التطبيع العربي مع الأسد.. جدار فولاذي أميركي

2023.04.23 | 06:02 دمشق

التطبيع العربي مع الأسد.. جدار فولاذي أميركي
+A
حجم الخط
-A

مع اقتراب موعد القمة العربية، المقرّر عقدها في المملكة العربية السعودية منتصف الشهر المقبل، يرتفع منسوب التحدي لدى الدول العربية الساعية خلف التطبيع مع نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من أن التطبيع بعد كارثة الزلزال المدمر بَدا محسوماً، فإن تلك السرعة والاندفاعة تباطأت نسبياً خلال الأيام الأخيرة، على الرغم من زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لدمشق ولقائه بشار ومجموعته، فإن الحديث المفتوح عن تلميع الأسد أو إعادة تدوير نظامه يبدو أنه تراجع أمام رفض عواصم عربية وفيتو أميركي.

يبدو جلياً أن دول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات تميل بشكل صريح إلى مساحات أكبر وأعمق في التفرد والاستقلالية عن الحليف التاريخي الأميركي

وعندما باشرت السعودية بإدارتها الجديدة بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، مسارات التطبيع مع الأسد، كان الحديث أن الرياض لا تكترث للاعتراضات الأميركية المحتملة. وفي تقديرها أن المصلحة السعودية تكمن في الانفتاح شرقا وغربا وتنويع مصادر الدعم والتبادل والتحالفات الدولية والإقليمية. ولذلك، أحدثت الرياض في الأشهر الأخيرة خروقات واسعة في جدران العلاقات مع الصين وإيران، بالإضافة لمصالحة الأتراك وإعادة تقوية التنسيق مع القطريين، والسبب الرئيسي هو العلاقات المتوترة بين الرياض وإدارة الرئيس جو بايدن.

ويبدو جلياً أن دول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات تميل بشكل صريح إلى مساحات أكبر وأعمق في التفرد والاستقلالية عن الحليف التاريخي الأميركي وذلك في مقاربة العديد من الملفات المتوترة والشائكة. وترجم ذلك بالجنوح نحو النأي بالنفس عن الصراع في أوكرانيا من حيث التموضع مع طرف دون آخر، ورفض مشاركة واشنطن للحصار النفطي لموسكو عقب اندلاع الحرب المدمرة. كذلك فإن الرياض ذهبت نحو الانفتاح على الصين وعقد صفقات بمئات المليارات مع بكين، ما سهل الدور الصيني في رعاية الاتفاق الكبير بين طهران والرياض، وهذا المسار فتح الباب أمام مسار التطبيع مع الأسد.

وفي هذ الإطار ظهرت الاختلافات والانزلاقات العربية، حيث "وعلى مدى سنوات" أخذت التحركات تجاه التطبيع مع نظام الأسد شكلا مخلا بالتوازنات العربية والإقليمية، وكذلك كان مقرراً إنهاء العزلة العربية عن الأسد في قمة الجزائر العام الماضي، ولكن تبين أنّ الخطوة لم تكن جاهزة عربياً في ظل التشدد القطري والكويتي والمغربي والممانعة المصرية من خطوة التطبيع دون تنازلات من النظام، كما أنها لم تلق الترحيب الأميركي والغربي.

لكن الواقع أن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء ليفرض تحولات سياسية كبيرة. وثمة من يعتبر أن الحرب قلبت الموازين وبدّلت في طبيعة العلاقات والتحالفات بين القوى الإقليمية والدولية، وكان أبرزها استفادة الصين من الانشغال الأميركي والأوروبي لتوسيع دورها، خصوصا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي هذا الإطار، استطاعت بكين  دفع السعودية إلى الانفتاح والتطبيع مع إيران.

وعليه فإن هذا الواقع استفز الأميركيين عقب شعورهم أن قواعد اللعبة تغيرت في الشرق الأوسط، وأنهم على وشك فقدان الأحادية الذي تمتعوا به طويلاً، أي احتكار النفوذ على هذه البقعة الجغرافية البالغة الأهمية براً وبحراً. ومع ذلك فإن هذا التوتر الأميركي لم يؤد إلى تغير في استراتيجية محمد بن سلمان في المضي في النهج الجديد، القائم على الانفتاح وحلحلة الأزمات باستخدام البراغماتية بدلاً من المواجهة.

وفي هذا السياق، يأتي انفتاحها على نظام الأسد، والذي استكمل بمعالجة أزمة اليمن وحوارات في العراق مع الحشد الشعبي وأذرع إيران الرسمية، بالإضافة لحوار جرى بعيداً عن الإعلام بين الرياض وحماس، عبر الإفراج عن معتقلين للحركة ومن ثم السماح للحركة بزيارة دينية، توجت بلقاء مع مسؤولين في المخابرات والخارجية ووزارة الدفاع، كذلك فإنه جرت جولة حوار منذ أيام بين مسؤولين في السعودية وحزب الله في بغداد.

وأمام تلك التحولات لم تنجح واشنطن في دفع الرياض وأبوظبي لوقف التطبيع مع الأسد. لكن عوامل مساعدة ساهمت في عرقلة تعويم الأسد في اجتماع جدة التشاوري، عبر الفيتو القطري-المغربي، وفقدان الحماسة من الجانب المصري والأردني للانفتاح على الأسد، وهذا قد يكون نتيجة دخول واشنطن على الخط، وسعيها إلى وقف اندفاعة التطبيع بين الأسد والقوى العربية والإقليمية.

وحتى اللحظة، لم يمنع الرفض الأميركي  لمسار التطبيع على الخط السعودي-السوري وقوفه. ولكن، كان لافتاً بيان وزراء الخارجية العرب الذين عقدوا مؤتمرهم أخيراً في جدة، إذ خلا من الكلام عن عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وفي المقابل استفاضَ في الدعوة إلى تسوية سياسية في سوريا برعاية عربية - إقليمية، والحديث عن دور سلبي تضطلع به طهران وأذرعها وهذا الموقف له معان سياسية لافتة.

الأسد وخلال زيارته الأخيرة لسلطنة عمان ولقائه سلطان عمان، سمع موقفاً واضحاً لضرورة أن يذهب باتجاه فتح حوار جانبي مع الأميركيين

وثمة من يعتقد أن إدارة جو بايدن تدخلت في مسار التطبيع، عبر تذكير الأطراف المتحمسة بأن أي علاقة مع الأسد لاتزال خاضعة لقانون قيصر، ما يعني إمكانية أن يخضع أي مسار تطبيعي مع النظام للعقوبات الأميركية والغربية. وهذا التحذير كان أساسياً في التزام العديد من الدول العربية جانب التريث ووقف اندفاعة الانفتاح على ساكن قصر المهاجرين.

والأكيد أن الأسد وخلال زيارته الأخيرة لسلطنة عمان ولقائه سلطان عمان، سمع موقفاً واضحاً بضرورة أن يذهب باتجاه فتح حوار جانبي مع الأميركيين، عبر إعادة تنشيط التّواصل الأمني مع الأميركيين. بعد أن استضافت مسقط سابقاً بعض جولات هذا التواصل قبل عام بين مسؤولين في الاستخبارات الأميركية (CIA) وضباط من مخابرات النّظام السّوريّ، والتي تمحورت حول مصير مفقودين أميركيين على رأسهم الصحفي أوستن تايس.

وهذا الأمر وصل لمسامع المسؤولين في العواصم العربية، والذين أثيرت حفيظتهم، باعتبار أن الإدارة الأميركية تريد أن تعطي لنفسها الامتياز برعاية التطبيع مع الأسد والتوافق مع طهران، وأن تحافظ على هذا الدور وليس الصين ولا روسيا. ولهذا السبب أيضا، يرجع بعض المسؤولين العرب أسباب تراجع تركيا عن تقاربها مع دمشق، بعدما بلغ شوطا متقدما، برعاية موسكو.