الأسد ومسارات التطبيع الثلاث.. أحلام عودة "س-س"

2023.02.22 | 06:11 دمشق

الأسد ومسارات التطبيع الثلاث.. أحلام عودة "س-س"
+A
حجم الخط
-A

بعد الاتصالات الهاتفية من ملوك ورؤساء عرب ولا سيما الاتصال الهاتفي الأول المعلن بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس النظام السوري بشار الأسد غداة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، ساد لوهلة الاعتقاد بأن منطقة الشرق الأوسط قد تكون على أبواب زلزال سياسي فرضته الكارثة الطبيعية من شأنه أن يخرج الأسد من عزلته العربية والدولية، لكن أصواتا أخرى تقول إنه وبرغم هول النكبة، فإن "ديبلوماسية الزلازل" قد تبقى محدودة الأثر.

في حين يتقدم الملف السوري إلى واجهة الأحداث الإقليمية بين التراخي والتشدد، ثمة رهانات في لبنان باتت ترتبط بالتحولات الجارية حول دمشق. وإذا ما كان نجيب ميقاتي يراهن على مآلات ملف الزلزال الذي بات يدفع بجهات دولية وعربية إلى التضامن مع سوريا ونظامها، سارع ميقاتي بإيفاد مجموعة من الوزراء في حكومته لزيارة قصر المهاجرين ولقاء النظام الأسد، وعلى الرغم من فشل ميقاتي في تلوين لوحة الوفد "بوزير سني"، إلا أن الرجل لايزال يعول على ثغرة تتيح انتخاب سليمان فرنجية رئيساً وتعيده للسراي الحكومي رئيساً للحكومة بتوافق سوري - سعودي جديد.

بالتوازي فإن عودة الاهتمام العربي بالوضع في سوريا ترتبط بحسابات كل دولة وتحديداً السعودية والإمارات ربطاً بمصالح متشابكة لكلا الجانبين، وهذا النقاش اختصره وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في رده على سؤال حول زيارته إلى سوريا: "لا أعلق على شائعات، ولكن هناك إجماعاً عربياً على أن الوضع في سوريا لا يجب أن يستمر هكذا"، وهذا الكلام تزامن مع زيارة أجراها وفد استخباري سعودي لسوريا ولقائه بعلي مملوك وحسام لوقا.

تبدو زاوية الصراع السياسي القائم مترابطة مع مفاوضات تجري إقليمياَ مع قنوات اتصال إيرانية - سعودية، وإيرانية - أميركية مباشرة وغير مباشرة

بالمقابل لا يمكن القفز فوق تجدد الضربات الإسرائيلية وآخرها استهداف مبنى في منطقة كفرسوسة، وهي منطقة تمثّل عمقاً أمنياً وعسكرياً لإيران وحزب الله والنظام، وهي المنطقة التي اغتيل فيها سابقاً عماد مغنية العام 2007، ويعكس في طبيعة الحال الرغبة المستمرة لحكومة اليمين الإسرائيلي باستهداف أي قدرة عسكرية لإيران والحزب على الرغم من كل أجواء التسوية الإقليمية الظاهرة.

لذا تبدو زاوية الصراع السياسي القائم مترابطة مع مفاوضات تجري إقليمياَ مع قنوات اتصال إيرانية - سعودية، وإيرانية - أميركية مباشرة وغير مباشرة، وهذه ما زالت عالقة رغم بعض التقدم في مفاوضات تجديد الهدنة في اليمن. في إطار تعزيز واشنطن وطهران لأوراقهما في الساحة الإقليمية، لذا يندرج الضغط الاقتصادي في العراق ولبنان سواء أكان من خلال العقوبات، أو عبر التحكم بكمية العملات الصعبة، كأداة من الضروري أن تكون مشدودة أميركياً في مرحلة المفاوضات. 

ولدى إيران، في المقابل أوراق مهمة كمحاولة تعزيز حضورها السوري في ظل الانشغال الروسي في الحرب الأوكرانية والتركي في تداعيات الزلزال وهو ما يقلق الجانبين الأميركي والإسرائيلي، كذلك تمتلك إيران أدوات مثلاً أن القائد الحالي لتنظيم "القاعدة" سيف العدل مقيم على أراضيها، فضلا عن وكلائها في أكثر من مكان في المنطقة، ودعمها الجانب الروسي في الحرب مع أوكرانيا وكذلك ابتزاز الغرب بالبرنامج النووي.

وعلى الرغم من أن إدارة بايدن أبلغت حلفاءها في الشرق الاوسط بأنه لا توجد أي مؤشرات حقيقية حول احتمال حصول تصعيد عسكري قريب في المنطقة إلا أنها تعتبر أن الدروس التي تعلّمتها من انسحابها من أفغانستان، هي بأنّ الأماكن التي ستخليها سيجري ملؤها فوراً بالقوى المخاصمة لها. لذا تسعى واشنطن لإيجاد مناخات توافقية بينها وبين دول الخليج تقوم على إعادة الضمانات العسكرية والأمنية، ما قد يسمح لواشنطن بتجديد التوءمة بينها وبين السعودية في ملفات سوريا ولبنان.

بالمقابل يسعى رئيس النظام السوري بشار الأسد للاستفادة من حالة الكباش الجارية ولعبة الضغوط المستمرة، وتثميرها سياسياً لتحصيل مكاسب تشرعن النظام وتعطيه قوة دفع سياسية في المنطقة، وهذا الأمر ترافق مع اقتراح حمله وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد بأن يكون التطبيع الأسدي ثلاثي الأبعاد:

الأول: تطبيع خليجي تنضم له السعودية والكويت مستقبلاً، مع التمهيد بضرورة خروج النظام السوري من مدارات التأثير الإيرانية. وإيجاد خطط لعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، وهذا الموقف دفع طهران لإرسال قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، مع حزمة مساعدات للقول إنه لا يمكن للأسد الخروج من كماشتها، ويبدو تسريب صور لزيارة قاآني يندرج في سياق الرد على كل ما يجري تناوله خليجياً. وهذا الحراك الإيراني واكبته زيارة لبنانية ثانية بطابع برلماني للأسد، مدفوعة بقوافل مساعدات سيرها حزب الله وحلفاؤه في قوى 8 آذار.

الردات السياسية للزلزال ستفرض نفسها، سواء في الداخل التركي أو في ما يتعلق بموضوع التطبيع مع دمشق، والذي من المرجح أنه لم يعد أولوية لدى حكومة أردوغان

أما المسار الثاني في الاقتراح الإماراتي يقضي باستكمال التطبيع السوري-التركي عبر اعتبار أن الزلزال وحد الجانبين ووضعهما في خانة الكارثة المشتركة وتطوير المسارات من خلال استضافة أبوظبي لاجتماعات بين وزراء الخارجية التركي والسوري، ومستقبلاً بين أردوغان والأسد، لكن الردات السياسية للزلزال ستفرض نفسها، سواء في الداخل التركي أو في ما يتعلق بموضوع التطبيع مع دمشق، والذي من المرجح أنه لم يعد أولوية لدى حكومة أردوغان، في وقت تنشغل أنقرة بتحصين واقعها الداخلي والخروج بأقل الأضرار السياسية وذلك قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية، الأكثر حسماً لأردوغان وللمعارضة على حد سواء، منذ تاريخ وصول العدالة والتنمية للحكم في أنقرة، إلا إذا طرأ ما يمكن أن يؤدي إلى تأجيل الانتخابات، في ضوء ما فرضته المعطيات الكارثية.

في حين المسار الثالث قوامه وضع خارطة طريق لتطبيع سوري -إسرائيلي، يعزز حضور الأسد ويساهم مستقبلاً في إيجاد حل لعلاقته مع واشنطن والدول الغربية في ظل رغبة ماكرون بتطوير التواصل مع النظام، وبحسب ما أشيع فإن الأسد لم يمانع لكنه ربط ذلك بشروط وضعها حافظ الأسد وهي الأرض مقابل السلام، أي إعادة الجولان مقابل التطبيع، ومن هذا المنطلق أتى الاقتراح الإماراتي القائم على جلب اعتراف إسرائيلي "بسورية الجولان"، مقابل أن تقوم إسرائيل باستئجار الأرض لعقود تسجل في الأمم المتحدة فيما تتولى الإمارات بدفع تكاليف الاستئجار الإسرائيلي للجولان وطبرية، ما يعني العمل على تفكيك حضور إيران وحزب الله من الجنوب السوري.

وأمام كل تلك التحديات، برز الحديث عن جولة خليجية سيجريها الأسد باتجاه ثلاث عواصم وهي سلطنة عمان والإمارات والبحرين ما سيشكل إعلاناً لبدء مرحلة إقليمية جديدة تقضي بعودة النظام إلى الجامعة العربية وطي صفحة المرحلة الإجرامية للنظام، على اعتبار أن المصالحات تغلق الحقوق التاريخية بالدم والأرض والتي يبرع الأسد في قضمها، وعليه فإن هناك من يراهن لبنانياً على هذه التحركات كمسبب رئيسي سيفرض تغييراً سياسياً لصالحه، على قاعدة استعادة مرحلة التزاوج السوري-السعودي في لبنان.