التخوين.. سلاحاً للرد على إسرائيل

2023.02.24 | 05:45 دمشق

التخوين.. سلاحاً للرد على إسرائيل
+A
حجم الخط
-A

خرجت السيدة الدمشقية الأنيقة على شرفة منزلها الأنيق الواقع في الحي الأنيق في شريط مصوّر على وسائل التواصل تناشد من خلاله شعوب وحكومات العالم الالتفات إلى ما يحصل في سوريا من مآسِ ومن فجائع. حتى الآن، عملها إنساني وأداؤها وجداني. ولقد استمرت السيدة بتعداد المصائب التي تقع تباعاً على السوريين والسوريات، فبدا للمتابع المترقب بأن هذه المصائب تنحصر في اثنتين فقط، هما الزلزال والقصف الإسرائيلي. وكذلك، وتعزيزاً لدقة الأحكام المسبقة والتوقعات التشاؤمية، فقد تبين، بعد متابعة قصيرة للشريط، بأن التطرق للزلزال المدمر الذي عاشته سوريا بأكملها، كان من ضرورات الكلام لا أكثر ولا أقل، إذ لم يتعدّ مروره لحظات معدودة. لقد تبين إذاً أن الهدف من وراء "أداء" هذا الشريط كان محصوراً بما تم التركيز عليه مطولا وهو الغارات الغاشمة للطائرات المعادية وصواريخها الموجهة على مواقع في فيحاء الشرق عاصمة الأمويين والأسديين، ومحيطها. ومن المؤكد بأنه لا يمكن لصاحب أدنى حسِّ وطنيِ ألا يتأثر بشدة مفجوعاً بالضربة الألف للداخل السوري من قبل المحتل الغاصب الإسرائيلي والذي لم نزل جميعاً، كسوريين ومن في حكمهم، ننتظر الوقت والزمان المناسبين لنرد له الصاع صاعين على أقل تخمين ملتزم. ألم يُغرّد شاعرنا الشاب تميم البرغوتي متهماً بالخيانة كل من لم تعنيه الغارات لاعتبارات وطنية أولاً، وللملل الذي فرضته السنين التي قضاها في انتظار الرد. فلقد صار شاعرنا المناضل، ومن دون قافيةٍ، يوزّع شهادات حسن الانتماء الوطني وكأنه جهاز أمن عربي ملتزم بارتفاع محدد في أدبيات القيادة القطرية لسقف الوطن.

كان التطرق لشاعر "الوعد الصادق" دخيلاً على موضوع السيدة الدمشقية، فلنعد إليها تاركين له، وبكل صدق وامتنان، أن يُحدّد لنا مدى انتمائنا إلى أوطاننا، وليُظهر لنا في الوقت نفسه مدى التزامه وإعجابه بأصحاب تطبيق "طريق القدس يمر من حلب" الشهير والذي أدى إلى زلزلة الأرض تحت أجساد ساكنيها بإرادة الإنسان المرتهن وبسلاح المقاولة بالوطنية، قبل أن يحلّ الزلزال الطبيعي بأنقاضها التي لم تكن قد وجدت بعد من يخرجها من رمادها. فتعابير السيدة صادقة وبلا أدنى شكّ وقد آلمها، كما آلم جميع السوريين والسوريات، رغماً عن أنف شعراء المنابر السوداء، ما حصل من اعتداء على الرغم من غموضه المُنَظّم. وشعر كلٌّ منا بإهانة لا قعر لها صارت متلازمة شبه تلقائية لتطورنا الفيزيولوجي والبسيكولوجي منذ نعومة أظفارنا. ومنذ حقبة النعومة هذه وصولاً إلى حقبة الخشونة العمرية، والتي لم نعرف طوال عبورها في أجسادنا وفي عقولنا بديلاً عن القائد المفدّى الذي وعدنا يوماً، ولم يزل عبر آلية الوراثة، بردٍّ صاعق يغسل عارنا وعار جميع أحبتنا العرب ومناصرينا من حركات التحرر الوطني والدول الشقيقة كما الدول الصديقة والخلود لرسالتنا وإن ذهبت أدراج النسيان بكل حمولتها الكاذبة.

السيدة تنأى بنفسها عن التطرق في هذه العجالة إلى قضية احتلال فلسطين وقهر ناسها واستيطان ما تبقى لهم من فسحة حياة

تطرقت السيدة إلى ازدواجية المعايير مقحمةً في عرضها المبتدئ ملف الغزو الروسي لأوكرانيا. وبالتالي فهي تندد بدعم المُعتدى عليه الأوكراني من قبل المجتمع الدولي، في حين إن إسرائيل تقصف محيط العاصمة السورية دون أن يُندّد أحد بفعلتها الآثمة تلك. وبالطبع، فالسيدة تنأى بنفسها عن التطرق في هذه العجالة إلى قضية احتلال فلسطين وقهر ناسها واستيطان ما تبقى لهم من فسحة حياة، فهذا لا يعنيها في هذه المرحلة المصيرية من توصيل رسالتها الخالدة. وحتماً سيكون لهذا الملف الوقت المناسب لإخراجه من أدراج فرع فلسطين ومروراً على جثث ضحايا مخيم اليرموك، لكي تقوم عملية استغراب من نوع آخر وعلى درجة أخرى من قياس ازدواجية المعايير.

أسير الاستبداد يخضع لعدة معوقات تمنع عنه وضوح الرأي وصراحة التعبير

من المفهوم والمقبول أن يصمت الإنسان عن قول الحق في مملكة يسودها الخوف. كما من المرفوض أن يتنطح أحدنا ممن ينعمون نسبياً بهامش مناسب للتعبير، لإعطاء الدروس ذات اليمين وذات الشمال، كشاعرنا المقاوم، بما يتوجب قوله أو فعله عندما نعرف بأننا نتوجه إلى بؤساء الأرض الذين حطت عليهم كوارثها السلطوية والطبيعية. ومن البديهي أن أسير الاستبداد يخضع لعدة معوقات تمنع عنه وضوح الرأي وصراحة التعبير. ومن باب أولى أن هذا الإنسان لن يجرؤ على الحديث، والحال على ما هي عليه من أمنٍ مفروض، عن نصف مليون ضحية وعن 8 ملايين لاجئ وعن مئات آلاف المعتقلين وملايين المعاقين وذلك من جرّاء إصابتهم بالهزات الأخلاقية المتعاقبة من فعل البشر الذين تولّوا أمر حاضرهم ومستقبلهم دون أن يكون لهم أي دور في اختيارهم. بالمقابل، عندما يصعب أو يستحيل قول الحق، فمن الأجدر بالعقلاء أن يصمتوا عن قول الفارغ من التعابير صوناً لما بقي من الكرامة الإنسانية. الصامت عن الحق في دولة الاستبداد يستحق التفهم أحياناً وربما التضامن في أحيانٍ أخرى. وليس لأحد أن يعايره بصمته إلا إن هو تكلّم بغير وجه حق وتخلى عما تبقى من إنسانيته للدفاع عن الباطل وللترويج له. أما من يبحث عن الظهور عبر أشعارٍ وشعارات، فعلّه يخجل يوماً من ركوب أمواج التمجّد على حساب ذكرى وطن عانى ما عاناه.