icon
التغطية الحية

اعتماد الدولار بالتسعير.. هل يمكن الاستغناء عن الليرة التركية في شمالي سوريا؟

2023.08.03 | 06:45 دمشق

اعتماد الدولار بالتسعير.. هل يمكن الاستغناء عن الليرة التركية في شمالي سوريا؟
محال الصرافة في إدلب شمال غربي سوريا
إدلب ـ ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

أعلنت حكومة الإنقاذ التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، مطلع الأسبوع الحالي، اعتماد الدولار الأميركي بدلاً من الليرة التركية في معاملات البيع والشراء بأسواق الهال في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، نتيجة لعدم استقرار سعر صرف الليرة التركية وتعرض المزارعين وتجار سوق الهال لخسائر كبيرة.

وألزمت "الإنقاذ" جميع حلقات البيع في أسواق الهال باعتماد الدولار الأميركي في البيع والشراء، وفي حال الدفع مباشرة بالليرة التركية فإن سعر الصرف يحسب وفقاً للحد الأعلى الظاهر على الشاشة المعتمدة في سوق الهال، في إجراء اعتبر خطوة تمهيدية لاعتماد الدولار في مختلف المعاملات المالية بالمنطقة.

وفي شهر حزيران من عام 2020، بدأ ضخ العملة التركية في الأسواق ومحال الصرافة في منطقة شمال غربي سوريا، بقرارات رسمية للجهات المحلية المتمثلة بالحكومتين السورية المؤقتة و"الإنقاذ"، للتخلص مِن تبعات انهيار العملة السورية.

حينذاك أكّد عدد من الباحثين في الشأن الاقتصادي أنّ العملية محفوفة بالمخاطر، ما لم تراعِ عدة جوانب، أهمها إلزام جميع المناطق بمنع تداول الليرة السورية، ودفع أجور العاملين بالعملة التركية، بما يتناسب مع دخلهم وأجورهم سابقاً.

لكن ما جرى كان عكس التوقعات، إذ تعرضت الليرة التركية لانخفاض حاد أمام الدولار، وخسارات تجاوزت أربعة أضعاف السعر الذي كانت عليه عند اعتمادها شمالي سوريا (نحو 6.5 أمام الدولار الواحد)، بالتالي تجددت معاناة شريحة كبيرة من السكان في المنطقة.

ومع القرار الأخير لـ "الإنقاذ"، نناقش في التقرير، مآلات اعتماد المنطقة على الدولار في البيع والشراء، ومدى القدرة على الاستغناء عن الليرة التركية، والتحديات التي تواجه السكان والجهات المحلية بهذا الخصوص.

أسباب القرار والنتائج المأمولة

في تفسيره لسبب الإعلان عن قرار اعتماد الدولار بدلاً من الليرة التركية في معاملات البيع والشراء بأسواق الهال بإدلب، قال مسؤول العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد بحكومة الإنقاذ، حمدو الجاسم، إنه "بعد ورود عدة شكاوى من المزارعين والتجار في أسواق الهال بسبب التعامل بالليرة التركية وانهياراتها المتتالية وما تسببه من خسائر كبيرة بالبيع والشراء، عقدت وزارة الاقتصاد والموارد عدة جلسات مع عدد من المزارعين والتجار وأصحاب الاختصاص من الاقتصاديين، وأصدرت بعدها التعميم القاضي بالتعامل بالدولار في أسواق الهال".

وعن النتائج المأمولة من القرار وانعكاساته في السوق، ذكر الجاسم، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن "الخضار المستوردة هي بالدولار، وما يستورد أكبر بكثير من الإنتاج المحلي، ولهذا فإن المزارع هو المتضرر الأكبر من التعامل بالليرة التركية، نتيجة لتقلباتها المتكررة، والبيوع الآجلة بين المزارعين والتجار".

ونتيجة لذلك، يقول الجاسم إن "حكومة الإنقاذ تسعى لحفظ حقوق المزارعين لتشجيعهم على الزراعة، من أجل استمرارية الحلقة الزراعية بالدوران، واستثمارها بالشكل الأمثل، ما يؤمن إنتاجاً محلياً بالأسواق، ويوفر الآلاف من فرص العمل، ويعدّل من الميزان التجاري".

ما إمكانية تعميم القرار على مختلف التعاملات؟

قد يسهم تعميم الدولار على كل التعاملات المالية وعمليات البيع والشراء في إدلب أو شمال غربي سوريا بالعموم، في تخفيف بعض السلبيات المتعلقة بانخفاض قيمة الليرة التركية، ولكن هذه الخطوة مستبعدة على المدى المنظور في المنطقة، لما تواجهه من تحديات، خاصة إذا كانت الغاية الاستغناء عن الليرة التركية بشكل كامل.

وبهذا الصدد، قال الجاسم إن "معظم السلع في المناطق المحررة أصبحت مسعرة بالدولار، كون عمليات الاستيراد تتم بالدولار، بما في ذلك الأدوية والمحروقات ومعظم السلع والمواد الغذائية، بينما يتم التعامل بالليرة التركية في عمليات الشراء الصغيرة والتداولات اليومية".

وذكر أنه تم الاستغناء سابقاً عن الليرة السورية نتيجة الانهيارات التي لحقت بها "واليوم نعتمد على سلة من العملات، لتحقيق الغاية من سهولة التداول وحفظ حقوق الناس سواء كان ذلك بالدولار للتداولات الكبيرة أو بالليرة التركية للتداولات اليومية".

وأضاف: "عندما تكون العملة ذات قيمة ولا تعاني من التضخم، يكون إقبال الناس عليها كبيراً، أما انهيارات العملة تؤدي إلى عزوف الناس عن تداولها، ويصبح الاعتماد عليها مقتصراً على التداولات اليومية والسلع المستهلكة ذات القيمة المنخفضة فقط".

وبحسب الجاسم، فإن معظم التعاملات التجارية في المنطقة هي بالدولار منذ بداية الثورة، مشدداً على أن "القرار الأخير لم يمنع التداول بالليرة التركية إنما ثبّت أسعار المزادات والسلع والبيع والشراء ضمن أسواق الهال بالدولار، وبالتالي حفظ حقوق المزارعين والتجار بما يخص البيوع الآجلة".

لا يمكن الاستغناء عن الليرة التركية

ورصد موقع تلفزيون سوريا عشرات التعليقات على قرار "حكومة الإنقاذ" الأخير، تطالبها -إضافة للجهات المحلية الأخرى- بتثبيت أجور العمال بالدولار، كون هذه الطبقة هي الأكثر تضرراً من تراجع قيمة الليرة التركية، إلى جانب المعلمين وأفراد الشرطة والعاملين في المجالس المحلية وغيرهم.

ويشير الباحث الاقتصادي والمدرّس في كلية الاقتصاد بجامعة إدلب، حيان حبابة، إلى أن قرار "الإنقاذ" ينص على اعتماد الدولار في "التسعير" بسوق الهال، وليس اعتماده بالكلية، بالتالي استمرار التعامل بالليرة التركية نظراً لعدم وجود أجزاء صغيرة (فراطة) من الدولار، وهذا ينطبق على معظم السلع في شمالي سوريا ولا يقتصر على أسواق الهال.

واستبعد "حبابة" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن يكون القرار بداية للتخلي عن التعامل بالليرة التركية تدريجياً، لأن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي على الإطلاق، داعياً الجهات المحلية إلى تثبيت أجور العمال سواء الشهرية أو المياومة بالدولار، ولو كان الدفع بالليرة التركية وفق سعر الصرف عند القبض.

بدوره قال وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، إنه في واقع الحال، جميع التجار والباعة شمالي سوريا يسعّرون البضائع بالدولار، ويبيعون بالليرة التركية وفق سعر الصرف، ما يعني أن قرارات التسعير بالدولار لن تغير شيئاً من الواقع، لأن هذه السياسة متّبعة في الأسواق بقرار أو دونه.

وأكد المصري في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن الصفقات الكبيرة في شمالي سوريا تتم بالدولار، وعمليات البيع الآجلة (الدين) معظمها أيضاً بالدولار، بينما تتم التعاملات اليومية الصغيرة بالليرة التركية، لافتاً إلى عدم إمكانية التخلي عن العملة التركية بالشمال السوري حالياً.

ويتضح من آراء الخبراء، وواقع الأسواق شمالي سوريا أن اعتماد الدولار في تسعير السلع يعود إلى عدة عوامل، من بينها استقرار قيمته وقبوله كوسيلة دفع عالمي، ما يخفف من تأثير التضخم والتقلبات الاقتصادية ويوفر بعض المزايا.

ومن ناحية أخرى، يظهر تأثير الليرة التركية على الأسواق في المنطقة، وبالرغم من عدم استقرارها في الآونة الأخيرة، إلا أنها ما تزال تمثل خياراً للأسواق المحلية وتوفر سهولة في التعاملات اليومية حتى الآن، لذا يتوقع استمرار استخدامها في الوقت الحالي كوسيلة دفع في المنطقة.