إعلان أميركي لافت عن فتح معبر القنيطرة

2018.10.19 | 20:13 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعنلت نيكي هايلي مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي عن توصل إسرائيل والنظام السوري إلى اتفاق لفتح معبر القنيطرة الحدودي بين سوريا وفلسطين المحتلة. الاتفاق تم بوساطة ورعاية من الأمم المتحدة، وكما يبدو من إعلان هايلي غير المسبوق، فواضح أنه تم بدعم ومواكبة من الإدارة الأمريكية.

الإعلان بدا لافتاً خاصة مع الانكفاء الأمريكي بشكل عام عن التطورات المستجدات والتفاصيل في سوريا، وما يزيده أهمية أنه تزامن مع إعادة افتتاح معبر نصيب بين الأردن وسوريا بعد أسابيع، وحتى شهور من التحفظ البرود وعدم حماس عمّان للأمر، التي نفت أكثر من مرة إعلانات متكررة للنظام عن فتحه.

بداية يعبّر إعلان هايلي عن عودة أمريكية نشطة ولو جزئياً للانشغال بالتطورات والمستجدات في سوريا، خاصة تلك المتعلقة بإسرائيل وأمنها، الأمر الذي يعتبر أولوية أو قاعدة للسياسة الأمريكية في سوريا والمنطقة، للمفارقة فإنه يمثل كذلك قاعدة أو عنصرا مهما في السياسة الروسية، هذا ربما أحد القواسم المشتركة القليلة بين واشنطن وموسكو في المنطقة.

في السياق الأمريكي الروسي لا يمكن استبعاد أن يكون سعي واشنطن لتحجيم أو تقليص الحضور والنفوذ الروسي جزء من الردّ الأمريكي السياسي على قرار روسيا تسليم منظومة إس 300

في السياق الأمريكي الروسي يعبّر إعلان هايلي عن رغبة واشنطن في تحجيم النفوذ أو التأثير الروسي في سوريا بشكل عام وفي المنطقة الجنوبية الحدودية مع فلسطين المحتلة بشكل خاص، وبعد اهتمام موسكو الواضح وحتى المبالغ فيه بالمنطقة والوضع فيها وإعلانها عن إقناع طهران بسحب ميليشاتها لأكثر من 100 كلم من الحدود لعدم إزعاج إسرائيل - حسب تعبير مبعوثها الكسندر لافرنتييف - بل مفاخرتها بتسيير دوريات لشرطتها العسكرية أيضاً، من أجل طمأنة إسرائيل والحفاظ على أمنها. والآن تعيد واشنطن الأمم المتحدة لتولي الأمر في المنطقة الحدودية بدلاً من موسكو، وإعادة العمل باتفاقية فكّ الاشتباك للعام 1974 التي تلزم النظام بعدم نشر قوات كبيرة، أو أسلحة ثقيلة في المنطقة الحدودية العازلة، واقتصار وجودها على قوات رمزية شرطية وبالتأكيد دون وجود أي قوات أجنبية في المنطقة.

في السياق الأمريكي الروسي لا يمكن استبعاد أن يكون سعي واشنطن لتحجيم أو تقليص الحضور والنفوذ الروسي جزء من الردّ الأمريكي السياسي على قرار روسيا تسليم منظومة إس 300 الصاروخية للنظام، علماً أن لا خشية أو قلقا عسكريا لا أمريكيا، ولا حتى إسرائيليا من البعد العسكري للخطوة الروسية.

إذن أمريكا تريد نزع الملف من موسكو، لكن دون أي تداعيات سلبية على أمن إسرائيل، وهي لن تكون ملكية أكثر من الملك وبعد اعتراف أو بالأحرى انضمام إسرائيل العلني إلى معادلة الأسد أو لا أحد، كما قال رئيس وزرائها نتن ياهو حرفياً، فإن واشنطن أيضاً وعبر رعايتها هذا التفاهم بين تل أبيب والنظام، دعم ومساندة مساعي الأمم المتحدة بهذا الخصوص تضفي شرعية ما على نظام بشار الأسد، علماً أن هذا الأمر يبدو مرحلي تكتيكي ولا يتعلق بالضرورة بالنظرة الأمريكية المستقبلية للحل السياسي المحتمل في سوريا، والتي تقول التصريحات الأخيرة  الصادرة عن واشنطن باستحالة بقائه أي الأسد في السلطة على المدى الطويل.

من جهة النظام فإنه سعي لاكتساب شرعية ولو مرحلية من تل أبيب وواشنطن، رغم أن جوهر الاتفاق يتمثل بعودة النظام لحفظ أمن إسرائيل، التخلي عن السيادة الفعلية في المنطقة العازلة عكس كل الأكاذيب عن الانتصار السيادة وروايات المؤيّدين والحشد الشعبي الإعلامي – في بيروت - عن النظام الممانع المعادى لإسرائيل، وعن الثورة المؤامرة التي ستسقطه لخدمة الأهداف الأمريكية الإسرائيلية المزعومة..

تقليص النفوذ الروسي يعنى بالضرورة من المنظور الأمريكي الإسرائيلي وحتى الأردني رغم كل المزاعم الروسية تقليصا مباشرا للحضور الإيراني

بدا لافتاً كذلك هذا التزامن بين فتح معبر القنيطرة وفتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا ، في الشهور الأخيرة بعد جريمة درعا، وإنهاء منطقة خفض التصعيد بشكل دموي وفظّ من قبل روسيا، بدا النظام وحلفاؤه في لبنان مستعجلين لفتح المعبر ليس فقط لأهداف اقتصادية، وإنما سياسية أيضاً تتعلق برغبة النظام في تكريس فكرة انتصاره، وفرض نوع من التطبيع في العلاقات مع الأردن، الذي بدا متحفظاً غير متحمساً للمساعي الروسية لفتح المعبر، مع سعي لوضع الملف في السياق التقني الإجرائي، وحتى قبل الإعلان عن فتح المعبر بفترة بسيطة كانت الناطقة باسم الحكومة جمانة غنيمات قد نفت الأمر عدة مرات آخرها منذ أسبوعين تقريباً، ومع الأخذ بعين الاعتبار فتح معبر القنيطرة بإعلان أمريكي صريح يمكن الاستنتاج بسهولة أن جهود أمريكية مماثلة قد بذلت لفتح معبر نصيب وقد تجاوب الأردن معها وفي نفس السياق السياسي المتعلق أيضاً بتقليص النفوذ الروسي في المنطقة الحساسة التي تتمثل أهمية قصوى للأردن وأمريكا، خاصة مع وجود قاعدة التنف على مقربة منها.

تقليص النفوذ الروسي يعنى بالضرورة من المنظور الأمريكي الإسرائيلي وحتى الأردني رغم كل المزاعم الروسية تقليصا مباشرا للحضور الإيراني، ونزع للورقة الإيرانية من يد موسكو، التعاطى أو بالأحرى الصدام معها بشكل مباشر وبالتأكيد إضعاف للنظام نفسه على المدى الطويل.

طبعاً لا حديث عن خلفيات اقتصادية لفتح معبر القنيطرة، حيث السياق سياسي أمني بحت ولا جدال فيه. أما الحديث والتركيز على البعد الاقتصادي لفتح معبر نصيب، خاصة من حلفاء النظام في لبنان - بدرجة أقل الأردن -  مبالغ فيه لتخفيف المعارضة له، والزعم بفائدة اقتصادية من العلاقة مع النظام، غير دقيق وهي في كل الأحوال هامشية ضعيفة بالنسبة للأردن قياساً للحالة المتردية لمناطق النظام تحت الاحتلالين الروسي والإيراني، وتكاد تكون منعدمة بالنسبة للبنان الخاضع تمام لهيمنة حزب الله المنخرط في معركة مفتوحة مع دول الخليج العربي التي يقال أن فتح المعبر سيسهل التجارة اللبنانية معها.

قصة المعبرين ومساعي واشنطن الواضحة وراء إعادة فتحهما تطرح السؤال المهم عن آفاق السياسة الأمريكية، هل هي موضعية في المنطقة الجنوبية تتعلق بالخلاف، أو النزاع مع روسيا في الفترة الأخيرة والرغبة في ضمان أمن إسرائيل بشكل تام. أما أنها تعبر عن توجهات أمريكية جديدة في سوريا بشكل عام لتقليص النفوذ الحضور الروسي، وقطع الطريق على مساعي موسكو لفرض تسوية سياسية وفق مصالحها ورؤاها، كما على التقارب والتفاهم الروسي التركي في إدلب وملفات سورية أخرى ضمن عملية آستانا. وهنا يمكن أيضاً إدراج سعي واشنطن لتلطيف الأجواء وتحسين العلاقات مع أنقرة لإبعادها عن موسكو، وحتى استقالة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي تساوق أكثر مما ينبغي مع الجهود والرؤى الروسية بسبب الفراغ والانكفاء الأمريكي، وربما حتى استغلاله لهذا الفراغ من أجل إنهاء المهمة والتوصل إلى حل وفق موازين القوى الحالية التي فرضها الاحتلال الروسي حتى لو تعارض ذلك مع القرارات المواثيق الدولية نفسها والتضحيات الهائلة والحقوق المشروعة للشعب السورية، إجابة السؤال السابق سنعرفها سنلمسها سنراها حتماً فى سياسة التحركات الأمريكية فى المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد دي ميستورا.