اختلاق تهديد اللجوء السوري مدخل لتبرير بقاء سلاح الحزب

2023.05.01 | 06:59 دمشق

اختلاق تهديد اللجوء السوري مدخلا لتبرير بقاء سلاح الحزب
+A
حجم الخط
-A

يبحث حزب الله باستماتة عن وظيفة جديدة لسلاحه بعد أن سقطت الأساطير التي كان يستند إليها لشرعنة هذا السلاح وإيجاد دور له. أسطورة الدفاع عن البلاد ضد العدو الإسرائيلي باتت صيغة غير صالحة للتوظيف بعد كل ما ظهر إلى العلن من صيغ تفاهمات لم ينجح في إيجاد تخريجات لها أو تظهيرها في سياقات تخالف واقعها.

وكذلك لم تفلح محاولات إعادة إحياء صورة المقاومة عبر إطلاق مجموعة من الصواريخ الخلبية على إسرائيل من الداخل اللبناني ونسب الأمر إلى منظمات فلسطينية.

الأسطورة الثانية التي سقطت لبنانيا بشكل عام وداخل البيئة الحاضنة بشكل خاص هي أن ذلك السلاح كان يخلق دورا خاصا للبلد يمنع استفحال الأزمات الاقتصادية، وما يغرق فيه البلد حاليا من انحدار غير مسبوق في المستوى الاقتصادي يشهد على نهاية تلك الأسطورة.

فشل الحزب في اصطناع دور له في المعادلات الجديدة التي تجري بوتيرة متسارعة، وظهرت إلى العلن ملامح احتقار الطرف الإيراني الذي يشغله له ولدوره

تنطلق حاليا مسارات التسويات الشاملة والكبرى انطلاقا من ربط السياسات الداخلية للبلاد بتصفير الأزمات والمشكلات والتفرغ لتطوير الاقتصاد. الأمن الذي تفترضه تلك المشاريع الكبرى لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل وجود بؤر متفلتة من السلاح يمكنها تهديد تقاطع مصالح عريض واستثمارات كبرى.

فشل الحزب في اصطناع دور له في المعادلات الجديدة التي تجري بوتيرة متسارعة، وظهرت إلى العلن ملامح احتقار الطرف الإيراني الذي يشغله له ولدوره كما تجلى في عدم إطلاع قيادات الحزب، وعلى رأسهم نصر الله، على مسار الاتفاقات مع السعودية وتركه يدلي بخطابات ظهر فيها في هيئة الغافل عما يجري، ليس في العالم ولكن في إيران نفسها.

يعني كل ذلك أن لا وظيفة ملحوظة للحزب وسلاحه في المرحلة المقبلة، وأنه متروك لمصيره.

من هنا لم يجد ما يستثمر فيه سوى أزمة اللجوء السوري التي كان صانعها والمتسبب فيها. الحملات على اللاجئين السوريين لم تتوقف، وتم اصطناع صياغات قانونية لها بغية شرعنتها ولكنها كانت دائما لا تنجح في أن تظهر إلا بوصفها أفعالَ بلطجة وتشبيح وخروج على القوانين والأعراف والأخلاق.

على سبيل المثال ومع مشاركة الحزب في المقتلة السورية لصالح بشار الأسد برز نظام قانوني في لبنان يسوّغ اعتقال أي سوري معارض في لبنان، ولعل عمليات ترحيل سوريين معارضين التي جرت منذ أيام قليلة برعاية الجيش اللبناني ليست سوى فصل جديد من محاولات منح الجرائم الواضحة التي ترقى إلى عمليات إعدام ميدانية مباشرة صيغة قانونية وشرعية ورسمية.

يعلم الجميع ومن دون أدنى شك أن تسليم أي سوري إلى النظام هو حكم إعدام خارج على القوانين المحلية والدولية، ومع ذلك يتم التسليم، فماذا يمكن أن يعني ذلك سوى أن الأمر مقصود ومبرمج ومنظم؟

لم يكن من قبيل المصادفة أن تقوم الحملات المستجدة ضد اللاجئين السوريين في إطار مناطق وبلديات تدور في فلك حزب الله، ولكن المفارقة أنه نجح في استدراج العديد من القوى التي تعتبر نفسها متناقضة معه إلى المشاركة في حملته بطرق مختلفة، ولكنها تتوحد في رفعها شعار تحميل اللاجئين السوريين المسؤولية التامة عن كل أزمات البلاد.

بدا حزب الله وكأنه المرشد الأعلى ليس لمن يدورون في فلكه بل للجميع، ونجح في اللعب على وتر العنصريات الكامنة وإشعالها لصالح مشروع منح سلاحه وظيفة جديدة، وهي الدفاع عن لبنان ضد ما يختلقه من تصوير اللاجئين كقوة احتلال.

حملته المسعورة التي شاركته فيها جل القوى السياسية كشفت عن خلل بنيوي أصاب التركيبة السياسية اللبنانية حيث بدت بلا عقل وبلا ضمير، وأكثر من ذلك بدت ساذجة ومفتقدة للأهلية وأظهرت الحزب بوصفه القوة القادرة على جر الجميع إلى ملعبها من دون بذل كثير من العناء.

يعاني الحزب من حصار محكم يفقد سلاحه أي دور أو وظيفة، فلماذا تعمد القوى السياسية اللبنانية إلى منح مشروع تجديد رخصة سلاحه شرعية بإظهار أن تلك الحملات المسعورة ضد اللاجئين تحمل خطابا لبنانيا عاما وليست بضاعة خاصة بالحزب وحده.

ومن ناحية أخرى كيف يمكن لصاحب عقل أن يتخيل أن اللاجئين السوريين في لبنان، والذين تفرض عليهم أقسى أنواع الحصارات الأمنية والمخابراتية، قادرون على الخروج في تظاهرات حاشدة، تستدعي تظاهرات موازية تغطي فكرة تسبب السوريين بحرب داخلية في لبنان يفترض للجمها تدخلُ سلاح الحزب.

وكذلك فإن عمليات الترحيل تقتصر على معارضي الأسد فكيف يمكن أن يكون مثل هذا السلوك الإجرامي مدخلا لحل مشكلة اللجوء؟

الأمر ليس سوى عملية تطهير وإبادة تمهد لإغراق البلد بموجات من الأسديين الذين يتحركون خارج أي رقابة، وتوظيفهم في خلق بلبلة أمنية منظمة في عدة مناطق، يستعملها الحزب لإخراج سلاحه إلى دائرة الضوء مجددا تحت عنوان حماية الأمن الداخلي.

التأثير السوري والإيراني في الداخل اللبناني انحسر ولم يعد قادرا على الحسم في أي مجال وقدرته لا تتجاوز حدود افتعال مشكلات ومحاولة بيع حلول

يستتبع ذلك  فرض خيار رئاسي على غرار سليمان فرنجية، الذي يردد في كل إطلالاته أنه القادر دون سواه على أن ينتزع من سوريا الأسدية وإيران الخامنئية ما لا يستطيع غيره انتزاعه.

الفكرة في كل هذا المشهد الهزلي أنه ينطلق من واقع لم يعد موجودا. التأثير السوري والإيراني في الداخل اللبناني انحسر ولم يعد قادرا على الحسم في أي مجال وقدرته لا تتجاوز حدود افتعال مشكلات ومحاولة بيع حلول.

 لا يوجد من يشتري من حزب الله مثل هذه البضاعة الفاسدة. العالم سيتركه يحرق البلد ويحترق به، بينما يسير قطار التسويات بخطى واثقة، ولا يلتفت راكبوه إلى تلك المنطقة المنكوبة في العالم إلا بوصفها أرضا خرابا، يمكن إسقاطها من كل الخرائط وكأنها لم تكن يوما.