البرلمان الأوروبي لم يطالب ببقاء السوريين في لبنان

2023.07.18 | 05:59 دمشق

البرلمان الأوروبي لم يطالب ببقاء السوريين في لبنان
+A
حجم الخط
-A

بدا القرار الذي صوت عليه البرلمان الأوروبي غير قابل للقراءة فيما يتعلق بالموقف من اللجوء السوري في لبنان. أجمعت القوى السياسية المتناحرة على رفضه ووضع هذا الرفض في إطار الحرص على البلد ومستقبله والدفاع عنه أمام ما يمثله هذا اللجوء من خطر. مثل هذه المواقف ليست جديدة وقد طبعت المشهد السياسي اللبناني بكل أطيافه منذ فترة، قياسا على تدهور الأوضاع الاقتصادية وانعدام آفاق الحلول وسهولة رد كل معالم الاستعصاء إلى ذلك الغريب الذي يقبع في مخيمات البؤس والذل في ظروف غير إنسانية.

السبب في ذلك أن السوري في لبنان لا يملك خطابا ولا يسمح له بتكوين خطاب، بينما يتلقى كل أنواع الخطابات والتوصيفات، والتي مع اختلاف مصادرها والجهات التي تصدر عنها والتي قد تكون متناحرة في السياسة، ولكنها تتآلف وتتوافق جميعها على رد أسباب الانهيار العام إليه.

البرلمان الأوروبي أصر على أن تكون عودة اللاجئين طوعية وكريمة وآمنة، وأن تتم وفقا للمعايير الدولية، كما دعا إلى استمرار تقديم المساعدات إلى اللبنانيين واللاجئين،

البرلمان الأوروبي لم يطالب بإبقاء السوريين في لبنان ولكنه شدد على استحالة عودتهم التي لا يشك أحد فيها. والقراءات اللبنانية لم تنطلق من مراجعة قانونية أو حتى سياسية لنص القرار بل اعتمدت على تأويل أطلقه نائب يميني متطرف يشتهر بمواقفه العنصرية المعادية للاجئين وهو تيري مارياني الذي صرح قائلا "كما أعلنت سابقاً صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على قرار يدعم بقاء اللاجئين السوريين في لبنان" معتبراً القرار طعنة حقيقية في ظهر الشعب اللبناني، وهو كلام سارعت القوى اللبنانية إلى توظيفه في شن حملات سياسية تستهدف اللاجئين وصل بعضها إلى حدود الدعوة إلى ضرورة إعلان المقاومة.

البرلمان الأوروبي أصر على أن تكون عودة اللاجئين طوعية وكريمة وآمنة، وأن تتم وفقا للمعايير الدولية، كما دعا إلى استمرار تقديم المساعدات إلى اللبنانيين واللاجئين، وطالب لبنان بالانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 وبروتوكولاتها لعام 1967، كما حرص على مطالبته بعدم ترحيل أي لاجئ أو فرض إجراءات تمييزية، والكف عن التحريض على الكراهية ضد اللاجئين إضافة إلى الطلب من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الاستمرار في تمويل مؤسسات رعاية اللجوء العاملة في لبنان.

تتناقض تلك المعايير مع الإطار المرسوم للتعامل مع السوريين والذي كان ينظر إلى كل ما يحدث في سوريا من مجازر معلنة ووقحة وموثقة على أنه من صنع الخيال حيث شاع وتمكن خطاب يقول إنه لاشيء يحدث في سوريا وتم فرضه كشكل لبناني رسمي للنظر إلى الشأن السوري.

يستعاد حاليا هذا الخطاب للقول إن سوريا الأسد المبنية على قاعدة عريضة من المجازر اليومية قد باتت بلادا تتمتع بدرجة عالية من الأمان، وتاليا فانه لا مبرر لبقاء السوريين في لبنان. كذلك فإن فكرة الطوعية تستفز العنصريين لأنها تمنح السوري قرارا ورأيا في تقرير مصيره، كما أن موضوع المعايير الدولية والطلب بأن يكون لبنان منتميا إلى سياقات القوانين الدولية التي يمكن من خلالها تنظيم عملية اللجوء وتوصيفها يعد من المحرمات لأنه يضع القوى القائمة في مواجهة ضرورة البحث في الشكل الذي تصنف فيه نفسها والذي لا يمكنه بأي شكل من الأشكال التفاهم مع أي صيغة قانونية ودولية.

المواقف من قضية اللجوء تستحضر شكل النظام اللبناني الفاسد عموما وتنبني على سلاسل لا تنتهي من التوظيفات والابتزازات التي ترفض النظر إلى موضوع اللجوء السوري إلا بوصفه مادة دسمة تستعمل للخروج من مآزق الفساد والتخلي عن المسؤوليات والشراكة في إنتاج الخراب.

لا يعني ذلك على الإطلاق أن الأوروبيين نجحوا في اختبار اللجوء، وأنهم لم يكونوا عنصريين وغير إنسانيين فيما يخص التعامل مع هذا الملف الحساس. تحويل البحر المتوسط إلى مقبرة لاجئين لم يعد حدثا عرضيا. القياس على تكرار حالات الغرق والتي تظهر الوقائع أن الكثير منها كان متعمدا بالامتناع عن المساعدة أو بالدفع في اتجاه تحقق الغرق عمدا، يكشف أن الموضوع بات سياسة عامة أو ربما عقيدة.

الفارق الوحيد الذي يمكن البناء عليه بين الأوروبيين ولبنان وغيره من دول المنطقة التي تستضيف اللاجئين لا يكمن في قدر التوحش وفظاعته، ولكن في سبل مقاومته، ففي حين ما يزال من الممكن مطالبة الدول الأوروبية ليس بالكرم والإنسانية والشفقة تجاه اللاجئين ولكن بتطبيق القوانين الملزمة والمعاهدات الدولية التي صوتت عليها برلماناتها، فإن هذا الأمر ممتنع في بلادنا التي تحارب أي توصيف قانوني لمسألة اللجوء، وتحرص على إبقاء السوريين والفلسطينيين ككائنات خارجة عن التعريف.

بند اللجوء في قرار البرلمان الأوروبي كان قد سبق بتهديدات بفرض عقوبات على معرقلي الديمقراطية والذين يقودون انقلابا على الدستور وتأكيدات على تحول البلد إلى مقر لتجارة المخدرات يخضع لسيطرة حزب الله التي تنتهك سيادته

ذلك الحرص على عدم التعريف يرتبط بالدفع في اتجاه منع تبلور أي صيغة واضحة للدولة في لبنان، وهو ما يمكن القول حاليا إنه صار عنوانا للتواطؤ الشامل مع البنية القهرية المسلحة التي تحكم البلاد، والتي أنتجت فسادا يصعب إيجاد قوة سياسية فاعلة لم تشارك فيه.

بند اللجوء في قرار البرلمان الأوروبي كان قد سبق بتهديدات بفرض عقوبات على معرقلي الديمقراطية والذين يقودون انقلابا على الدستور وتأكيدات على تحول البلد إلى مقر لتجارة المخدرات يخضع لسيطرة حزب الله التي تنتهك سيادته، ومطالبات بنزع السلاح غير الشرعي والتحقيق في جريمة المرفأ.

تكمن المشكلة الفعلية في تلك العناوين التي يتم تغطيتها بدفع موضوع الموقف من اللجوء إلى الواجهة. ما يراد تجنبه بأي شكل من الأشكال هو المحاسبة، والأوروبيون يفعلون حاليا هذا المنطق ويدافعون عنه لأن لبنان قد تحول إلى مركز تجميع لكل العناوين المنتجة للأزمات والمشكلات التي تؤثر على اقتصاد دول المتوسط وأمنها. الضبط المطلوب أصبح سياقا دوليا، من هنا قد تكون المواقف البائسة التي صدرت تعبيرا عن رفضه عنوانا لتوكيد الأزمات في البلاد، ومنعها من الاستفادة من سياقات الحلول والتسويات التي تنضج في المنطقة مشكلة نظام مصالح عريض ومحكم وشامل، لا شك في أنه سيحدد المصائر في المرحلة المقبلة.