icon
التغطية الحية

الجولاني يعدّ خطة الخروج من المأزق بعد المطالبات بعزله.. هل يتكرر سيناريو 2017؟

2024.02.27 | 18:39 دمشق

آخر تحديث: 28.02.2024 | 10:26 دمشق

الجولاني يعدّ خطة الخروج من المأزق بعد المطالبات بعزله.. هل يتكرر سيناريو 2017؟
الجولاني يعدّ خطة الخروج من المأزق بعد المطالبات بعزله.. هل يتكرر سيناريو 2017؟
إدلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

من الواضح جلياً أن الطريق الذي سلكه أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام لإنهاء قضية العملاء -عبر تقزيمها وإخراج المتهمين بالعمالة أبرياء- كان خاطئاً. فبعد أن وضع الجولاني ومن خلفه "تيار بنش وحدود" معظم المعارضين لهم في السجن بتهمة العمالة، تحولت هيئة تحرير الشام من تيارات متنافسة مختلفة فيما بينها، إلى لون واحد وتيار واحد، لكن إخراج الجولاني الجميع من السجن أعاد الهيئة إلى مرحلة صراع أسوأ بكثير مما كانت عليه، بل ووصلت ارتداداتها إلى الجولاني شخصياً.

كشفت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا كواليس لقاءات الجولاني بـ "العملاء الأبرياء" المفرج عنهم بعد التعذيب والتشهير، وكيف تعالت الأصوات المطالبة بعزل الجولاني وخرجت للعلن، كما كشفت تفاصيل الخطة التي يحضرها الجولاني للمرحلة القادمة للخروج من المأزق الأكبر الذي يواجهه الفصيل من النشأة.

قرار لم يرض أياً من الطرفين

يوماً بعد يوم، تتكشف المزيد من التفاصيل عن المشكلات الداخلية الكبيرة داخل هيئة تحرير الشام، وبحسب مصادر موقع تلفزيون سوريا فإن الجولاني اضُطر إلى إخراج العملاء والمتهمين بالعمالة نتيجة ضغوط خارجية وداخلية، حيث هدد عددا من قادة الألوية في الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام بمواجهات مسلحة وضغطوا بقوة من أجل إخراج شخصيات في الجناح العسكري كانت في السجن، وبعد إخراج المتهمين بالعمالة من السجن، هدد عددا من العاملين ضمن تيار بنش بتعليق عملهم ضمن الهيئة، وعلق بعضهم عمله فعلاً، كأبو حفص بنش قائد لواء طلحة وعدد من العاملين في مجموعات عندان.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعد خروج عدد كبير من العسكريين والأمنيين من سجون الهيئة، وبيدهم صكوك براءتهم، أسدل الستار عن فظائع تحدث في تلك السجون، تتضمن ألواناً وأنواعاً شتى من التعذيب على غرار معتقلات نظام الأسد، وقد تعرض قادة في الجناح العسكري لذلك التعذيب وخرجوا ناقمين على من عذبهم وعلى من وضعهم في السجن.

كان الجولاني مدركاً لحجم الضغط الذي يتعرض له، فمنذ خروج أول العسكريين من سجونه وحتى الآن، وهو يعقد معهم اجتماعات متتالية، ويجري زيارات يعتذر فيها للمُفرج عنهم عما ذاقوه من تعذيب داخل السجون، ووزع مبالغ مالية على القادة العسكريين والمقاتلين، وزار كل معتقل خارج من السجن مرتين وأكثر.

كل ذلك لم يحل المشكلة، وتعالت الأصوات داخل الهيئة لمحاسبة من سجّن وعذّب العسكريين ووجه لهم اتهامات بالعمالة وأساء لسمعتهم ولشرفهم وعائلاتهم، فالجولاني حصر المشكلة ببعض المحققين والسجانين كــ"أبو عبيدة منظمات، وأبو الجماجم التح، وأبو أسامة 38، وأبو خديجة الصوراني، وغيرهم" لكن هذه الادعاءات لم تنطل على العسكريين الحاقدين على من عذبهم ،فسجنُ هؤلاء لم يحل المشكلة، لأنه من غير المنطقي أن يستطيع عدد من المحققين والسجانين اعتقال وتعذيب شخصيات كبيرة في الهيئة، وتوجيه تهم العمالة لها دون وجود أوامر عليا، ولذلك كانت المطالبات بكشف من يقف خلف المحققين ولماذا وجّه تهم العمالة لهم.

قالت مصادر لموقع تلفزيون سوريا إن أصوات العسكريين تعالت للمطالبة بإقالة وسجن أبو أحمد حدود الشخصية الثانية في الهيئة بعد الجولاني والمشرف على قضية العملاء والمفصل الأمني الذي نفذ الاعتقالات.

وبحسب المصادر، رفض الجولاني إقالة حدود أو وضعه في السجن، لكونه أكثر المقربين منه، وبيت أسراره، كما أن التفريط بحدود قد يسهل الإطاحة بالجولاني نفسه، بعد رفض الجولاني الإطاحة بحدود واصل جولاته المكوكية على المفرج عنهم من السجن، واستمر في تقديم الهدايا المالية لهم لاستمالتهم وكسب ودهم وإخماد أصواتهم، لكن ذلك لم يفلح أيضاً فوصلت المطالب إلى إقالة أبو محمد الجولاني من زعامة هيئة تحرير الشام على العلن.

بقيت المطالب المرتفعة حبيسة الجلسات الخاصة مع الجولاني، حتى ظهرت إلى العلن عن طريق علي صابر، عضو مكتب العلاقات العامة في الهيئة، والذي قدم استقالته وكتب منشوراً على حساباته في فيسبوك وتلغرام، جاء فيه: "بناء على ما حصل من مجريات وأحداث نطالب قائد هيئة تحرير الشام باتخاذ قرار جريء بتسليم دفة القيادة إلى مجلس جديد حقيقي لقيادة المحرر، لأن أحمد الشرع فقد الأهلية، وإن كان ما صنعه مسبقاً ظلماً وعدواناً فيكفينا ما ذقناه منه، وإن كان ما قدمه من خير لا نعلمه فسيأجره الله عليه، أما نحن أهل الشام -ولست مخولاً بالحديث عنهم فأنا أقلهم منزلة وعلماً- فقد فقدنا الثقة به وعزلناه من قلوبنا، ونطالبه خلال ثلاثة أيام للاستخارة والاستشارة، ولا بد لهذا المشروع أن يمضي بكوادر أبناء الثورة جميعهم".

شغل علي صابر (محمد العلي) منصب المتحدث الإعلامي باسم هيئة تحرير الشام وعمل تحت اسم "عماد الدين مجاهد طيلة سنوات".

لم يقف الأمر عند عضو مكتب العلاقات المستقيل، بل ما تزال المطالبات بتنحية الجولاني وتسليمه قيادة الهيئة مستمرة حتى الوقت الحالي، مع تهديدات من العسكريين بالمواجهة وتحويل الهيئة إلى ساحة صراع داخلية، وظهرت تلك المطالب وارتداداتها إلى العلن. حيث قال الشيخ أيمن الهاروش أحد المقربين من الهيئة: "حين عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد وأقولها على الملأ كان عمر مخطئا في عزله لكنه من صلاحياته لم يترك خالد موقعه مع أنه وجد في نفسه من فعل عمر لأنه ترسخ في عقله أن مصلحة الأمة والجماعة مقدمة على مصلحته الخاصة". فيما يدل على أن الهاروش يحاول ثني المطالبين داخل الهيئة عن مطالبهم بعزل الجولاني.

وأضاف الهاروش: "مما استقر في الفقه الذي هو محل إجماع أن الحاكم إن ظلم فردا من أفراد الأمة فليس له أن يشق عصا الجماعة لمظلمته (وإن جلد ظهرك وأخذ مالك) لأن فساد الفوضى وضياع الشوكة أعظم بكثير من مظلمة خاصة. علينا أن نعلم أن الإصلاح مطلوب والتغيير للأفضل مطلوب والنصح مطلوب والسكوت عن الخطأ غش للراعي وخديعة لكن تؤتى البيوت من أبوابها وفرق كبير بين النصح والشتم وبين الإصلاح والهدم وبين النقد والتخوين".

وقال القيادي المنشق عن هيئة تحرير الشام أبو مالك التلي في رسالة وجهها لقيادة هيئة تحرير الشام: "إذا كانت قيادة الهيئة جادة في وأد الفتنة، وصادقة في دعواها إننا ما أتينا إلا لنصرة أهل الشام؛ فالواجب عليها  فعل الآتي:

أولا: إطلاق سراح كافة سجناء الرأي بدون استثناء، وإطلاق سراح السجناء القضائيين الذين لم تثبت بحقهم إدانة قضائية وهم كثر.

ثانيا: فسح المجال أمام أهل الحل والعقد لإعادة تشكيل مجلس شورى حقيقي ويكون بداية بإعطاء أهل العلم المعروفين وبعض الأكاديميين في المحرر الصلاحية التامة بتنظيم ملف الشورى من جديد.

ثالثا: تنازل أبي محمد الجولاني عن قيادة هيئة تحرير الشام  وتعيين شخص مكانه مؤقتا موثوق به من ضمن الهيئة ريثما يتم تشكيل لجنة عن طريق أهل الحل والعقد والعمل بعدها على تنظيم أمور المحرر كاملة بالتنسيق بين الفصائل وتلك اللجنة التي يتم اختيارها مع ضرورة المحافظة على المكتسبات.

وأضاف التلي: ليس هناك أي مجال لاستمرار الجولاني في قيادة هيئة تحرير الشام فالواقع يقول إننا مقبلون على فتنة عظيمة وهناك بركان يغلي يوشك أن يظهر للعلن.

وضرب التلي المثل في حادثة القياس تنازل الحسن عن الحكم لمعاوية رضي الله عنهما، لحفظ الأمة من الدخول في فتنة عظيمة وصراع.

استبق المنظر الجهادي أبو بصير الطرطوسي خطة الجولاني للخروج من المأزق بتعيين قائد شكلي، فقطع عليه الطريق وقدم رؤيته للمرحلة القادمة: "لا يُقبَل من الجولاني أن يُسلم قيادة الهيئة إلى غيره، ثم يكون في الظل هو القائد الفعلي، كما فعل ذلك من قبل .. بل يجب عليه بعد أن يسلم قيادة الهيئة إلى غيره ممن تجتمع عليه كلمة المجاهدين والثوار، أن يَغيب عن مشهد الثورة كلياً .. ونود أن يكون ذلك بإرادته .. فإن لم يكن بإرادته فبإرادة الثوار والمجاهدين المخلصين".

ما رد الجولاني على تلك المطالب؟

بحسب مصادر موقع تلفزيون سوريا فإن الجولاني كان ملتوياً متلوناً في ردوده على المطالبات، فتارة يسوف الأمر حتى الانتهاء من قضية العمالة ورد الحقوق للعسكريين، وتارة يبدي مرونة ويقول إنه مع ما يراه مجلس شورى الهيئة ولا يعارض الجماعة، وتارة يقول إنه مسؤول عما حصل ولن يتخلى عن القيادة قبل أن يصلح ما وقع من أخطاء، وتارة أخرى يريد شخصاً كفؤاً يحفظ الهيئة من التشظي والانقسام وإن وجد هذا الشخص فهو لا يمانع من تسليمه القيادة.

خسر الجولاني تيار القحطاني الذي وضعه في السجن، وعاود خسارة تيار بنش بعد الإفراج عن تيار القحطاني الذي لم يكن يريد عودة منافسيه، وبذلك وقع الجولاني في مأزق كبير.

وبحسب المصادر فإن الجولاني ومن معه قد وضعوا خطة قيد الدراسة حالياً تكرر فيها قيادة الهيئة ما فعلته عام 2017 عندما استقال الجولاني وعين هاشم الشيخ أبو جابر القائد السابق لأحرار الشام زعيماً صورياً للهيئة، وبقي الجولاني المتحكم الفعلي وصاحب القرار الوحيد فيها.

ويجري حالياً تداول أسماء عدة لتسليمها قيادة الهيئة صورياً كخيار أخيار لتجنب التشظي والحرب الداخلية، ومن بين تلك الأسماء كل من إبراهيم شاشو، وزير العدل السابق في حكومة الإنقاذ، ومصطفى موسى رئيس مجلس الشورى الحالي وآخرين.

يجمع من تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا من مصادر عسكرية وأمنية داخل هيئة تحرير الشام، ومراقبين خارج الهيئة، أن الأزمة التي يعيشها الجولاني حالياً هي الأكبر، وأن محاولته لوضع شخصية أخرى كواجهة في قيادة الهيئة وبقاؤه متحكماً بالنفوذ لن تحل المشكلة، فالخلاف الداخلي الذي تشهده هيئة تحرير الشام هو الأكبر منذ تأسيسها، وستكون الهيئة مسرح مواجهات داخلية بينية، إما عبر صدام مسلح ظاهر، أو عبر تنفيذ اغتيالات متبادلة، وتشكيل خلايا لا تحمل تبعية للهيئة على غرار "سرايا درع الثورة"  لتنفيذ أجندات الأطراف المتصارعة.

ويمكن القول بأن هيئة تحرير الشام وصلت إلى نقطة اللاعودة، ولن يكون هناك مربع أول تعود إليه.