التصعيد الروسي على إدلب: تأثيراته وسيناريوهات المستقبل

2023.10.17 | 06:55 دمشق

التصعيد الروسي على إدلب: تأثيراته وسيناريوهات المستقبل
+A
حجم الخط
-A

دعمت روسيا النظام السوري باعتباره حليفاً استراتيجيا، خلال السنوات الماضية، وكان للتدخل الروسي العسكري في أيلول سبتمبر 2015 دور أساسي في بقاء النظام الأسدي حيث قامت بإرسال قوات جوية وبحرية إلى سوريا، كما استخدمت موسكو أدوات عدة في حربها إلى جانب النظام لأهداف عدة تحمل أبعاداً استراتيجية محتملة، مع العلم أن السياسة والاستراتيجية الروسية قد تكون معقدة وتتأثر بالعديد من العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وساهم القصف الروسي وقصف النظام على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في تعزيز الأمان للقاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس على الساحل السوري، والتي تعتبر مركز وجود استراتيجيا لروسيا، وتؤمن مصالحها الاقتصادية والعسكرية. وأن التصعيد الروسي المستمر على الشمال الغربي يساهم في تعزيز دور روسيا كلاعب دولي في الشؤون الإقليمية والدولية. كما يمكن أن يعكس هذا التدخل إرادة روسيا في تحقيق مكاسب استراتيجية وتأثير أقوى في سوريا وما ورائها، في حين تبرر روسيا اعتداءاتها على مناطق الشمال الغربي في سوريا بأن جزءًا من استراتيجيتها في سوريا هو مكافحة الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" هيئة تحرير الشام ومجموعات أخرى، حيث أن القصف الروسي يهدف إلى ضرب هذه الجماعات وتقليل تهديداتها حسب ما تدعي. كما يمكن أن يساهم القصف الروسي في تعزيز موقف النظام السوري ومساعدته على استعادة السيطرة على المناطق التي فقدها في أثناء الحرب ضد فصائل المعارضة.

التصعيد العسكري من قبل روسيا قد يساهم في تحسين الوضع العسكري للنظام ومن الممكن أن يساهم في تحقيق توازن أكبر لصالح النظام في أي محادثات سلام محتملة

ومن الممكن أن يكون هذا التصعيد جزءًا من استراتيجية أواخر الصراع التي يتعامل بها النظام السوري وروسيا للتفاوض بقوة وتحسين موقعهم في أي مفاوضات سياسية مستقبلية، حيث أنه يُتعمّد التصعيد قبيل أي جولة مفاوضات أو اجتماعات دولية تتعلق بمستقبل سوريا، حيث أن التصعيد العسكري من قبل روسيا قد يساهم في تحسين الوضع العسكري للنظام ومن الممكن أن يساهم في تحقيق توازن أكبر لصالح النظام في أي محادثات سلام محتملة.

تعد محافظة إدلب في شمال غربي سوريا واحدة من المناطق الأكثر تعقيدًا وأكثر الأماكن تضررًا نتيجة الحرب في سوريا. وهي من آخر المناطق بقيت خارجة عن سيطرة النظام، ويتجمع فيها عدد كبير من النازحين من مختلف المناطق السورية. تجاوز عدد النازحين في المنطقة المليون شخص بالإضافة إلى أهالي المنطقة مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة الحاجة إلى المساعدات الإنسانية.

ويمثل الشمال الغربي محورًا رئيسيًا للصراع في سوريا، حيث تسيطر على أجزاء متنوعة من المحافظة مجموعات مسلحة متعددة، ويسعى النظام السوري جاهدًا وداعمه الروسي لاستعادة السيطرة على هذه المناطق، ومن أبرز الأسباب وراء التصعيد الحالي هو رغبة النظام السوري وروسيا في استعادة السيطرة على المناطق التي فقدوها في الصراع مع المعارضة المسلحة، وتعد مناطق شمال غربي سوريا من أهم المناطق التي يرغبون في استعادتها بغض النظر عن الكلفة.

ومما يزيد من تعقيد الوضع في الشمال الغربي في سوريا هو التدخل الدولي، حيث أن هناك تدخلا دوليا كبيرا، يتمثل بروسيا التي تقدم دعمًا كبيرًا للنظام السوري في قصفه وهجماته في المحافظة. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك تركيا وجودًا عسكريًا في إدلب وتدعم جماعات معينة، وتعمل على حماية المدنيين وإقامة مناطق آمنة.

وقد تأزم الوضع الإنساني في إدلب ومحيطها بشكل كبير بسبب النزاع المستمر، حيث أن هناك نقصا حادا في الإمدادات الإنسانية الأساسية، وهناك تقارير مستمرة عن قصف يستهدف المدنيين والبنية التحتية في والمنطقة. بالإضافة إلى التداخلات والصراعات الداخلية: حيث أن هناك تنافرات وتصاعدا للتوترات بين المجموعات المسلحة المتنافسة في إدلب، مما يزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

واستمرت روسيا بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة خلال السنوات الماضية بالإضافة إلى التصعيد العسكري، حيث تزيد هذه العرقلة من المعاناة الإنسانية وتجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للمدنيين الذين يعانون نتيجة النزاع، حيث تم استهدافهم بشكل متعمد من قبل النظام السوري والتحالف الروسي في العديد من الهجمات الجوية والصاروخية بما يتنافى مع القوانين الدولية ويشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان.

يحتمل مستقبل المنطقة الشمالية الغربية من سوريا سيناريوهات عدة تعتمد على العديد من العوامل المعقدة والتي تتغير باستمرار، حيث أن تأثير تطورات الوضع من قبل روسيا وغيرها من الأطراف يمكن أن يكون متغيرًا ويصعب التنبؤ به، ولكن هناك بعض السيناريوهات الممكنة:

1. استمرار النزاع والقتال: إذا استمر النزاع بين النظام السوري والمعارضة المسلحة في هذه المنطقة، فإنه يمكن أن يتسبب في تفاقم المعاناة الإنسانية وتدمير مزيد من البنية التحتية. وقد تتدخل دول أخرى مثل تركيا للدفاع عن مصالحها وحماية المدنيين.

2.  اتفاقات دبلوماسية: قد تشهد المنطقة جهودًا دبلوماسية لإيجاد حل سياسي للصراع. حيث يمكن أن يدفع تصاعد التوتر بين روسيا وتركيا إلى التفاوض لتحقيق هدنة أو اتفاق يحافظ على الاستقرار في المنطقة.

3.  تقسيم المنطقة: قد ينتج عن تطورات الوضع تقسيم المنطقة إلى مناطق تسيطر عليها مجموعات مسلحة مختلفة أو دول متدخلة. هذا قد يؤدي إلى استقرار نسبي في المنطقة وتحقيق تفاهمات محلية.

ستستمر القوى الإقليمية والدولية في ممارسة تأثيرها في المنطقة. ستستمر روسيا في دعم النظام السوري، وتركيا ستحمي مصالحها، والتدخل الإيراني سيستمر أيضًا

4. تدخل دولي متزايد: تستمر دول مثل روسيا وتركيا وإيران في التدخل في الصراع السوري، وهذا يمكن أن يعقد الوضع بشكل أكبر ويزيد من تعقيداته.

5. تأثير القوى الإقليمية والدولية: ستستمر القوى الإقليمية والدولية في ممارسة تأثيرها في المنطقة. ستستمر روسيا في دعم النظام السوري، وتركيا ستحمي مصالحها، والتدخل الإيراني سيستمر أيضًا.

تحتاج الأوضاع في سوريا إلى حل سياسي دبلوماسي يمكن أن يضع حداً للصراع ويساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة. وذلك يتطلب ذلك تعاونًا دوليًا وجهودًا دبلوماسية مستدامة تستند إلى احترام حقوق الإنسان والعدالة.