icon
التغطية الحية

الأطفال السوريون مادة غنية و"غير مسبوقة" لمراكز الأبحاث الاجتماعية الألمانية

2022.03.17 | 04:46 دمشق

555.jpg
لاجئون سوريون في أوروبا (صورة أرشيفية)
برلين - سامي جمعة
+A
حجم الخط
-A

كثيرة هي الدراسات والأبحاث والتقارير الإعلامية التي أنجزت بعد 2015 حول موضوع اندماج اللاجئين السوريين في مجتمعاتهم الجديدة، الذين شكلوا مادة خصبة وعناوين جديدة لمراكز الأبحاث لا سيما الأطفال القادمين من بلدان الحروب.

استقبلت ألمانيا أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين، لاسيما بعد تدفق موجة اللجوء الشهيرة قبل سبع سنوات، وصلوا إليها بحثاً عن ملاذ آمن وعيش كريم، وكان محور تلك الدراسات يدور حول تحدي إدماجهم في ظل تحدرهم من ثقافات تختلف عن البلد المضيف.

وطالما حاولت العديد من المواد الإعلامية الإجابة على سؤال: هل استقبال اللاجئين حرّكته مصالح اقتصادية ومجتمعية بنيوية أم أنه دافع إنساني بحت؟
كل ما تمت إثارته من نقاط كان بالإمكان الإجابة عليها، سواء من حيث التكلفة المادية التي تحملتها الدول المضيفة في الاتحاد الأوروبي عموماً من جهة، وكذلك نسبة النمو الذي حققته بعض اقتصادات تلك الدول والدور الإيجابي الذي لعبته القوى العاملة للاجئين من جهة أخرى، يمكن الإجابة عليه لأن لغة الأرقام تخبر القصة بدقة ودون مواربة.

الأطفال السوريون عينة "غير مسبوقة" للأبحاث الألمانية

كان من اللافت، الجانب الذي نبّهت إليه الخبيرة في علم الاجتماع زينة الشغري، وهو الفائدة التي جنتها مراكز أبحاث العلوم الاجتماعية وكذلك علوم النفس والعلوم الإنسانية من قدوم أطفال من بيئات حروب، وهو ما تم إغفال الحديث عنه في الإعلام الغربي سواء عن قصد أو ربما من دون الاكتراث لأهمية هذا الجانب الذي أضفى الكثير لمراجع الدراسات البحثية الوصفية الغربية.
الخبيرة الشغري وفي حديثها لـ "تلفزيون سوريا" تستشهد بقصة ما تزال عالقة في ذهنها حتى اليوم رغم أن أحداثها جرت في عام 2016، وهي قصة طفل سوري وصل هو وأهله مع موجة اللاجئين في 2015، الذين أنهكتهم الحرب والطريق الطويلة الوعرة عبر تركيا واليونان مروراً بصربيا والمجر والنمسا، وتقطعت بهم السبل عدة مرات قبل الوصول إلى ألمانيا.


وتتابع الشغري كلامها، بأن الأطفال يخضعون لامتحان سبر معلومات قبل الدخول إلى المدارس الألمانية، ولكن ما لم يتم أخذه بالحسبان من قبل هو أن شخصاً ما سيتعرض لهذه المقاييس وهو في عمر العاشرة ولم يخضع لأي عملية تعليمية من قبل، حالة الطفل كما تصفها الشغري كانت أشبه بحالة "الطفل والعصفور" في القصة الشهيرة التي حصلت مع الراحل ميشيل كيلو في معتقله.
وفحوى القصة المأساوية التي حصلت مع الراحل كيلو، يتلخص بـ"كيف لطفل لم يتجاوز الخامسة من عمره، لم يبصر النور قط، ولم يعرف الشجرة، أن يفهم ما هو العصفور" نفس الشيء تقريبا حصل مع الطفل السوري وورقة سبر المعلومات في مكتب الأطفال في برلين.
تقول الشغري: "تم تشكيل فريق من خلفيات أكاديمية مختلفة وعاملين في حقل التربية وعلم الاجتماع وعلم النفس من قرابة 32 متخصصاً وباحثاً، وكنت أنا من ضمنهم، وجلسنا مع الطفل عدة جلسات، لنتمكن أخيراً من الخروج بمقياس خاص يرصد مدى قدرة الطفل على الإدراك والتفاعل مع الوسط المحيط والنتيجة المبهرة أن الطفل أحرز درجات تم توصفيه على أساسها بأنه حاد الذكاء".
وتشدد الشغري على أن البحوث الإنسانية بحوث غير مخبرية بمعنى لا يمكن بحال من الأحوال أن نأخذ عينة من أطفال مجتمع ما ونخضعهم لظروف تعايش حروبا وقذائف تسقط فوق رؤوسهم وحصارا وخوفا وترهيبا واعتقالا كالتي تحصل في بيئات الحروب الحقيقية، وبالتالي فإن تلك الحالات تشكل كنزا حقيقيا لإثراء الأبحاث التي تحاول تدوين كل معلومة عن الحالات الناجية من الحروب وهذا ما حصل في ألمانيا بعد وصول الأطفال السوريين.

اضطراب ما بعد الصدمة

في آذار/مارس 2021 أجرت منظمة "إغاثة سوريا" البريطانية استبياناً على 721 من الشباب والشابات السوريين في لبنان وتركيا ومحافظة إدلب بشمال سوريا، لتعلن أن 75 في المئة منهم يعانون من سبعة أعراض على الأقل لاضطراب ما بعد الصدمة.
وهنا تلفت الشغري إلى حالات متنوعة لأطفال تعرضوا لاضطراب ما بعد الصدمة وتطلب من المختصين تطوير آليات وأدوات علاجية لتخليص الضحايا من آثار الدمار النفسي الذي تعرضوا له وتخفيفها.
وتتابع الخبيرة الاجتماعية قصة طفل اضطرت عائلته للانتقال من الزبداني ومن ثم إلى عرسال، وبعدها إلى مصر ومن ثم ليبيا، وأخيراً عبر مركب مطاطي تمكنوا من الوصول إلى أوروبا، فكان الطفل يعاني من طيف اضطراب ما بعد الصدمة وصل به إلى حالة انزواء وتقوقع وانطواء، وبات يفضل البقاء وحيدا ولا يحب الاحتكاك حتى مع أفراد أسرته، وبعد جلسات مطولة مع خبراء وأطباء نفسيين تمكنوا من تخليصه من آثار الصدمة وهو اليوم يكمل تعليمه بوضع طبيعي.

وختمت الشغري بتوجيه مناشدة ورجاء لأهالي الأطفال السوريين بالاهتمام بالصحة النفسية لأطفالهم وعدم إهمالها، وخصوصاً في بعض البلدان التي لا تعير اهتماماً كافياً لهذا الجانب، لأنه وبحسب وصفها فإن جلسات علاج بسيطة في مراحل العمر المبكرة من شأنها أن تحدث فارقا إيجابيا يستمر طيلة حياة الإنسان.