icon
التغطية الحية

الجيش السوري قبل الوحدة.. هل كانت الانقلابات الأولى كردية؟

2023.05.07 | 06:36 دمشق

الأول من اليمين في الصف الأول اللواء سامي الحناوي مع عدد من قيادات الجيش السوري عام 1949 – "التاريخ السوري المعاصر"
الأول من اليمين في الصف الأول اللواء سامي الحناوي مع عدد من قيادات الجيش السوري عام 1949 – "التاريخ السوري المعاصر"
+A
حجم الخط
-A

قادت الجدالات حول الطبيعة الطائفية لنظام الحكم عموماً وللقوات المسلحة خصوصاً في سوريا، إلى إعادة البحث في الخلفيات السوسيولوجية (الطبقية، أو المدينية، أو الدينية، أو الإثنية) لضباط الانقلابات العسكرية في البلاد في الفترة 1949-1970 بأثر رجعي.

وكثيراً ما فسرت الانقلابات العسكرية في سوريا بوصفها انعكاساً لتلك الخلفيات، كأعمال نيقولاوس فان دام وميشيل سورا وليون غولدسميث. وربما تتمتع أغلبية الاعتقادات والأحكام، التي اعتمدت على التحليلات الطبقية والدينية الطائفية بقدر كبير من الدقة، لكن التحليلات التي اعتمدت على الخلفيات الإثنية جانبت الدقة مقارنةً بسابقاتها. فالانقلابات الثلاثة الأولى، قادها ضباط من أصول كردية متعربة، ما دفع العديد من الباحثين إلى القول بأقلوية هذه الانقلابات كالباحث والدبلوماسي غسان سلامة في كتابه "المجتمع والدولة في المشرق العربي" (ص163).

كما ويطلعنا ضابط سلاح الجو الدمشقي المعروف محمد سهيل العشي في مذكراته "فجر الاستقلال في سورية: مُنعطف خطير في تاريخها" (ص135) أن انقلاب حسني الزعيم أعطاه الفرنسيون هوية كردية في كليات التدريس في ذلك الحين، في أثناء دراسة أخيه زهير العشي، وبحسب المحاضر فإن زعمه يعتمد على مصادر رسمية فرنسية.

إلّا أنَّ الممارسة العملية لقادة الانقلابات الثلاثة، أي حسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي، على صعيد بنية الجيش والمؤسسات السياسية والتحولات القانونية لأوضاع تلك الأقليات، لم تظهر عملية "كردنة" أو "شركسة" لمؤسسات الدولة.

كأحد أبرز الأمثلة على ذلك سياسات أديب الشيشكلي، حين سعى إلى تحجيم أعداد الأقليات داخل الجيش في نهاية عهده، لصالح الحفاظ على الطابع العربي السني للمؤسسة العسكرية، رغم أنه من أصول كردية لجهة الأب، وشركسية لجهة الأم، ما يعني حمله لأقليتين في هويته وليس بأقلّوي. فقد عمد إلى سياسة التصفية والاستبعاد ضد ضباط الجيش الشركس والمسيحيين والعلويين.

وفي النصف الثاني من عام 1953 لاحظ الشيشكلي تحولاً عميقاً في بنية الجيش السوري، وهي هيمنة الأقليات الكردية والشركسية والعلوية والمسيحية على قاعدة الجيش الأساسية، فأصدر قراراً بتشكيل "كوتا" لكل أقلية سواء إثنية أو طائفة بحيث تتناسب مع طبيعة الأكثرية العربية السنية في سوريا. وأحال عشرات الضباط من الأقليات إلى التقاعد، ونقل آخرين، إلى مناطق خارج العاصمة دمشق. أي إنّ عهده، كما يصفه عزمي بشارة شهد عمليات "تسنين" للجيش وتعريب له وتفكيك لنفوذ الأقليات الكردية والمسيحية فيه.

الإرث الانتدابي وجيش الشرق الخاص

يستند هذا التحليل الأقلياتي إلى مسلمة شائعة في بعض أوساط الباحثين العرب والغربيين على السواء، بالقول إن طبيعة تكوين الجيش السوري، الذي يعود إلى إرث الانتداب الفرنسي حين تم تأسيس "جيش الشرق الخاص"، تقوم على الأقليات السورية عموماً، إذ حالت السلطات الفرنسية دون دخول أبناء الأكثرية العربية السنية إلى الجيش في حالات عدة.

في المقابل يشير الباحث "نخلة بو نخلة" في دراسته الرصينة "Les Troupes Speciales: Religious and Ethnic Recruitment, 1916-1946" حول تجنيد السوريين في أثناء الانتداب إلى أن نسبة العرب السنة في هذه القوات كان يفوق حضور الأقليات على اختلافها، انظر في الجدول (1) الذي يبين توزيع الأقليات الدينية داخل تركيبة جيش الشرق بين كانون الثاني وشباط عام 1944، أي حين برز الصراع بين الحكومة الوطنية وبين الحكومة الفرنسية حول تسلم الجيش كجزء من نقل المصالح الخاصة إلى الحكومة الوطنية.

الجدول 1: تمثيل السوريين في قوات الشرق عام 1944، استناداً إلى دراسة بو نخلة.

الطائفة / الإثنية

نسبة الضباط في قوات الشرق

العرب السنة

30.7

الكرد

-

الشركس

-

العلويون

22.6

الدروز

8.6

المسيحيون

30.7

لا يقتصر الأمر على حدود التركيبة العامة للجيش فحسب، بل إن حضور العرب السنة في سلك الضباط عام 1947، أي بعد استقلال سورية عام 1946، أعلى من أي تحدر أقوامي أو ديني آخر في الجيش، كما هو موضح في الجدول (2).

الجدول 2: التركيبة الدينية لضباط الجيش السوري عام 1947، استناداً إلى دراسة بو نخلة.

الطائفة / الإثنية

نسب الضباط في الجيش السوري

العرب السنة

31.8

الكرد

22.7

الشركس

4.5

العلويون

4.5

الدروز

4.5

المسيحيون

18.6

وبالتالي لم تقم فرنسا بإقصاء جماعات سكانية بكاملها لأسباب مذهبية وأقلوية، بل إن السياسة التي انتهجتها باريس في عمليات التجنيد اعتمدت على اختيار جماعات - طوائف وإثنيات وعشائر وعائلات - موالية لسياساتها، في انتقائية تستبعد المشكوك في موالاتهم داخل الأقلية والأكثرية على حد سواء. في حين يشير بعضهم، إلى أن باريس انتهجت سياسة تركيز الأقليات، الإثنية أو الطائفية على السواء، في الوحدات النوعية للجيش، مثل مفارز ووحدات الخيّالة الشركس والعلويين، والفوجَيْن "الكلدو – آشوريين" في الجزيرة السورية، وبالتالي ليس بالضرورة أن التناسب الكمي لمكونات وشرائح المجتمع داخل الجيش، ينفي السياسات الأقلوية للنظام الاستعماري.

ثمة سببان موضوعيان لانخفاض الأكثرية العربية السنية لصالح تفوق الأعداد (الريفية - الأقلوية) في النصف الثاني من الأربعينيات والخمسينيات من بنية الجيش السوري. أولاً، ترفُّع أبناء المدن السورية - وعلى وجه التحديد مدينتا دمشق وحلب - عن الالتحاق بالجيش في حينه، نتيجة تصدرهم الحيز السياسي الحزبي والعمل الاقتصادي التجاري، الأمر الذي فتح الطريق أمام أبناء الأرياف والأقليات من الدرجات الأدنى في مستويات المعيشة للانخراط في الجيش، إذ شكّل الجيش بالنسبة لها، كما يصف العديد من الباحثين كحنا بطاطو، وسيلة للترقي الاجتماعي الاقتصادي. رأى الباحث كمال ديب أن هذا الترفع كان "غلطة تاريخية ارتكبتها العائلات السنية المدينية والتجارية وعائلات الملاكين في الأرياف، لأن تعاليهم عن الخدمة في الجيش واحتقارهم لمهنة العسكرية جعلا أعداءهم الطبقيين أصحاب نفوذ وسلطة في القوات المسلحة، استعملوها فيما بعد لاستلام مقاليد الحكم في سوريا".

ثانياً، قدرة السنة في المناطق الحضرية على دفع بدل مالي لقاء تجنب الخدمة العسكرية الإجبارية، التي تصل إلى عام ونصف أو عامين، مقابل 500 ليرة سورية. في حين يصعب على أبناء المناطق الريفية والطبقات الدنيا، التي هي في أغلبها أقليات، من أبناء الفلاحين تحمل عبء هذا المبلغ، ما شكل سببًا إلزامياً -من الناحية الاقتصادية- في التحاق هذه الطبقات في صفوف الجيش.