الثورة السورية في عامها الحادي عشر ضعف التكتيكات وغياب الاستراتيجيات

2022.01.21 | 04:46 دمشق

220202117315585.jpg
+A
حجم الخط
-A

تمر علينا من خلال حياتنا اليومية وتطرق مسامعنا أحيانا من خلال وسائل الإعلام باختلاف أنواعها المرئية والمسموعة بشكل دائم كلمة "التكتيك"، ولعل غالبنا مع كثرة الحروب وخاصة في الثورة السورية يقرنها بالأعمال العسكرية والقتالية، ولكن هذا المفهوم نسبيا مفهوم ضيق خاطئ، إذ لا يقتصر التكتيك والتكتيكات فقط على أعمال وفنون القتال وأساليب وطرق خوض المعارك الميدانية، بل إن مصطلح التكتيك مفهوم واسع يستخدم في السياقات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية، وكذلك في الألعاب الرياضة والأنشطة التنافسية الأخرى، وقد أتت هذه الكلمة من اليونانية القديمة وتعني فن الترتيب.

إن التفكير التكتيكي أمر ضروري جدا في الواقع المعقد الذي نعيشه وسنحتاج لتطبيقه في جوانب مختلفة عدة من تفاصيل حياتنا، سواء في العمل أو على المستوى الشخصي والاجتماعي. كما يمكن استخدام التعبيرات التكتيكية في سياقات مختلفة، ولكن الشيء المهم في التكتيك هو أن يشير وبدقة إلى مجموعة المعطيات والإجراءات والوسائل المستخدمة التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف.

تعريف التكتيك العسكري والفرق بينه وبين الاستراتيجيات

التكتيك العسكري أو التخطيط العسكري بالتعريف هو. فنّ وَضْع الخطط الحربية وتحريك الجيش في المَيدان بحسب تَطوُّرات المعركة. أي هو علم وفن إدارة وقيادة المعارك وتنظيم القوات والقوى العسكرية (البرية والبحرية والجوية) وتقنيات استثمار واستخدام الأسلحة وإشراك جميع الوحدات العسكرية بمختلف صنوفها (المشاة، المدرعات المدفعية، الكيمياء، الدفاع الجوي... الخ) في مواجهة العدو في كل أنواع المعارك (الدفاعية أو الهجومية أو المعركة التصادمية) والعمل وبأقصر الآجال على التأثير عليه وهزيمته. ولا بد لي أن أشير هنا إلى أن التغيرات والتطورات التقنية والتقدم التكنولوجي في وسائط الصراع وأدوات وأجيال السلاح الجديدة (القنابل الذرية والصواريخ البالستية والأسلحة الجرثومية والبيولوجية.. وغيرها) ستفرض نفسها وستنعكس حتما على التكتيكات العسكرية المعروفة وعلى أساليب خوض المعارك وبدرجات متفاوتة.

يعدّ التكتيك العسكري هو أدنى مستويات التخطيط العسكري الثلاثة (التكتيكي والعملياتي والاستراتيجي)؛ إذ يعدّ المستوى الاستراتيجي أعلى مستويات التخطيط، ويعني ترافق القوة العسكرية مع القوة السياسية وتجميع كل الوسائل معاً من عسكرة وسياسة واقتصاد ونحوها للتفوق على الخصوم وتحقيق الانتصار بالحروب.

تستخدم "الاستراتيجيات" و"التكتيكات" بعدة طرق وأساليب، ومن الضروري فهم وإدراك ما المقصود بهذين المصطلحين وكيفية ارتباطهما الوثيق بعضهما ببعض، بهدف تحقيق النجاح والنصر في الأعمال القتالية، وعليه فإن الاستراتيجيات هي: مجموعة الخطط المرسومة المتكاملة والقرارات المتخذة التي تحدد الأهداف الأعمق وتحدّد أساليب التعامل معها والتأثير عليها أو إنهائها باستخدام العديد من الطرق والأساليب التكتيكية الناجعة المتاحة.

أما التكتيكات العسكرية فهي التخطيطات والإجراءات المتخذة والأعمال القتالية المحددة التي تساعد على تحقيق الاستراتيجية وتتعارض الاستراتيجية مع التكتيك وفق أبعاد مختلفة، ففي المجال العسكري تفعل وتعمل الاستراتيجية قبل المعركة أما التكتيكات فتفعل وتنفذ خلال سير وبدء المعارك.

الثورة السورية وأوجاع لا تنتهي

مما لا شك فيه أن المعارضة المدنية منها خاصة، وطوال سنوات الثورة كانت فاقدة للرؤية السياسية المفصّلة لمرحلة سوريا ما بعد الأسد، وإلى الخطة العملية الناجعة لتحقيق التغيير. فكان هذا قصوراً فادحاً أثار الشكوك حول ما إذا كانت المعارضة بالفعل بديلاً مقنعاً يُعتدّ به أو حتى أن يكون لديه فكرة واضحة عن النظام الجديد الذي سيتسلّم زمام الأمور في البلاد بعد إسقاط النظام.

بعد بدء الثورة السورية في عام 2011، وحتى الآن ومع اقتراب الثورة من الوقوف على عتبة عامها الحادي عشر لم تستطع المعارضة السورية وللأسف أن تضع أهدافاً استراتيجية واضحة، ولم تستطع أن تحدد التكتيكات والوسائل اللازمة والأكثر فاعلية لتحقيق هذه الاستراتيجية، فتركت ومنذ البداية عفوية الشارع السوري والأحداث المرحلية والآنية تقودها وتسيطر عليها، وترسم لها تكتيكاتها واستراتيجياتها.

أما الشخصيات القيادية المعارضة وهذا أعزوه لضعف شأنها وقصر نظرها وتعدد مشاربها وانقسامها وقصر كعبها فقد اكتفت بتمثيل المعارضة من دون القدرة على قيادتها، حتى إنّ من سمَّوا أنفسهم بالنخب والقادة المعارضين (إن انطبقت عليهم كلمة قادة) العسكريين منهم والسياسيين ساهموا بشكل أو بآخر في تمييع الاستراتيجيات بالتكتيكات الفارغة وغير المسؤولة، ففهمت القضية السورية كهدف فقط، من دون أن تستطيع هذه المعارضة ولأسباب عديدة عدة أن تُحرّك الأدوات الفكرية والاجتماعية والشعبية ضمن رؤية واستراتيجية واضحة ومحددة تستطيع إقناع العالم والمجتمع الدولي بها، أو حتى  أن تعكس قدرتها طوال سنوات "عشر عجاف" على تصدر المشهد السياسي أو العسكري، ولهذا تقهقرت الثورة السورية وفشلت حتى الآن في الوصول ولو جزئياً إلى أهدافها التي خرج من أجلها الشعب السوري وقدم الدماء و التضحيات والغالي والنفيس لتحقيقها.

عشر سنوات مرت من دون أن تعترف المعارضة "الحكيمة" التي تمسكت بكراسيها بأسباب التقهقر الحقيقية التي كان سببها الأهم غياب التكتيكات والاستراتيجيات الحقيقية المرسومة، وكالعادة اكتفت هذه القيادات (الهشة)، بإلقاء اللوم على الخارج "مسمار جحا" (نظرية المؤامرة) الذي أراد التآمر على الثورة، وعلى طموح السوريين بالتحرر والديمقراطية والكرامة،

ختاما..  بلا شك إن الفشل لمن أراد هو الخطوة الأولى نحو النجاح وليس نهاية الطريق، بل هو البداية دائما. ولنعلم أن الفشل هو حالة إذا لم نمر بها لا يمكن أن ننجح ونكتشف أنفسنا وقدراتنا، فعندما نفشل في شيء فهذا لا يعني أبدا نهاية للمطاف إن جعلناه درسا للبداية والانطلاق الواعد من جديد، إذاً فعلى المعارضة السورية بجميع مسمياتها وتكتلاتها ووضعها الحالي أن تغيّر من تكتيكاتها واستراتيجياتها بعد أن لمست ولسنوات عديدة مرت بعدم جدواها وفشلها في الوصول إلى الأهداف المرسومة رغم عظم التضحيات!

ولتصحيح المسار قبل أن ينتهي إلى المجهول فلا بد (للمعارضات العسكرية والسياسية ) أولا من الاعتراف الجريء بإضاعتهم للبوصلة وعدم القدرة على وضع التكتيكات والاستراتيجيات اللازمة لتحقيق الغايات، ومن ثم عليهم تحديد الوسائل الممكنة لاستعادة هذه البوصلة، ووضع تكتيكات واستراتيجيات جديدة واضحة وهذا كله لن يتحقق إلا من خلال نخبة ثورية سياسية وعسكرية مثقفة ماهرة تتصدر المشهد، وتبدأ بتحديد الأولويات وأساليب بث الروح في الثورة وإيقاد واستمرار زخمها وجذوتها من جديد، وما هي الوسائل التي يجب أن تتوافر وتستخدم لتغيير المسارات، وتحديد أساليب ضعف وقوة الخصوم، وإبراز قوّة الحجّة والإقناع السياسي، وهذه بالمجمل خطوات ضرورية كي لا يكون المسير طويلا وممتلئاً بالأشواك والعقبات.