icon
التغطية الحية

إيكونوميست: كيف تستخدم الصين روسيا بغرض التدمير؟

2024.05.29 | 15:09 دمشق

آخر تحديث: 29.05.2024 | 15:09 دمشق

الرئيس الصيني شي جين بينغ برفقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الصيني شي جين بينغ برفقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

في زمن العنف والظلام واليأس، من الغريب إظهار الحنق تجاه حالة الاختلال الوظيفي الدبلوماسي التي يشهدها مجلس الأمن الدولي، ولكن في أفضل حالاته، يعتبر هذا المجلس حصناً يحمي العالم من الفوضى، إذ إزاء الأعضاء الخمسة الدائمين فيه، وهم أميركا وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا، يجري انتخاب عشرة أعضاء لمدة سنتين. وعند الاستجابة لأزمات كبيرة وغامضة، فرضت قرارات هذا المجلس على مدار السنين عقوبات وعينت بعثات لحفظ السلام، كما فرضت حظراً على الأسلحة، وبنسبة أقل بكثير أخضعت للرقابة الدولية طغاة وإرهابيين وانقلابيين ممن كان بوسعهم التمتع بحصانة كاملة لولا تلك الرقابة.

حالات مشينة 

بيد أن هذه المنظومة بدأت بالانهيار، وذلك لأن الدول الديمقراطية الليبرالية صارت تتهم روسيا بلعب دور المخرب في الأمم المتحدة، بما أنها تبدي مواقف عدوانية ولا تخدم إلا مصالحها في مجلس الأمن، والآن أصبح ما يقلق الدبلوماسيين من روسيا هو تحولها إلى خطر يهدد وجود مجلس الأمن، بعد أن زادت تصرفاتها اللامسؤولة عن حدها. إذ في شهر تموز من العام الفائت، أوقفت روسيا بعثة تابعة للأمم المتحدة تعمل على تسليم المعونات الإنسانية في المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة، بحجة أن في ذلك إهانة لسيادة الدولة السورية التي تعتبرها حليفة لها. وبعد مرور شهر على ذلك، استخدمت روسيا حق النقض لتنهي نظام العقوبات المفروضة على دولة مالي الواقعة غربي أفريقيا. إذ في أحدث تقرير قدمه المراقبون الأمميون عن الوضع هناك تحدثوا عن عمليات قتل وجرائم تورط فيها جنود من مالي ومرتزقة روس ينتمون لمجموعة فاغنر. وفي شهر آذار من هذا العام، أنهت روسيا عمل لجنة الخبراء الدوليين الذين يراقبون مدى التزام البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية لدى كوريا الشمالية بالعقوبات (بعد أن أعدت هذه اللجنة تقريراً عن صفقات أسلحة تتضمن خرقاً للعقوبات أبرمت بين كوريا الشمالية وروسيا).

وحتى نكون على ثقة، يمكن القول بأن أغلب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ابتداء من الدول النامية، بل ابتداء من الدول الغربية، أصبحت تتهم أميركا بتقويض عمل مجلس الأمن عبر استخدام حق النقض لعرقلة القرارات التي تدين ما ترتكبه إسرائيل في غزة من جرائم، إلا أن أميركا متهمة بدعمها للنظام العالمي الذي اعتُمد بعد الحرب العالمية الثانية بصورة انتقائية. وعلى النقيض من ذلك، عندما زار وزير خارجية الصين نيويورك منذ فترة قريبة، سمع من دبلوماسيين يمثلون قارات العالم الأربع عن خوفهم من أن تعتزم روسيا تدمير هذا النظام العالمي، وفي الجملة التالية، طرح هؤلاء المبعوثون أنفسهم أسئلة محددة عن الداعم الذي تثق به روسيا في مجلس الأمن، ألا وهو الصين.

كانت تلك الأسئلة حادة لأن الصين تصف نفسها بالمدافعة منظومة الأمم المتحدة، بما أن بنية مجلس الأمن وهيكليته التي تتضمن حق النقض الممنوح للأعضاء الدائمين، يشبه رؤية الصين لعالم منظم. ولكن على الرغم من أن قادة الحزب الشيوعي يتحدثون بصدق عن الإنصاف والعدالة بين الدول الكبيرة والصغيرة، نجدهم يتحدثون باستمرار عن الاستقرار الذي يكمن في مراعاة مصالح أقوى الدول. إذ في خطاب ألقاه رئيس الصين شي جين بينغ في مقر الأمم المتحدة بجنيف في عام 2017، أشاد بسلام ويستفاليا الذي يقوم على معاهدتين تعودان للقرن السابع عشر، واللتين ألزمتا الدول ذات السيادة بالكف عن التدخل بالشؤون الداخلية لدول أخرى، مع خلق حالة توازن في المصالح والطموحات بين الدول الكبرى. وكما قال شي بلسانه: "ينبغي على القوى العظمى احترام المصالح الأساسية والمخاوف الكبرى لغيرها من القوى العظمى"، أضف إلى ذلك إلى أن الدبلوماسيين الصينيين ينحون باللائمة على أميركا دوماً بسبب الحرب القائمة في أوكرانيا، إذ يرون بأن توسع حلف شمال الأطلسي في شرقي أوروبا هو من حشر فلاديمير بوتين في تلك الزاوية.

البراغماتية الصينية

ولكن، ومنذ فترة قريبة، وحتى حينما أصبح خطاب الصين أشد عداء للغرب، صار الدبلوماسيون يتحدثون عن وجود مؤشرات لبراغماتية الصين في مجلس الأمن. إذ مباشرة عقب غزو أوكرانيا، أرسل مسؤولون أميركيون للصين نص قرار لمجلس الأمن فيه إدانة لروسيا. وبما أن الدبلوماسيين الأميركيين يعرفون بأن روسيا ستعرقل هذا القرار، ومع سعيهم لتجنب أي فيتو صيني، لذلك خففوا من حدة النص مقابل امتناع الصين عن التصويت. وكذلك في عام 2022، ضغطت الصين على روسيا لتجدد تفويض بعثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان.

في كل الحالات الفاضحة التي أسلفنا الحديث عنها والتي تدور حول سوريا ومالي وكوريا الشمالية، اتخذت الصين موقفاً معتدلاً بالظاهر، إذ امتنعت عن رفع الفيتو بدلاً من أن تنضم لروسيا في استخدام هذا الحق. وعندما أنهت روسيا الدور الأممي في الإشراف على تسليم المساعدات داخل سوريا، أكد الدبلوماسيون الصينيون لنظرائهم الأجانب بالسر بأنهم حاولوا استباق الـ"لا" التي يحملها الفيتو الروسي، ولكن زادت المخاوف التي ترى بأن الصين تفكر بالاستفادة من إلغاء روسيا.

روسيا تهدم والصين تبني

بعد أن رفعت روسيا الفيتو ثلاث مرات، انضمت الصين إليها في انتقاد العقوبات الأممية لكونها تغض الطرف عن حق سوريا ومالي وكوريا الشمالية بالسيادة. وهذا ما دفع بعض الدول الأفريقية للتعبير عن خوفها من إنهاء روسيا للبعثة الأممية إلى مالي. ويرى كثيرون بأن حظر السلاح يمنع الدول من شراء أسلحة، حتى في الوقت الذي يسلح الثوار أنفسهم بأنفسهم. وبعد النجاح الذي حققته الصين، تبين لها بأن بعثات حفظ السلام الأممية مفيدة في الدول الأفريقية، بما أن لها مصالح اقتصادية هناك، برأي ريتشارد جوان من مجموعة الأزمات، ولكن عموماً، باتت الدول الأفريقية "مريضة ومتعبة من القوى التي استعمرتها في السابق والتي تأمرها بفعل ذلك"، ولهذا تتوق كل من الصين وروسيا "لكسب تأييد الدول الأفريقية الأعضاء" برأي جوان، إذ في مناظرة عن أفريقيا أقيمت في الثالث والعشرين من شهر أيار الجاري، صب فو كونغ المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة انتقاداته على دول غربية لم يسمها وذلك "لتمسكها بالعقلية القديمة التي تعود للحقبة الاستعمارية، ولتدخلها بشكل متعسف في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية" وكذلك بسبب "لجوئها للضغط والعقوبات على الدوام".

أثار تدمير روسيا للجنة الخبراء التي أرسلت إلى كوريا الشمالية صدمة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولهذا دعت نحو 60 دولة للاحتفاظ بتلك اللجنة، فيما حثت أميركا واليابان وكوريا الجنوبية الصين على التدخل، إلا أن الدبلوماسيين الصينيين أنكروا وجود أي نفوذ لهم على روسيا. وعقب الفيتو الروسي، وجهت الصين اتهاماتها للدول الغربية بسبب رفضها لمقترحات سابقة تقدمت بها الصين وروسيا لتخفيف "العقوبات القاسية" على كوريا الشمالية، إذ يقول أحد الدبلوماسيين الذين راقبوا الأمور عن كثب: "ابتعدت الصين وتركت لروسيا كل عمل قذر لتقوم به"، ويضيف هذا الدبلوماسي بأن اللجنة الأممية انتقدت الصين بشكل غير مباشر وذلك لتحملها لمسألة التهريب في كوريا الشمالية، ولكن ذلك لم يكن الدافع الرئيسي لدى الصين برأيه، لأنها بحاجة للاستقرار حتى تزدهر من خلال التجارة الخارجية، إلا أنها "غير راضية عن تحديد الغرب لطريقة عمل الأمم المتحدة". وعبر السماح لروسيا بتفكيك النظام القديم بكل ما فيه من عقوبات ورقابة تُفرض على منتهكي الحقوق، أصبح بوسع الصين إعادة تشكيل ما سيأتي بعد ذلك، وذلك لأن النهج الصيني أقل دراماتيكية، لكنه أهم بكثير بكل تأكيد.

المصدر: The Economist