ارحموا من في الأرض

2022.01.31 | 05:17 دمشق

mkhyyym.jpg
+A
حجم الخط
-A

وفق الإحصائيات الأممية، وصلت نسبة اللاجئين السوريين بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، إلى ما يقرب من 9 بالمئة من نسبة اللاجئين عالمياً، لتصبح سوريا المصدر الأول للاجئين في العالم منذ العام 2014.

وبحسب الإحصائيات ذاتها، وهي وفق المنطق أقل من العدد الحقيقي الذي لا يستطيع أحد حصره بدقّة، يبلغ عدد اللاجئين السوريين أقل من 7 ملايين لاجئ بقليل، موزعين في 130 دولة، فيما يتركز 83 بالمئة من هؤلاء اللاجئين في دول المنطقة العربية والجوار السوري، وخاصة تركيا، ولا يشمل هذا العدد النازحين داخل سوريا، ممن اضطرتهم ظروف الحرب والخوف من النظام وإجرامه إلى ترك أماكن إقامتهم الأصلية إلى مناطق أكثر أمناً، وعددهم يُقارب عدد اللاجئين خارج سوريا تقريباً، ويزداد بمتوالية تبعاً لديناميات الصراع.

تستضيف تركيا 3.7 مليون لاجئ سوري بحسب الإحصاءات الرسمية، وهي نسبة عالية بالمقارنة مع عدد من لجأ إلى الدول الأوروبية مجتمعة، حيث لا يتجاوز عدد اللاجئين السوريين في أوروبا المليون شخص بحسب الإحصاءات الأممية الرسمية.

وكان العدد الضخم من اللاجئين السوريين الذين غادروا إلى تركيا، أو أجبروا على النزوح نحو الشمال السوري خصوصاً، سبباً في جعل ظروف عيشهم غير جيدة مقارنة مع من وصل إلى أوروبا، واضطروا للعيش بمخيمات أو مناطق سكن مؤقتة لا تتوافر فيها الكثير من شروط الحياة الطبيعية، وعانوا من شظف العيش وندرة العمل وقلّة الموارد، واعتمدوا مضّطرين على المساعدات من هنا وهناك للاستمرار في العيش.

عدم توفر الحياة الكريمة، وعدم توفّر السلامة الجسدية المستدامة، وندرة فرص العمل، هي العوامل الأساس التي تؤثر على حياة اللاجئين والنازحين، الذين باتوا يعيشون بين متناقضين، البقاء بعيداً عن قدرهم المحتوم إن عادوا إلى مناطق سيطرة النظام، أو الذهاب بأرجلهم إلى ذلك القدر فيما لو فكّروا بالعودة إلى تلك المناطق.

من يرغب من اللاجئين أو النازحين بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام، يشبه من يمشي إلى الموت بقدميه، ومسألة العودة مصيدة، ستؤدي في الغالب إلى اعتقالهم وتغييبهم، أو إذلالهم وإهانتهم، كما حدث مع الكثيرين، هذا بالأساس إن كانوا سيرجعون إلى مدن أو بلدات مازالت قائمة، فالنظام السوري صب جام غضبه على الحواضن المدنية الآهلة بالسكان وسحقها، ودمّر التجمعات السكنية بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وشرّد الملايين الذين باتوا خارج سوريا شرائح هشّة وضعيفة.

وحدهم من يعيشون في الخيام هم الذين لهم حق في التقييم والتقرير وحدهم من يجب أن يُسمع صوته ووحدهم من يُفترض أن يتحدث

تنشط جهات في تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة للاجئين والنازحين، محلية وإقليمية ودولية، وتسعى لتوفير ما هو مُستطاع لبقائهم على قيد الحياة، كما تقوم منظمات أو أفراد بحملات من أجلهم، سواء لتأمين الغذاء أو العلاج الطبي أو السكن الإنساني بدلاً من الخيام الذليلة، لكن جهودهم تُقابل باستهتار أو تخوين أو تشكيك من بعض الفئات، التي تعتبر أن هذه الحملات عنوان للفساد أو للتوطين أو لشراء الولاءات.

وحدهم من يعيشون في الخيام هم الذين لهم حق في التقييم والتقرير، وحدهم من يجب أن يُسمع صوته، ووحدهم من يُفترض أن يتحدث، ويصمت الجميع، فهم أصحاب المصيبة والبلاء، وعلى رؤوسهم تنهمر الويلات والكوارث، وأطفالهم هم من يجوع ويمرض ولا يتلقى التعليم، ونساؤهم هي التي تناضل كل دقيقة لِلَمّ شمل الأسرة والتخفيف من مصابها.

من يريد أن يوقف هذه الحملات والمساعدات، على ضآلتها وقيمتها المعنوية التي لا تُحدث فرقاً كبيراً، عليه أن يُقدّم البديل، عليه أن يضمن لهؤلاء اللاجئين والنازحين العودة إلى حياتهم وبيوتهم وأعمالهم، ليعيشوا من جديد بكرامة وإنسانية.

يشير تقرير أعده فريق من البنك الدولي ضم أكثر من 70 خبيراً، إلى أن الواقع الأمني في سوريا، يُمثّل العامل الأكبر في تحديد العودة المحتملة، ويأتي في المرتبة الثانية فقدان الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم، ودمار البنى التحتية، وكل هذا القضايا وغيرها يجعل العودة في هذا الوقت وهذه الظروف أمراً شبه مستحيل، فلا أمن ولا سلام ولا كرامة ولا عمل ولا بيوت ليعود إليها أصحابها.

مارس النظام السوري عنفاً شرساً بحق السوريين، الذين باتوا لاجئين ونازحين الآن، وتمارس عليهم الآن فئات أخرى من السوريين نفس العنف الشرس، العنف اللا عقلاني، الذي يريد حرمانهم حتى من أولويات وأساسيات الحياة الكريمة.

قسّم النظام السوري المجتمع إلى كانتونات فئوية وطبقية، وتسعى الآن تلك الفئات الطفيلية إلى الحفاظ على كانتونات الطبقية تلك، بل وتعمل على تعميق الشرخ الطبقي، ويتناسون تماماً الحديث الشريف: "ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء". فهلّا يتذكّرون!