الإفراج عن المعتقلين "خطأ قانوني"

2022.05.05 | 11:28 دمشق

photo1651737402.jpeg
+A
حجم الخط
-A

ضجت دمشق واشتعلت الساحة الواسعة تحت الجسر الواصل بين شارع الأرجنتين وشارع مسلم البارودي والمار فوق شارع شكري القوتلي، الذي يطلق عليه شعبيا اسم جسر الرئيس.. ملأ الساحة بكثافة أناس مكتئبون يتشاطرون هما مشتركا هو فقدان فرد أو أكثر من أفراد العائلة تحت عنوان مرعب هو الاعتقال.. كانت مناسبة التجمع الغفير مرسوم أصدره بشار الأسد "بالعفو العام" عن المدانين بجرم إرهابي، بالتأكيد لم يفكر ذوو المجتمعين تحت الجسر بالتسمية المجحفة، بل بعزيز تم اختطافه ليلا، أو نهارا، من منزله أو من الشارع أو من عمله، واقتياده إلى جهة مجهولة، دون أن يُعرف إلى أين وإلى متى. يريد النظام في كل مناسبة أن يظهر نفسه كمؤسسة تعمل وفق القانون فتصدر عبر رئيسها مرسوما حكوميا تعفي فيه عمن مارس الإرهاب بحقها.

دخل المجتمع السوري في حالة من الفوضى حين عمم النظام أسلوب مهاجمة المظاهرات الذي قامت به مجموعاته من رجال الأمن والشبيحة بالأسلحة والرصاص

بعد أن اشتعل الحراك في سوريا بداية العام 2011 ثم عمت المظاهرات أنحاء البلاد، دخل المجتمع السوري في حالة من الفوضى حين عمم النظام أسلوب مهاجمة المظاهرات الذي قامت به مجموعاته من رجال الأمن والشبيحة بالأسلحة والرصاص، وبعد تحول المظاهرات إلى شكل من أشكال المقاومة الشعبية ضد هجوم رجال الأمن والشرطة ومن معهم من مجاميع مسلحة استباحت كل شيء، أصدر بشار الأسد في الشهر السابع من عام 2012 قانونا سمي القانون رقم 19 الخاص بمكافحة الإرهاب، وصف فيه تهمة الإرهاب وعرف الجريمة الإرهابية وتمويل الإرهاب، وقد حرص أن تنطبق هذه التعريفات على من يخرجون في المظاهرات، ومن يتحدون النظام بالوقوف في وجهه أو ممن يجاهرون بموقفهم المعارض لسلطته ورجاله المدججين بالكراهية وحب القتل، وبموجب القانون المذكور أصبح كل فعل يمت للمعارضة بصلة، يعرِّض صاحبه للحكم، سواء أكان سلوكه اعتراضا أو تظاهرا أو كتابة منشور أو حمل سلاح، وتراوحت مدد أحكامه من عشر سنوات تدرجا إلى الإعدام مع المصادرة الباهظة للممتلكات، وربما كان مُنشئ القانون يدرك أن الليرة السورية مصيرها التدهور فلم يذكر مبالغ مالية محددة بل اقتصر على أن الغرامات هي ضعف قيمة المواد "الإرهابية" المصادرة!.

رغم غموض هذا القانون وعمومية مواده وميادين تطبيقه فإن رجال الأمن والقضاء التابعين للنظام كانوا يعرفون ما عليهم تنفيذه، وهو حشر كل من يُقبض عليه بعد إصدار هذا القانون في السجن، وكتحصيل لحاصل سيبقى مسجونا مدة عشر سنوات، وهي أقل مدة سجن يتحدث عنها القانون. تم تنفيذ هذا القانون الفضفاض بكل حزم وقسوة حتى امتلأت السجون عن آخرها، وكان النظام يغطي موقفه القانوني بتبرير هذا العدد الكبير من السجناء، من خلال قانون واسع الأكمام رقمه 19 لعام 2012. حَرصَ النظام على إضفاء الشكل المؤسسي على تصرفاته مهما كانت موغلة في الوحشية والعنف، ومنها الاعتقال الجماعي الذي طال أكثر من خمسة في المئة من مجموع عدد سكان سوريا وبموجب قانون واحد جامع مانع.

رغم غموض هذا القانون وعمومية مواده وميادين تطبيقه فإن رجال الأمن والقضاء التابعين للنظام كانوا يعرفون ما عليهم تنفيذه، وهو حشر كل من يُقبض عليه بعد إصدار هذا القانون في السجن

لم يدرك النظام "المؤسسي" أن مرسوم العفو الأخير الذي أصدره هو مرسوم غير دستوري بموجب الدستور الذي أصدره بنفسه بعد بداية الثورة بسنة واحدة، وعدل فيه بعض مواد دستور 1973، وألغى صوريا بعضا من مواده، وأضاف مواد جديدة أراد منها أن يظهر المؤسسة بشكل مختلف، فقد أعطى الدستور الجديد الصادر عام 2012 رئيس الجمهورية وبحسب المادة مئة وثمانية الحق في إصدار العفو الخاص وإعادة الاعتبار، وليس العفو العام الذي إقراره من صلاحية مجلس الشعب وذلك بموجب المادة 75 من البند السابع. فشل النظام في الظهور بمظهر الدولة التي تحترم قواعدها الحقوقية حتى في إصدار مرسوم من المفروض أن يكون وثيقة تصالحية لصالح تكريس الشخصية الفرد التي خاضت سوريا حرب الإحدى عشرة سنة السابقة في سبيل الحد منها، في حين يتجاهل النظام وحتى هذه اللحظة هذا التطلع ويتوغل في تكريس الاستبداد بالدوس على وثائقه القانونية التي يصدرها لتضبط أعماله وتظهره كدولة أمام العالم.

فشل النظام في الظهور بمظهر الدولة التي تحترم قواعدها الحقوقية حتى في إصدار مرسوم