا وصراحة على أنه لا مشكلة في قصف وتهجير السوريين وقتلهم، مما قاد بالضرورة إلى تضخم النمر الروسي ليرى في نفسه النهم والقدرة على الهجوم على فريسة أخرى هذه المرة هي بالمصادفة "أوكرانيا"!

يوحي الغضب الشعبي تجاه الهجوم الروسي على أوكرانيا مقابل الصمت العالمي عن المأساة السورية، بالإضافة إلى الانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون السوريون على الحدود التركية وعلى الحدود البولندية، وفي بقاع كثيرة طافحة بالعنصرية، مقابل الترحاب والتضامن والاستعداد للاستقبال الذي تروج له ماكينات الإعلام والسياسة الأوروبية، كل هذا يوحي بأن المآسي درجات واللاجئين مستويات، كما أن العالم طبقات، عالم أول أبيض، عالم ثان ملون، وبينهما مسافة كبيرة، وبعدهما يأتي العالم الثالث، الأسمر، ولاجئو هذا العالم، لا يجوز أن ننسى بأنهم يعانون الاضطهاد حتى وسط الأزمة الأوكرانية التي تنشر موجة تضامن تغطي الكرة الأرضية كلها!

شعوري بالألم شخصيا ينبع من كون تساهل العالم معنا كضحايا سوريين أفضى بالضرورة إلى وقوع الأوكرانيين ضحايا أيضا، أعرف جيدا أن الضحية هي الضحية وأن المجرم ذاته، لكنني بت أشك بأن العالم يزن ألم الضحية بلون بشرتها ولون عيونها وطول قامتها! ورغم سخافة الفكرة علميا في هذا المجتمع الذي يقوم على العلم اليوم أكثر من أي شيء آخر، فالشخص ذو العيون الملونة يستطيع أن يرى الألم والدموع فقط في عيون الضحية ذات العيون الملونة القادمة من جينات "أوروبية"، ولا يرى الألم في عيوننا البنية نحن ضحايا الشرق الأوسط! يرى الدم الأوروبي ويعرف كرياته، لكنه يرى في دمنا المسفوك منذ أكثر من عشر سنوات سائلا ملونا وليس دما!

في عالم السياسة الفوقي، وبعيدا عن عالم الميديا القذر، عالم أكثر قذارة، لا يرى الضحايا الشرق أوسطيين، ولا الضحايا الأوروبيين، إنه يرى فقط المصالح السياسية، وعلى هذا المستوى المنحط لا غضاضة في حرب على أوكرانيا، ولكن يمكن التنسيق كي لا يتسبب ذلك في حرب نووية تورط "الدول المتحضرة"! العقوبات على روسيا في هذا المستوى الوغد من السياسة الدولية هي فقط تفاصيل صغيرة لتغطية عورة العالم المتحضر!

نهاية العالم الفعلية لن تكون بقنبلة نووية بقدر ما ستكون عبر موجات كراهية وعنصرية بغيضة تقضي على الإنسانية

ما يهمنا أكثر من أي وقت مضى نحن الضحايا الذين نشكل العدد الأكبر في هذا العالم، الضحايا السوريون والعراقيون والإيرانيون والأفغان واللبنانيون والمصريون و.. والأوكرانيون، إن ما يهمّنا أن نوجد سبلا للعمل المشترك لتتم معاقبة المجرمين وإعادة بناء أوطاننا أماكن صالحة للعيش والتنمية والحياة، وإعادة العمل في كل القوى التي تؤمن بالإنسان وبكونه أغلى ما على هذه الأرض، لتخفيض نسب الظلم ورفع مستويات العدالة الإنسانية التي أعتقد أنها وصلت إلى أعلى مستوياتها في هذه الأثناء، وهذا ما يهدد بموجات عنصرية وحقد وكراهية، قد يكون مشعلها الضحايا أنفسهم، وبالمناسبة فإن نهاية العالم الفعلية لن تكون بقنبلة نووية بقدر ما ستكون عبر موجات كراهية وعنصرية بغيضة تقضي على الإنسانية وكل شعور بالتعاطف بين أضلعنا وفي دمائنا، فحذار..