إلى متى مجرد ذِكْر "السيطرة الإيرانية" في إعلام النظام يُجَرَّم؟

2023.07.19 | 07:54 دمشق

1
+A
حجم الخط
-A

تسبَّب استخدام عبارة "… السيطرة الإيرانية… في سوريا" على شاشات إعلام نظام الأسد بإقالة عدد من المدراء في التلفزيون؛ وكأن هؤلاء ارتكبوا المُحَرَّم. وقد لا يتوقّف الأمر على الإقالة؛ فمَن ينطق أو يبوح بحقيقة احتلال ملالي طهران لـ"سوريا الأسد"، وتحكمهم بمفاصل المنظومة الأسدية سياسياً وإعلامياً وميليشياوياً  واقتصادياً وكبتاغونياً وديموغرافياً، يرتكب الخطيئة التي لا تُغتَفَر.

 لم يكن استقبال "ولاية دمشق" لإبراهيم رئيسي، رئيس إيران، بعد أيام من الاتفاق السعودي - الإيراني استقبال دولة لدولة، بل  احتفاء بولي الأمر؛ فالأمر الطبيعي ألا تخرج عبارة إعلامية تعكس مناكفة الوالي لسيّده؛ ولكنها خرجت في لحظة بوح بحقيقة السيطرة الفعلية لإيران الملالي على كل مناحي الحياة في "الجمهورية العربية السورية"، ومن ضمنها الإعلام؛ فمخالفة ذلك كفر يستوجب العقاب، وأقله الإقالة.

تتغلغل إيران الملالي ببطء وثبات في النسيج السوري إعلامياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً وتربوياً. وضعت يدها على السجل المدني في وزارة داخلية النظام، لتصبح صحائف سكان سوريا داخلها وخارجها بحوزتها؛ وليتبع ذلك مرسومٌ من "والي دمشق" بحذف "الخانة" من الهوية الشخصية للسوريين، وليصمت إعلام النظام صمت القبور تجاه هذه الفعلة الإيرانية الإجرامية بتغيير ديموغرافيا سوريا؛ حيث لن يحتاج الأفغاني أو الباكستاني أو الإيراني "خانة" تُوضَع على هويته السورية الجديدة.

تتدخل إيران الملالي بالتربية والتعليم ومناهجها التدريسية، ويصمت إعلام النظام، بل يرافع ويطبّل ويزمّر لمساهمات إيران في تلك المجالات، فكيف له أن يستخدم عبارة "سيطرة إيران"!! يأتي هذا بعد تغوّل الملالي في "المؤسسة" الدينية، وتأثير ذلك على ملايين السوريين، الذين حولتهم إلى "عبيد" لولي الفقيه لا للوالي المحلّي. وهنا تجرأ ذلك الإعلامي السوري الحق على ذكر عبارة "السيطرة الإيرانية"؛ فكان العقاب.

يعرف هؤلاء الإعلاميون السوريون أنه يُراد لاحتلال إيران الملالي لسوريا أن يتماهى مع  بنية مجتمعهم "المتجانس"، الذي يعاني من الخوف والاهتراء المخيف، وأنه من الصعوبة بمكان أن تنهي استثمارات ايران الاستراتيجية في بلدهم؛ ويعرفون أن مشروع الملالي يتقن صنعة العسكرة والتوتير والتدمير، لا القدرة على التعمير إلا الخبيث منه. يدركون أن مجتمعهم أضحى على درجة من الهشاشة مكّنت الإيراني من السيطرة عليه؛ ولهذا خرجت تلك العبارة بقصدية أو سهواً.

لن يغيب عن أذهان هؤلاء الإعلاميين السوريين أنه بقدر ما حمت روسيا نظامهم الحاكم عسكرياً وسياسياً، بقدر ما شوّهت هيبة وسيادة دولتهم، وجعلتها دولة مارقة شرّدت أكثر من نصف شعبهم؛ بقدر ما تغلغلت إيران في بلدهم لتلغي هويته والبنية الذهنية لما تبقى من ساكنيه. ومن هنا انزلقت تلك العبارة حول "سيطرة إيران" في ثنايا خطابهم، لتكشف المستور والمغيّب؛ وتفضحه.

وإذا كان الفعل العسكري والفعل الاقتصادي للاحتلالين الإيراني والروسي، اللذين ابتلعا مقدرات البلد، يحظيان بحصانة إعلامية - عبر التعاليم والتوجيهات القادمة من سلطة الأمر الواقع الأسدية - صارمة ومحفوظة عند الإعلامي السوري كالاسم، لأسباب تتعلق بالوجود العسكري الحامي المدعّم "لانتصار" النظام على "المؤامرة والإرهاب"؛ فإن قضايا حياتية أخرى قد تتفلت من طغيان تلك التعليمات الصارمة، بحيث يظن هؤلاء الإعلاميون أن يكون تمرير عبارة "السيطرة الإيرانية" مقبولاً؛ إلا أن ذلك لم يمر؛ فكانت العقوبة.

زد على ذلك أنه عندما تمر عبارات لوم أو عتب في إعلام النظام تشير بحياء إلى تقصير الحامي الروسي أو الإيراني في إنقاذ أو نجدة السوريين اقتصادياً أو عسكرياً، يكون ذلك على لسان أناس من خارج إعلام النظام. فاستباحة إسرائيل للأجواء السورية، بسبب وجود الأسلحة الإيرانية في سوريا مثلاً، تأتي على لسان ضيوف بلا صفة رسمية؛ حتى لا يُسجَّل على الإعلام والسلطة الرسمية أنها تتبنى هذا الموقف. ومؤخراً تعجّ وسائط التواصل الاجتماعي بتذمّر وانتقادات وعويل بعض الممثلين و"المشهورين" المحصنين من النظام حول الوضع الاقتصادي والأمني. وكل ذلك محمول؛ ويمرّ دون استنفارات وإقالات.

السوريون بانتظار لحظة الانكشاف الشعبية الشاملة؛ لتتجلى حقائق التغلغل الإيراني في سوريا، واحتلاله للحياة السورية، ومساهمته المرعبة في التغيير الديموغرافي، وإسقاطه للدولة السورية، ومساهمته الكبتاغونية بجعلها دولة مارقة علنية ومكشوفة لكل سوري. آن الأوان لتعرية مشروع الملالي الطائفي المتلبّس بلبوس الإسلام  والمقاومة كذباً وزوراً في المنطقة.

ها هم السوريون يرون الحرائق تعود لمعالم دمشق القديمة التي بدأت مع الاحتلال الإيراني لسوريا؛ يرون حرق ميليشيات الملالي لمناطق دمشق القديمة، كي يسهل شراؤها بثمن بخس أو وضع اليد عليها. لا بد من صرخة إعلامية أو غير ذلك تقول إن ذلك الإجرام في "ساروجة" وغيرها ليس بفعل ماس كهربائي؛ ولا حرق الغابات والمحاصيل حالة قدرية. إنه الاحتلال وتغييره الديموغرافي لبلدنا.

آن الأوان لوقف التواطؤ مع مشروع الملالي الخبيث برصد أنشطته الأساسية عبر مراكز بحوث؛ وتطوير قاعدة بيانات تفند نفوذه الاقتصادي والسياسي؛ والتزوّد بوثائق اقتصادية وسياسية واستخباراتية وتعليمية  واتصالات تفضح أبعاده. لا بد من القيام بعمل إعلامي وسياسي وميداني ممنهج يولّد رفضاً اجتماعياً واسعاً لا يترك السوريين على ضفة النظام بمفردهم فريسة لمشروع الملالي.

آن الأوان لكشف أصحاب الأقلام المأجورة. آن الأوان لفضح تحالفات الملالي الاستراتيجية الخفية وتعرية ادعائهم بأنهم حملة مشروع المقاومة للصهيونية والإمبريالية؛ آن الأوان لإظهار مشروع حقيقي منبثق من ثقافة الأمة وإرثها الحضاري للحفاظ على هويتنا، وإعادة بلدنا إلى الحياة.