البوصلة الحقيقة لوحدة الساحات

2023.10.22 | 07:39 دمشق

آخر تحديث: 22.10.2023 | 07:39 دمشق

البوصلة الحقيقة لوحدة الساحات
+A
حجم الخط
-A

في حديث لقناة "تي آر تي العربية" رد نائب رئيس حركة حماس في الخارج موسى أبو مرزوق على سؤاله عن التنسيق مع إيران والفصائل المنضوية تحت محور المقاومة ليجيب: "للأسف لا يوجد تنسيق" "بالتأكيد هناك اتصالات وحوارات ودعوة للمشاركة، ولكن أقول وبمنتهى الصراحة كنا نتوقع أن يكون التفاعل مع الحدث أكثر كثيرا مما جرى اليوم ونحن ندعوهم لمزيد من المشاركة..." بعدها أيضا وفي نفس الاتجاه قال رئيس مكتب حركة حماس في الخارج خالد مشغل:" حزب الله قام مشكورا بخطوات لكن تقديري أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري لا بأس به لكنه غير كافٍ. ورأيي بأنه اليوم المطلوب أكثر من طوفان، هكذا يصنع التاريخ، ليس بالخطوات المحدودة الخجولة المترددة، يُصنع بالمغامرات المدروسة."

بشكل علني يخرج مسؤولو حركة حماس للتأكيد على ضعف التنسيق مع إيران وأطراف محورها وبأنهم انتظروا وينتظرون أكثر مما قدم.

في رواية محور إيران التأسيسية، فإن إنشاءه قام على مقاومة إسرائيل وبالتالي يتوقع عند كل عملية تجاه الكيان حضور إيران وأبرز أذرعها في المنطقة- حزب الله- خاصة في العمليات الكبيرة كعملية "طوفان الأقصى." اليوم يواجه الكيان الإسرائيلي أكبر صفعة في تاريخه وفي داخل الأراضي المستقرة لديه "والآمنة" عادة ليأتي تدخل المحور باهتا!

بعد مرور أكثر من عشرة أيام على العملية لم يقدم المحور سوى الخطابات الداعمة من جهة وعمليات مدروسة ومحدودة في الجنوب اللبناني من جهة أخرى. ضغط حماس على إيران وحزب الله للتدخل لم يُكتف بإبدائه في الغرف المغلقة، بل خرج للعلن في تصريحات عدة وفي مشهد فاقع وضع علامات استفهام عن حقيقة وحدة الساحات وحقيقة محورية المقاومة لدى إيران.

المفاجئ أكثر من ردة فعل حزب الله المحدودة هو صمت رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي يعتبر محوره أن تثبيته في موقعه هدفه الأول والأخير مقاومة إسرائيل في وجه مشاريع التطبيع والخيانة. فعلى الرغم من قصف إسرائيل لمطارات النظام السوري في حلب ودمشق، لم يحرك النظام ساكنا وأبعد نفسه عن الأحداث بشكل شبه كلي حتى الساعة.

لتقييم موقف محور المقاومة من الضروري فهم أمرين، الأول حجم العملية المنفذة والثاني هو طريقة تفكير المقاومة وسلم أولوياته.

حجم عملية لا تستطيع إيران تحمله

بالنسبة لحجم العملية فقد أصبح معلوما للجميع أن زلزال 7 أكتوبر على إسرائيل لم يسبق له مثيل. فقد تعرضت إسرائيل لهجوم مباغت في داخل مناطق سيطرتها الكلية بفشل ذريع لصورة الكيان ومخابراته وأجهزته العسكرية والأمنية كلها حيث أوقع القسام خسائر بالآلاف وأسر المئات في وقت كانت فيه إسرائيل فاقدة للسيطرة بشكل تام. مقارنة بالحروب السابقة بين الكيان وغزة فقد كان مجموع قتلى الكيان 116 منذ العام 2008 وفي حروب استمرت 100 يوم تقريبا. في هذه السنوات كذلك بادلت حماس أسيراً إسرائيلياً واحداً بأكثر من 1000 من أسراها. إذا من السهل بعد مراجعة حجم السقوط الأمني والتكنولوجي ومراجعة الأرقام ومقارنتها تخيل حجم الصفعة التي تلقاها الكيان. استراتيجيا أيضا، فإن الكيان سيواجه صعوبات أكبر الآن في الترويج للأمن والأمان في المستوطنات والتسويق للسكن فيها سيكون أصعب بكثير إضافة لارتفاع منسوب الثقة بالنفس لدى المحور المقابل لإسرائيل حتى أصبح الإعلام يقول "إن كانت حماس المحاصرة من كل جانب فعلت ما فعلت بإسرائيل فكيف لو هاجمها حزب الله مثلا وهو الذي ينعم بخط إمداد بري وجوي غير مضبوط بينه وبين إيران؟"

إيران أولا

لكن إيران وحزب الله المروّجين لقدرتهم الكبيرة بعد صفعة حماس يدركون جيدا أن ردة الفعل الغربية ستكون على قدر الفعل أو متناسبة معه على أقل تقدير، وبالتالي لم يفاجؤوا بحضور البارجات الأميركية والأوروبية بسرعة وإعلان حالة الدعم المطلق لإسرائيل حتى وصل الأمر بأميركا لإيصال رسالة للحزب بأنه سيكون في مواجهة أميركا في حال تحرك في وجه إسرائيل.

إضافة، فإن محور المقاومة يصح أكثر تسميته بمحور إيران، فهي البوصلة الرئيسية فيه ومصلحتها هي الأساس وفي هذه العملية تجلى هذا الخيار بشكل واضح. فإيران التي حققت مكاسب عسكرية وسياسية عديدة في السنوات الأخيرة لا تريد خسارتها بـ “تهور" في لبنان يلقيها في حرب مع الغرب كل الغرب.

إذا، الحزب وإيران لا يريدان العودة للخلف في عملية بناء القوة التي راكموها وهم الطامعون في مرحلة سلام في المنطقة يثبتوا فيه ما كسبوه ويعززوه بانفراجة اقتصادية بعد أن تتم الاتفاقات. في الوقت عينه، يحرج المحور من ترك غزة وحدها فيكثفوا الضغط الدبلوماسي والإعلامي لعدم تطور الأوضاع في فلسطين لأبعد من الواقع الحالي ويهددوا بالتدخل في حال تمادى الاحتلال.

حتى هذا احتمال التدخل يتركه الحزب وإيران مطاطا فلا يعلم حتى الساعة متى يقرر أن الخطوط الحمر قد تم تخطيتها وبالتالي يجب التدخل مع التأكيد على أن تفضيل الحزب وإيران هو لعدم الانخراط في الحرب مع القيام بعمليات محدودة تحفظ ماء الوجه ومع مختلف أنواع التحركات لمحاولة لجم إسرائيل عن الاجتياح البري "لاستئصال حماس" دون التيقن بأنهم حتى في هذه المرحلة سيتدخلوا.

أما الأسد وباقي أذرع المقاومة فهم بكل تأكيد خائفون من إغضاب أميركا ويفكرون في مصالحهم داخل بلدانهم وغير بعيد أن يحاولوا الاستفادة مقابل صمتهم أو تعطل حركتهم.

صحيح أن حزب الله يتحرك في لبنان وصحيح أن التصريحات الإيرانية قوية وعالية النبرة وهو ما يؤكد وجود شيء من وحدة الساحات، ولكن في عمق والتأثير يجلس المحور- عسكريا- جانبا خوفا على تضرر رأسه (إيران) ولو على حساب قطع أهم أطرافه (فلسطين) والذي لطالما روج أنه هو الرأس نفسه!

قادت إسرائيل مجزرة خيالية بحق المدنيين العزّل في مستشفى فهل هذا المستوى أيضا من المستويات التي لا تستدعي تحرك المحور؟؟