الأسد في مواجهة لائحة المطالب العربيّة

2023.02.25 | 06:24 دمشق

الأسد في مواجهة لائحة المطالب العربيّة
+A
حجم الخط
-A

أعطى الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا "جرعة" انتظرها النظام السوري طويلاً. قبل الزلزال بدقيقة لم تكن الدول العربية ولا الغربية مُتحمسة لأي تواصل ولو بالحد الأدنى مع النظام السوري، إلا بعض الدول الإقليمية التي حافظت على المُحادثات على المستوى الأمني.

جاءَ الزلزال وزادَ قلق الدول العربية والغربية على حد سواء. قامت دول عديدة بتشغيل قنوات الاتصال بالنظام السوري، في حين حرصت أخرى على إرسال المُساعدات عبر مطارات دمشق وحلب وحميميم، حيث القاعدة الروسية.

تعتبر دوائر القرار في الرياض والقاهرة وعَمان أن الزلزال الذي ضربَ شمالي سوريا قد يُعزز من نفوذ إيران أكثر في سوريا. هذا ما عبر عنه وصول قائد قوة القُدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى مدينة حلب قبل وصول أي مسؤولٍ تابعٍ للنظام إليها.

كما تعتبر أوساط هذه الدول أن عدم مُعالجة آثار الزلزال بسرعة، سيزيد من مُعاناة الشعب السوري، وبالتالي قد يزيد الوضع الإنساني والأمني سوءاً، وما لذلك من انعكاساتٍ على أمن المنطقة.

الدول العربية وفي طليعتها السعودية ومصر لن تُشرع الأبواب بالكامل للنظام السوري من دون أي تغيير أو تعديل في طبيعة العلاقة القائمة بين نظام الأسد والنظام الإيراني

في هذا الإطار جاءَت زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق ولقاؤه بشار الأسد.

تشير المعلومات إلى أن الصفدي نقلَ للأسد ضرورة العمل بشكلٍ جدي على الحد من نفوذ طهران على امتداد الخريطة السورية، في حال كانَ يرغب نظامه في العودة إلى ما سماه "الحضن العربي". إذ إن الدول العربية وفي طليعتها السعودية ومصر لن تُشرع الأبواب بالكامل للنظام السوري من دون أي تغيير أو تعديل في طبيعة العلاقة القائمة بين نظام الأسد والنظام الإيراني.

بطبيعة الحال، كان الأسد كالعادة يُرحب بالطرح الأردني - العربي، ولكن تجارب الماضي تؤكد أن أي اتفاقٍ أو محاولة اتفاقٍ مع النظام السوري قد تنهار في أول أو آخر لحظة في حال لم ينل الاتفاق رضا الإيرانيين.

الرهان على تغيير سلوك النظام لن يأتي بجديد. فالنظام الذي حافظ، بل وزادَ من سلوكه العدائي تجاه الشعب السوري منذ 2011 أثبتَ هذا الرأي. كذلك فإن تجربة ما سُمي مُعادلة الـ"س- س" في لبنان التي جاءَت بعد مُصالحة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز وبشار الأسد في 2009 انهارت بعد عامٍ بفعل الإرادة الإيرانية حينها.

تجربة الـ"س - س" هي خير دليل على أن النظام في سوريا لا يمتلك القرار النهائي، وإن امتلك صلاحية إعلان النيات. لكن القرار الأول والنهائي هو عند الرجل الذي زارَ حلب قبل الأسد، أي إسماعيل قاآني ومن وراءه.

تقول المُعطيات إن السعودية تتعاطى مع قضية التعاطي مع نظام الأسد بحذرٍ شديد، ولا تُعول كثيراً، إلا أن المُحادثات التي عُقِدَت في الرياض قبل شهريْن وقبل 3 أسابيع في دمشق بين وفديْن استخبارييْن سعودي وآخر للنظام، تنتظر الأفعال لا الأقوال.

أعطى النظام وعوداً للموفدين العرب، لكن السؤال هو: هل يستطيع النظام التنفيذ؟

يُشكك مصدر دبلوماسي خليجي في إمكانية أن يستطيع الأسد تقديم تنازلات. فالمطالب الخليجية، وخصوصاً السعودية عالية السقف بالنسبة للنظام السوري. إذ يُمكن اختصار هذه المطالب كالآتي:

  1. بدء العمل على الحل السياسي تحت قرار مجلس الأمن الدولي 2254
  2. تعديل طبيعة العلاقة القائمة بين النظام السوري وإيران والحد من نفوذها العسكري والأمني والسياسي في سوريا.
  3. إطلاق سراح الموقوفين المُعارضين من سجون النظام السوري، وكشف مصير عشرات آلاف المفقودين.
  4. فتح قنوات التواصل الجدي مع المُعارضة السورية.
  5. تسهيل وصول المُساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري.
  6. ضمان العودة الآمنة للنازحين السوريين، وعدم التعرض للمُعارضين.
  7. وقف تصدير المُخدرات من مناطق الساحل والجنوب السوري إلى الدول العربية عبر الأردن، وتفكيك الشبكات المسؤولة عن هذه العمليات.

نُقِلَت هذه المطالب إلى الأسد عبر قناتيْن: الأولى قناة سياسية عبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. أما الثانية فكانت عبر اللقاءات الأمنية التي تجمع مسؤولين من النظام بآخرين سعوديين، وكان آخر لقاء بين الطرفيْن مطلع شهر شباط / فبراير في العاصمة السورية دمشق.

يعتبر السعوديون، ومثلهم المسؤولون في قطر ومصر أن النظام السوري لا يستطيع فك ارتباطه بإيران بهذه السهولة. فقد عللَ الأسد أمام أيمن الصفدي نفوذ إيران في سوريا بما سماه "الغياب العربي" عن سوريا، إلا أن الصفدي قال للأسد إن العرب لن ينخرطوا بالطريقة التي يتمناها الأسد في حال لم يعمل نظامه على تعديل طبيعة العلاقة مع إيران التي باتت تُهدد العمق العربي عبر جنوبي سوريا.

تعتبر واشنطن أن إعادة تعويم الأسد تصب في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغارق في المُستنقع الأوكراني

على التوازي، لا يُبدي القطريون والأميركيون حماسةً للتطبيع مع نِظام الأسد. فالمسألة أعمق من مجرد إعادة إحياء للعلاقات الثنائية. تعتبر أوساط الدوحة أن المُشكلة تكمن في سلوك وبُنية النظام السوري، ويعتقد المسؤولون هُناك أن إعادة تسويق الأسد ليسَت ذات جدوى، بل هي خطوة غير مُمكنة بعد 12 عاماً من القتل والتدمير والاعتقال واستعمال الأسلحة الكيميائية.

أما في واشنطن الرأي نفسه، لكن المُبررات مُختلفة. تعتبر واشنطن أن إعادة تعويم الأسد تصب في مصلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغارق في المُستنقع الأوكراني منذ عام بالتمام والكمال. ليسَ هُناك في واشنطن من يجد مصلحةً في إعطاء بوتين ورقةً رابحة بشكلٍ مجاني. يُضاف إلى ذلك رفض الولايات المُتحدة الوجود الروسي في البحر المُتوسط، والذي أمنه الأسد بمنحه مطار حميميم والقاعدة الروسية البحرية لموسكو في 2015.

هي مُهمة شبه مُستحيلة، وطلبُ الشيء من فاقده، فلا الأسد يستطيع أن يضمن مصالح العرب بسبب نفوذ إيران، ولا مصالح الغرب بسبب النفوذ الروسي. سيكتشف الجميع أن الرهان على إعادة تعويم النظام السوري، أو إنتاج "نسخة مُنقحة" منه ستبوء بالفشل. هكذا تقول التجارب والتاريخ والجغرافيا والمنطق.. وللحديث تتمة.