الأسد وإيران.. واستحالة الانفصال

2023.03.08 | 07:11 دمشق

الأسد وإيران.. واستحالة الانفصال
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من وقف العمليات القتالية في سوريا، لم يستعد النظام السوري لا سيطرته على كامل الأرض السورية، ولا عودته إلى الساحتين العربية والدولية، وهذا المسار ليس وليد الصدفة، بل ترجمة فعلية لمواقف أميركية وأوروبية وعربية، والتي لاتزال تتمسك بإنهاء الأزمة السورية على قواعد القرارات الدولية وتحديداً القرار 2254، لذا فإن المتوهمين بأن نظام الأسد سيستعيد وضعيته السياسية الذي كان عليه قبل اندلاع الثورة السورية يعيش بكذبة كبيرة.

وحتى لو كانت ظروف الانفتاح الجزئي على الأسد لاعتبارات إنسانية أو مرحلية أو ذات أبعاد أمنية، لكنها لا تعني عودته إلى الحظيرة العربية انطلاقاً من سلة الشروط التي سمعها الأسد من ضيوفه أو مستضيفيه، والتي تبدأ من سردية فك ارتباطه مع طهران ولا تنتهي بالقبول بسلطة انتقالية وانتقال الصلاحيات لرئيس حكومة من المعارضة، وهذا ما لا رغبة ولا قدرة للأسد على تنفيذه، ولأن أي تنازل يعني انتهاء دوره، وبالتالي يستحيل أن يعطى شرعية عربية ودولية وهو في الحضن الإيراني.

تقوم سردية تلك الدول على محاولة خلق فرص حقيقية لدفع الأسد ونظامه على الابتعاد العضوي عن إيران، وترتيب سياقات شبيهة باتفاق الطائف

وعلى الرغم من تعويل الأسد وحلفائه في لبنان على سياسة الانفتاح الحاصل والذي أعطي أبعاد إنسانية سعى النظام لتحويلها لمسارات سياسية، عادت الحركة لتشهد انخفاضاً ملحوظاً في تلك الاندفاعة في ظل الموقف الأميركي الرافض والمترافق مع إعلان شهر المحاسبة، والرفض القطري الواضح لفتح أي ثغرة في جدار الحوار مع النظام على الرغم من مساعي مصر والإمارات لخلق قنوات تواصل مع الأسد.

وتقوم سردية تلك الدول على محاولة خلق فرص حقيقية لدفع الأسد ونظامه على الابتعاد العضوي عن إيران، وترتيب سياقات شبيهة باتفاق الطائف في لبنان العام 1989، وتقضي بفتح آفاق لحل سياسي يقوم على عدم إعطاء أي فرصة لطهران لإعادة الإمساك بالنظام في ظل الانشغال التركي والروسي.

في حين إيران والتي تستفيد من الانشغالات التركية والروسية، حريصة على ملء أي فراغ سيحدثه هذا الغياب لموسكو وأنقرة، بالتزامن مع أحداث إقليمية وعالمية تشير إلى أن مستوى تخصيب إيران لليورانيوم بلغ أكثر من 87% ما يعني أن طهران أضحت قريبة جدا وعلى بعد أيام من تخطّي نسبة 90% وهو الرقم القياسي الذي يعني الدخول في مرحلة اللاعودة، وهذا الأمر يعني الاستعداد لكل الاحتمالات في ظل إصرار إسرائيلي على توجيه ضربات لإيران تطاول المنشآت النووية ومصانع الأسلحة المتطورة.

وهذا الأداء النووي الإيراني يقترن بمضاعفة الحرس الثوري من شراكته العسكرية والأمنية مع موسكو، مع الدفع باتجاهات أوسع تكرس علاقات تصاعدية مع بكين وتفعيل كل الاتفاقيات الموقعة في مجالات الصناعة والتجارة والعسكر، ووسط كل تلك المتغيرات المتسارعة باتت لدى الإدارة الأميركية قناعة راسخة أن خلفيات المواقف الإيرانية هو فقط عملية ضغط لانتزاع تنازلات أميركية أكثر والشروع فعلياً في عملية إنتاج سلاح نووي. لكنّ الركون لهذه التقديرات من دون وضع الخيار العسكري على الطاولة في المقابل اعتبرته مستشارية الأمن القومي بأنه مجازفة برأي أفضل خبراء العالم.

وثمة شعور واضح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والذي يعيش أزمة سياسية عاصفة على المستوى الداخلي، قد يسعى لمعاكسة أزمته المحلية بالذهاب نحو توتير عسكري مع إيران وهو ما يلقى تأييدا إسرائيلياً وتحديداً من قوى اليمين المتطرف وهم شركاؤه في الحكومة. وهذا ما ترفضه الإدارة الديموقراطية في واشنطن، في ظل شعور تل أبيب بأن هناك تغطية أميركية خفية للتسوية بين الرياض والحوثيين في اليمن، باعتبار أن أي تسوية يمنية يجب أن تشمل حلا لوجود صواريخ دقيقة لإيران والقادرة على أن تضرب إسرائيل من صنعاء.

بالمقابل فإن الدفع باتجاه أي عملية عسكرية ضد إيران بهدف إحداث شلل في البرنامج النووي، سيأخذ المنطقة نحو حرب شاملة، سيستخدم فيها الإيراني كل الساحات الإقليمية دون استثناء، وهذا الانخراط الفعلي في الحرب بحاجة لضوء أخضر أميركي ومساعدات تقنية وعسكرية مهمة وهم غير متوافرين حتى اللحظة، لكن ثمة قناعة لدى أطراف إقليمية بأن الإدارة الأميركية لا تشعر بتوتر حيال الأزمة الداخلية لحكومة نتنياهو وقد تكون حريصة على إسقاطها والإتيان بحكومة أكثر مرونة.

طهران "محشورة في زاوية الأزمات" وتبحث عن مناكفات لشد انتباه واشنطن للحوار معها، وليس الانزلاق باتجاه مواجهة عسكرية مؤلمة

والصراع الحاصل بين إيران والغرب في الشرق الأوسط، يبدو أنه مرتبط بحدود وخطوط حمراء للتفاوض وليس للذهاب نحو مواجهة إقليمية، وينطوي الموقف الإيجابي والمتفائل لمدير الوكالة للطاقة الذرية عقب زيارته لإيران على تعاون مستجد للسلطات الإيرانية، وهو ما اعتبر كضمانات دبلوماسية ترمي للمشاركة الإيرانية في نقاشات لوجيستية وتقنية قريبة، انطلاقاً من أن محادثاته مع مسؤولين إيرانيين كانت شفافة وبناءة وفق تعبيره.

وهذا ما يعزز فكرة رئيسية مفادها أن طهران "محشورة في زاوية الأزمات" وتبحث عن مناكفات لشد انتباه واشنطن للحوار معها، وليس الانزلاق باتجاه مواجهة عسكرية مؤلمة. ولذلك عمدت واشنطن إلى جانب قيامها بعرضها العسكري مع القوات الفرنسية والبريطانية، إلى التأكيد بأنها لم تقفل بعد باب الحوار والسياسة لإنهاء حقبة الملف النووي، وبأنها ترفض تماماً الخيار العسكري مع إيران أقلّه في المرحلة الحالية، ما يؤكد وجود نقاشات واتصالات في كواليس الأروقة الدبلوماسية.

كذلك لا يمكن القفز فوق الاجتماعات الجارية بين دول المنطقة بهدف خلق مروحة إقليمية تجنب الشرق الأوسط من أي انعكاس لأي اتفاق معلن أو مضمر بين واشنطن وطهران، لذا فإن التشدد العربي وتحديداً القطري والسعودي في ملفي لبنان وسوريا ليس من فراغ، بل يستمد تشدده من تجارب سابقة مع الأسد وحلفائه في لبنان، لذلك يظهر لدى المتابعين رفض خليجي واسع للإتيان بسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، انطلاقاً من كونه صديقاً للأسد.

وما آثار ريبة السعوديين والقطريين أن رئيس النظام السوري سعى لمفاتحة زواره العرب واللبنانيين بالملف الرئاسي اللبناني بشكل مسهب، بدا وكأنه أعاد الاهتمام بهذا الملف، وعليه لا يمكن الاعتقاد أن الأطراف العربية موافقة على منح الأسد رئيساً لبنانياً وتكرار فخ القبول برئيس حكومة محاصر بتوقيع إيراني - سوري.