icon
التغطية الحية

"الإسلاميون والعلمانية".. قراءة جديدة لنظرية عزمي بشارة في العلمنة

2023.07.22 | 15:36 دمشق

آخر تحديث: 23.07.2023 | 19:05 دمشق

العلمانية
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

يتقصى سهيل الحبيّب في كتابه "الإسلاميون والعلمانية.. قراءة جديدة في ضوء نظرية بشارة في العلمانية" الصادر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، راهنية منجز عزمي بشارة المعرفية التاريخية في كتابه "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" الذي صدر في جزئين عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويتتبّع العلاقة مع سرديات العلمانية الغربية التي شغلت الفكر الإيديولوجي العربي، وخاصة خطاب الإسلام السياسي الذي تبنى سردية العلمانية باعتبارها عنواناً للفساد المطلق والشامل، بالإضافة إلى سردية اعتبارها خصوصية مسيحية غربية، قبل أن يعيد قراءتها على ضوء منجز بشارة.

"العلمانية باعتبارها عنواناً للفساد المطلق"

ترجع بداية تبني الإسلام السياسي لسردية العلمانية باعتبارها عنواناً للفساد المطلق والشامل إلى أواخر القرن الـ19، عندما نقل محمد عبده إلى العربية "رسالة الرد على الدهريين" لأستاذه جمال الدين الأفغاني، لتكون هذه الرسالة بمنزلة اللحظة الأولى من مراحل تطور تشكّل هذه السردية في الفكر العربي المعاصر، قبل ظهور اللحظة الثانية مع كتابات مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنّا في الثلث الثاني من القرن الـ20، جنباً إلى جنب مع كتابة منظر الجماعة سيد قطب، بينما شهدت اللحظة الثالثة صدور كتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" لعبد الوهاب المسيري في عام 2002.

وإذا كان الأفغاني خلص في رسالته إلى أن "النيتشرية (naturalism) جرثومة الفساد وأرومة الإداد وخراب البلاد وبها هلاك العباد"، والتي يجد الحبيّب أن الرسالة تنظر إلى حركة الصراع الاجتماعي والسياسي في التاريخ الإنساني على أنها "حركة صراع بين العقيدة الدينية بصورة عامة والعقائد المادية أو الدهرية"؛ فإن كتابات قطب تعيد صياغة نظرية البنّا بتأكيده أن "الإسلام منهج. منهج حياة. حياة بشرية واقعية بكل مقوماتها"، وفي تعليقه على نظرية قطب يرى الحبيّب أن الهدف الواضح لهذه السردية يظهر في "الدفاع عن نمط من التديّن"، بمعنى وجوب إخضاع كل شؤون الدنيا "لهيمنة الإسلام الشاملة والكلية والمطلقة".

يشكل كتاب "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" للمسيري اللحظة الثالثة لسردية الإسلام السياسي، ويبدو الكتاب بالعموم – وفقاً للحبيّب – أقرب إلى صياغة مباشرة و"قائمة بذاتها" لكتابات البنّا وقطب معاً من سردية فساد العلمانية المُطلق. يمكننا استخلاص نظرية المسيري بالإشارة إلى تحديد العلمانية الجزئية بـ"فصل الدين عن الدولة"، والعلمانية الشاملة بـ"فصل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية كلها عن العالم"، ويرى هنا الحبيّب أن المسيري اعتمد لسردية فساد العلمانية المُطلق على "مفردات وعناصر" غير تلك التي اعتمدها خطاب الإسلام السياسي في الثلث الثاني من القرن الـ20، لكنه لم يكن خارج إطار المشروع الأصلي لهذا الخطاب.

جدلية تاريخ العلمنة والدين من وجهة نظر بشارة

نلتمس الإجابة عن جدلية تاريخ العلمنة والدين في نص بشارة على نحو نظري مكثف بقوله: "العلمانية السياسية والفكرية، صيرورة ونتاج صيرورة مرّت بها أنماط الوعي ومجالات المعرفة المختلفة"، ويفسرها الحبيّب بأنها "صيروة تاريخية نتاج صيرورات تاريخية" تعمل باستمرار في الحركات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن هنا فإن بشارة يؤكد على ضرورة وضع عرض موجز للعصر الوسيط لأن "من دونه لا يمكن فهم ما سيأتي لاحقاً من تحولات، ولا يمكن فهم ما تعنيه العلمانية". بناء على ما سبق يخصص الحبيّب هذا القسم لمناقشة محوري الدولة والأخلاق متبوعة بالفلسفة الغربية الحديثة، مقدماً أوجه التعارض بين بشارة والمسيري.

  • الدولة

لفهم فكرة المسيري يمكننا أن نقتبس عنه إشارته إلى أن مصطلح العلمانية استخدم لأول مرة مع نهاية حرب الثلاثين عاماً في أوروبا الوسطى عند توقيع اتفاقية وستفاليا عام 1648، وهو يرى أن هذه اللحظة كانت "بداية ظهور الدولة القومية (أي الدولة العلمانية) الحديثة"، مضيفاً أن المؤرخين يعتمدون هذا التاريخ "بداية لمولد الظاهرة العلمانية في الغرب". على ضوء ما سبق يرى الحبيّب أن المسيري لم يتوقف عند هذا الحدث لفهم دلالات ظهور العلمانية، وذلك لأن حرب الثلاثين تمثل "جزءا من تاريخ الدين حين كان يخضع لإرادته"، أي المسيري، الذي يحاول من الأساس الابتعاد وتجنّب التاريخ الواقعي والسياقات التي أدت إلى ظهور العلمانية.

على النقيض من المسيري، يعطي بشارة حرب الثلاثين مساحة في قراءته لظهور مصطلح العلمانية، وذلك "من منطلق أن الصيرورة التاريخية للعلمنة لا يمكن فهمها إلا في علاقة بصيرورة التاريخ السياسي والاجتماعي المتعيّن الذي أدى فيه الدين دوراً فاعلاً في أوروبا"، ويستند الحبيّب في هذا الاستنتاج إلى قول بشارة: "أزهق العصر الوسيط الروح في الحروب الدينية، وولدت الدولة الوطنية، ومعها بدايات الحداثة من رحمها".

كما يرى الحبيّب أن بشارة يصل إلى أن الشروط التي حفزت ظهور الدولة الحديثة باعتبارها فكرة وواقعاً سياسياً كان نتيجة أن المجتمعات الأوروبية – وفقاً لبشارة – وصلت إلى مرحلة فيها "تجاوز التعصب للمذاهب أي تعصب حزبي"، وعلى هذا يخلص بشارة في قراءته إلى أن من أهم التطورات التي حصلت في صيرورة العلمنة في الغرب الحديث، هو أن الدولة هي التي أصبحت "تفرض التعايش بين المذاهب بإعلائها المصلحة العامة (التي تمثلها هي وحدها) فوق المصالح الجزئية".

  • الأخلاق

تعتبر سردية خطاب الإسلام السياسي أن الأخلاق هي الوجه السالب للعلمانية معللين سرديتهم بأن العلمانية قضت على القيم الأخلاقية عند الأفراد وأزاحتها من مجال العلاقات، وأن هذه العلمية السالبة "هي أساس كون العلمانية تمثّل فساداً مطلقاً وشاملاً"، وقد أسست هذه الفكرة في خطابات الأفغاني والبنّا وقطب على "ضمنية أساسية مفادها أن الأخلاق هي القرين البنيوي للدين، فإذا غاب هو تنتفي هي بالضرورة"، على سبيل المثال نقرأ في وصف البنّا للأخلاق العلمانية أنها تسبب "فساد النفوس وضعف الأخلاق"، وهذا المنطلق نفسه الذي يعتمده المسيري لوصف الأخلاق باعتبارها "موجب الدين وسالب العلمانية".

يقدم بشارة في معالجته لعلاقة مفهوم الأخلاق مع الدين قراءة تستند إلى معطيات الواقع التاريخي التي تؤكد على أن "التديّن ليس عبارة عن أخلاق" أو "مرشد أخلاقي"، كما يقول بشارة نفسه في منجزه عن "الدين والعلمانية"، وهو يدعم قوله بالإشارة إلى أنه "عرف التاريخ منذ حمورابي (1750 ق.م) شرائع عبّرت عن منظومات أخلاقية من دون أن تنص دينياً"، كما ينقض بشارة مقولة "التطابق المطلق بين الأخلاق والدين"، وهنا اقتبس عن بشارة قوله: "لم يتطابق الدين مع الأخلاق تاريخياً، لا في الديانات القديمة، ولا في الديانات التوحيدية التي نعرفها"، ومع أنه لا ينفي أن علاقة الأديان بالأخلاق بمعناها الإيجابي قائمة في التجارب التاريخية للمجتمعات المتديّنة، لكنه يعتبر وفقاً للحبيّب أن "البحث التاريخي يفيد بأن هذه العلاقة نسبية وليست مطلقة من وجوه عديدة".

اقرأ أيضا: رفض العلمانية.. ظاهرة عربية أم إسلامية؟    

يحرص بشارة على أن يطلعنا بكثافة على مضامين النقد الذي وجهه فلاسفة الحداثة، وخاصة الفلاسفة التنويريين، إلى المبادئ والقيم والممارسات الأخلاقية التي كانت تكرسها أنماط الدين في عصرهم، وفي ثنايا هذا النقد "تتجلى تاريخية علاقة التديّن بالأخلاق التي تمثل الوجه الآخر الجدلي لتاريخية صيرورة العلمنة الأخلاقية"، هكذا نجد بشارة يشير إلى مطالب جان جاك روسو "بإنشاء دين مدني يسند العقد الاجتماعي ويشكل أساساً عقيدياً للفضائل التي يجب أن يتحلى بها المواطن"، إذ يستقرأ بشارة مظاهر العلاقة الإشكالية بين الأخلاق وكثير من أنماط التديّن ليس من خلال نقد فلاسفة الحداثة للعقائد ورجال الدين المسيحيين فقط، بل أيضاً "من خلال عقائد وتصورات وسلوكيات دينية قائمة ونافذة في التاريخ الراهن، أي في واقع بعض المجتمعات المعاصرة".

العلمانية باعتبارها خصوصية مسيحية غربية

لم تكن سردية العلمانية باعتبارها عنواناً للفساد المطلق والشامل الوحيدة التي هيمنت على خطاب الإسلام السياسي، إنما ظهرت أيضاً سردية تعتبر العلمانية خصوصية مسيحية غربية، وهذا يعني بحسب الحبيّب أن "فسادها ليس مطلقاً ولا شاملاً، بل هو نسبي وجزئي". ومثل السردية الأولى، تطور خطاب الإسلام السياسي لهذه السردية على ثلاث لحظات، كان أولها مع محمد عبده في سجاله المباشر مع خطاب الدعوة العلمانية الإيديولوجية الوافدة على الفكر العربي المعاصر بين أواخر القرن الـ19 وبداية القرن الـ20، والتي تمثلت في كتابه "الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية"، وهو بالأساس مجموعة مقالات كتبها للرد على مقالات فرح أنطون في مجلة الجامعة، وجمع الأخير مقالاته في كتاب "ابن رشد وفلسفته".

أما اللحظة الثانية فتتمثل في إعادة هذه السردية في خطاب الإسلام السياسي وما شهده من تحولات، بداية من سبعينيات القرن الماضي بفعل قراءته لهزيمة حزيران (يونيو) 1967، ومنها كتابات يوسف القرضاوي التي حصر فيها حلول عالمنا العربي والإسلامي في حلين لا ثالث لهما، فإما يكون "الحل الطبيعي" وهو "الحل الإسلامي القرآني"، وإما "الحل المصطنع" وهو الحل "الديمقراطي الرأسمالي" الذي اعتبره سبب هزيمة حزيران؛ وجاءت اللحظة الثالثة لتتطور هذه السردية في خطاب رواد فكر الإسلام السياسي خلال نهاية القرن الـ20 والعقدين الأوليين من القرن الـ21، حيثُ تبنى مجموعة من الإسلاميين "المعتدلين" توصيفاً إيجابياً لحراك العلمنة الحديثة، ومن ضمنهم راشد الغنوشي الذي كتب "كانت الحداثة التي ظهرت في الغرب ثمرة لحركة الإصلاح والنهضة"، وعلى هذا النحو يجد الحبيّب أن العلمانية أصبحت مطلباً للإسلاميين، والقصد هنا العلمانية باعتبارها ثماراً عملية في مختلف المجالات، لا "بوصفها مرجعيات بشرية تتنكر لمرجعيات الدين المتعالية".

وفقاً للحبيّب فإن بشارة يصف التديّن بأنه "تعميم نظري للفكرة التي مؤادها أن الدين ممارسة جماعية وفردية"، ويقول بشارة نفسه حول التديّن: "الانشغال بموضوع التديّن، أي بأنماط من الممارسات التاريخية، الفردية والاجتماعية، للدين. وهي أنماط مختلفة، تتفاوت في داخل الدين نفسه"، من هنا يمكننا الإشارة إلى أن تطور سردية العلمانية باعتبارها خصوصية مسيحية غربية في خطاب الإسلام السياسي، ساهم ببروزها كعنوان لنمط جديد من التديّن الإسلامي، فقد رفع هذا الخطاب شعارات "محض دنيوية وكونية حديثة"، وأصبح يرى في تحقيق وتكريس هذه الأهداف باعتبارها "عنواناً لصيرورة الأسلمة"، بمعنى أنه "عنوان لخصوصية هوياتية تميز الشعوب المسلمة من باقي شعوب العالم الحديث، لا انخراطاً في الصيرورة الكونية العامة".

العلمانية باعتبارها خصوصية مسيحية غربية من وجهة نظر بشارة

إذا كانت راهنية منجز بشارة إزاء السردية الأولى "تكمن في بيان تاريخية الظواهر العلمانية"، فإن راهنية المنجز نفسه إزاء السردية الثانية تكمن "في ماهية هذه التاريخية ومضامينها المتعيّنة"، كما يرصدها بشارة في التاريخ الأوروبي الحديث، حيثُ يصل في قراءته لسردية العلمانية خصوصية مسيحية غربية إلى التمييز بين فهمين، أولهما الخصوصية الهوياتية الحضارية بوصفها "دالة على معطيات جوهرانية ثابتة"، وثانيهما الخصوصية التاريخية بوصفها "تفيد معطيات دينامية متغيرة بتغير السياقات الاجتماعية والتاريخية المتحركة".

لا يعتبر بشارة أن العلمنة من حيث هي صيرورة تمايز، خصوصية حضارية، بل خصوصية تاريخية، وهو يعمد في هذا الخصوص إلى "تثبيت بعض الملاحظات العرضية التي تفنّد متخيّل الخصوصية الهوياتية العربية الإسلامية"، وننقل هنا عن بشارة قوله: "الكثير من الأمور التي تجري في العالم العربي والإسلامي لها سوابق في حضارات وديانات أخرى"، بمعنى أنها تجري في "سياقات مختلفة وبشكل متأخر"، كما يشير بشارة في مطرح آخر إلى السردية الثانية بقوله: "نبتت العلمانية الغربية على أرض مسيحية وفي ثقافة مسيحية، لكن هذا لا يعني أنها تتطابق مع المسيحية، أو أنها نابعة من جوهرها المفترض"، لهذا يرى الحبيّب أن التباس الدين بوظائف تجسيد الهوية الجماعية والإيديولوجيا وإضفاء المعنى على العمل السياسي، لا يحدث في منظور بشارة إلا في سياق العلمنة.

ينتقل الحبيّب بعدها إلى استقراء واحدة من أهم المسائل التي تناولها بشارة في منجزه، وهي مسألة فهم ظواهر الإسلام السياسي باعتبارها "تمثل أنماط تديّن حديثة ومتحركة وتشكل الوجه الآخر من تاريخية صيرورة العلمنة العربية وخصوصيتها التاريخية"، فقد أفرز خطاب الإسلام السياسي الناشئ بعد هزيمة 1967 نمط تديّن مكوّن من المظهر السياسي ومظهر النمط من التديّن، وهو ما يقودنا إلى الوحدة التركيبية بين الديني والدنيوي، ويعتبر الحبيّب أن نظرية بشارة تقترح هذه الوحدة التركيبية باعتبارها "مقولة تعيّن وضعيات العلمنة الحديثة، مقارنة بوضعيات ما قبلها"، وتستوعب في الآن نفسه "إمكان تعدد العلاقات بين الديني والدنيوي وتنوعها واختلافها بحسب السياقات التاريخية والحضارية لصيرورات العلمنة"، وهو ما يعبر عنه بشارة بقوله: "حين يعود الدين للقيام بدور في السياسة والمجتمع بعد نشوء المجالات المتميزة هذه، لا يعود في إمكانه التأثير في المجتمع والدولة الحديثين إلا إذا تأثر بهما".

يشير الحبيّب إلى وجود خصوصية تميز ظاهرة التديّن السياسي الهوياتي في خطاب الإسلام السياسي عن تلك التي عرفها التديّن المسيحي في الفترات الأولى من صيرورات العلمنة الأوروبية، فالتديّن المسيحي "نهض بوظيفة هوياتية" في سياق تشكل الكيانات الدولية الأوروبية الحديثة و"تكييف فهم المسيحية مع مقتضيات الحداثة" من خلال تأقلم الفكر المسيحي مع مبادئ الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان، بينما نجد أن التديّن الهوياتي الإسلامي في خطاب الإسلام السياسي لم يكن من أجل استيعاب واقع قيام دولة حديثة في البلدان العربية، و"تكييف فهم الإسلام بما يمكّن من تعزيز كياناتها الهوياتية وإضفاء المشروعية على وجودها"، نظراً لمحاولة هذه الخطاب استيعاب العلمنة "باسم الإسلام، ومن ثمة إعادة تأويل الإسلام بحسب مقتضياته".

هكذا، يخلص الحبيّب بالاستناد إلى نظرية بشارة، وتحليلات منجزه لصيرورات العلمنة الغربية، إلى إمكانية وصف خصوصية نمط التديّن السياسي الهوياتي الإسلامي كما يجسده الإسلام السياسي العربي الراهن، من "حيث إنه يريد من الإسلام أن يكون رافعة إيديولوجية هوياتية لأهداف دنيوية"، وهي الأهداف ذاتها التي لم تصبح ممكنة عند شعوب العالم إلا في إطار الدولة الحديثة، لكن "من دون أن يقع تكييف فهم الإسلام مع فكرة الدولة الحديثة من الأصل"، إذ إن مضمون الوظيفة الهوياتية التي أناطها بالإسلام خطاب الإسلام السياسي يناقض تماماً "مضمون الوظيفة ذاتها التي اضطلع بها التديّن المسيحي في بدايات التحديث الأوروبي".

على ضوء ما سبق، يخلص سهيل الحبيّب في نهاية هذه القراءة إلى أن مشروع عزمي بشارة الفكري عامة، كان قائماً منذ البداية على أن بناء شرعية الدولة الحديثة في العالم العربي جزء بنيوي من الحل الديمقراطي عربياً، وذلك من خلال الفهم التاريخي لصيرورة العالم الحديث، وتأكيده على أن الدولة الحديثة هي الإطار الموضوعي لأي حياة سياسية ديمقراطية، يأتي من كونها علاقات المواطنة، بما هي علاقات تبنى على العضوية المشتركة في الدولة، وهي أساس فكرة الحقوق الحديثة.