icon
التغطية الحية

أوراق نقدية تركية تالفة في إدلب.. يتداولها الناس ويرفضها التجار

2023.06.17 | 07:25 دمشق

العملات التركية التالفة في إدلب
يجمع أحمد الطويل شهرياً 1500 ليرة تركية "غائبة الملامح تماماً" يستبدلها في شركة للصرافة بمدينة سرمدا مع خسارة 10 % من قيمتها
إدلب - عمر حاج حسين
+A
حجم الخط
-A

يُخرج محمد الشلو، وهو بائع خضار في سوق مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، ورقة نقدية من فئة 5 ليرات تركية، مهترئة الأطراف وتبدو عليها آثار التمزق والكتابات، ويؤكد أن معظم العملة التركية المتداولة بين الناس في المنطقة هي على هذه الهيئة، لكن التجار وبعض الباعة يرفضون قبولها.

بدأ تداول العملة التركية شمالي سوريا منذ حزيران 2020، لتكون بديلاً عن العملة السورية التي انهارت قيمتها، ووصل سعرها في ذلك الوقت إلى 3500 مقابل الدولار الأميركي، لتكون العملة التركية حلاً إسعافياً لتفادي خسارة التجار من الانهيار المتواصل.

وسرعان ما أصبحت الأوراق النقدية التالفة في محافظة إدلب مشكلة تؤرق السكان، وسط عدم توفر بطاقات دفع إلكتروني وغياب أي حلول من حكومة الإنقاذ، التي تسيطر على المنطقة.

وتتعرض الأوراق النقدية للتلف والتمزق لأسباب عديدة، وتعتبر الفئات الصغيرة (أقل من 50)، الأكثر تضرراً، حيث يتم تداولها بين الناس بشكل يومي ومباشر، وتحفظ بطرق تساهم في تلفها، في حين يلجأ البعض للكتابة عليها وتحويلها إلى دفتر حسابات.

10 % عمولة تبديل

قال الشلو لموقع "تلفزيون سوريا"، إن نسبة التلف في العملة التركية المتداولة في السوق، تجعل التجار ومحطات الوقود ترفض قبولها والتعامل بها، مشيراً إلى أنه "لا ينتبه في أغلب الأوقات إلى جودة الأوراق النقدية التي يجمعها من زبائنه في أثناء البيع".

من جانبه، أعرب أحمد الطويل، وهو سائق سيارة عامة على طريق إدلب سرمدا، عن "معاناته الشديدة" من مشكلة اهتراء العملة، مشيراً إلى أن "هذه المشكلة قد تدفعني للتوقف عن العمل بالكامل، فمعظم النقود التي أحصل عليها من الزبائن من فئات صغيرة، ومهترئة في غالبها".

وذكر الطويل أنه لا يستطيع رفض استلام العملات المهترئة كي لا يخسر زبائنه أولاً، ولتقديره لوضعهم الاقتصادي والمعيشي ثانياً، موضحاً أنه يجمع شهرياً نحو 1500 ليرة تركية "غائبة الملامح تماماً"، ويستبدلها في شركة للصرافة بمدينة سرمدا مع خسارة 10 % من قيمتها.

مسؤولية "إدارة النقد" و"بنك شام"

يرى المحامي عبد الناصر حوشان أن سبب تلف العملة التركية في شمالي سوريا هو "كثرة التداول وعدم احتراز الأفراد في تنقلاتها، ما يؤدي إلى تلوث العملة بالشحوم أو الزيوت أو غيرها من الأسباب".

واعتبر المحامي حوشان أن "العاتق الأول يقع على مؤسسة إدارة النقد في إدلب، وبنك شام (التابع لحكومة الإنقاذ) هو من يستجر العملة التركية، لذلك يقع على عاتق هذه المؤسسات مراقبة حركة العملة وحفظها من التلف".

وأشار، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" إلى أن "الحل لتلافي هذه القضية هو التعاون والتنسيق المشترك بين مؤسسة النقد بإدلب وبنك شام من جهة، والبنك المركزي التركي من جهة أخرى، عن طريق الولاة الموجودين في المنطقة، لجمع العملة التالفة واستبدالها".

وأضاف أنه "يمكن لغرف الصناعة والتجارة في شمالي سوريا لعب دور مهم في ذلك، عبر استلامهم الأوراق التالفة وتسليمها للتجار الأتراك وبدورهم يقومون باستبدالها في البنوك التركية".

وأكد المحامي حوشان "موضوع العملة هو أمر مهم بالنسبة لتركيا، لأنها تعتبر من مظاهر سيادتها، وبالتالي من مهمتها الحفاظ عليها"، لافتاً إلى أنه "يمكن معالجة المشكلة إذا كانت هناك قنوات موثوقة لتقديم المقترحات".

وعن وعي السكان في التعامل مع العملات الورقية، دعا المحامي حوشان إلى "تنظيم حملة توعوية من قبل الحكومة في إدلب، أو المنصات الاقتصادية العاملة في المنطقة، مهامها التركيز على أهمية العملة وكيفيّة الحفاظ عليها، باعتبارها رصيد المواطن الأول وحيلته في تأمين مستلزماته الأساسيّة".

"حكومة الإنقاذ" ستنشئ مراكز مصرفية آلية

وعن دور حكومة الإنقاذ في إدلب، قال المدير المالي لمؤسسة "إدارة النقد"، مصطفى علوش، إن المؤسسة "يمكن أن تقف بجانب المواطن، عبر استبدال عملته التالفة، ولكن بشرط أن تكون فئات الأوراق المالية أقل من 50 ليرة، أما الفئات الكبيرة فالمؤسسة تعجز عن هذا الأمر".

وفيما يتعلق بمصير المبالغ الكبيرة التي تعرضت للاهتراء، أوضح علوش أنه "يمكن لصاحب هذه المبالغ أن يودعها في المؤسسة التي تقوم بدفعها مقابل ثمن بضائع تصل من تركيا إلى الحكومة، وهذا خيار يأخذ وقتاً، والخيار الثاني يكون في إيداع هذه الأموال التالفة وتعويض صاحبها بجديدة على الفور، في مقابل خصم نسبة من المبلغ مقابل أجور الشحن والتنقلات".

وأشار مدير "إدارة النقد" إلى أن "حكومة الإنقاذ تعتزم في الأيام القادمة إنشاء مراكز مصرفية آلية تتوزع داخل المنطقة وتحديداً في مدينة إدلب، بهدف حل قضية العملات الورقية التالفة، والحد من السفر شهرياً لموظفي معظم المنظمات أو المؤسسات الإنسانية بسحب رواتبهم من مناطق درع الفرات الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري".

وأنشأت حكومة الإنقاذ السورية، المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك في إدلب في 11 أيار 2017، بهدف تنظيم عمليات الصرافة ومنع الاحتكار والتلاعب بأسعار العملات، في حين يقتصر عمل المؤسسة فعلياً على متابعة عمل شركات الصرافة والحوالات المالية، ومنحها التراخيص.

"PTT" في إدلب

خلال إنجاز هذا التقرير، أجرى موقع "تلفزيون سوريا" استطلاعاً لرأي عدد من التجار في مدينتي سرمدا والدانا شمالي إدلب بخصوص الحلول المقترحة لهذه المشكلة.

أيدت معظم الإجابات إنشاء صرافات وبنوك تركية مصغّرة "PTT"، كمثيلاتها في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، يتم توزيعها في مدن عدة في محافظة إدلب، وطرح بطاقة بنكية إلكترونية تابعة لها، يتم من خلالها إيداع الأموال في حساب خاص لكل شخص ينفذ من خلاله عمليات الشراء".

وينتشر في شمالي سوريا 11 مركزاً لشركة البريد التركية "PTT"، تتوزع في مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة في ريف حلب الشمالي والشرقي.

وتوفر هذه المراكز إمكانية فتح حسابات بنكية للأشخاص، يمكن من خلالها إيداع الأموال والسحب في أي وقت، فضلاً عن تسليم معاشات الموظفين، وخدمات أخرى كالحوالات النقدية والشحن الخارجي.

"غير قانوني"

من زاوية أخرى، يرى المحلل الاقتصادي، عمر الحبال، أن وجود العملة التركية في المنطقة "غير قانوني بالأصل"، مشيراً إلى أن هذه العملة "خرجت من تركيا بشكل يعتبر بالنسبة للبنك المركزي التركي تهريبا، بالإضافة إلى غياب الهيئات المالية في شمالي سوريا، السورية أو التركية".

وأشار الحبال، في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا" إلى أن "عملية إعادة العملة التركية بكميات كبيرة إلى تركيا لاستبدالها أيضاً غير قانونية، ويحاسب عليها القانون التركي".

وحذّر المحلل الاقتصادي من خطر فقدان تلك العملات الورقية قيمتها كلياً في حال قام البنك المركزي التركي بإلغاء وسحب بعض تلك الفئات من التداول، لافتاً إلى أن هذه القضية حدثت مرات عديدة في تركيا وغيرها من دول العالم.

وذكر الحبال أن "لدى تركيا أنظمة وقوانين منذ زمن طويل مفادها كيفيّة التعامل بشكل آلي لتعديل الرواتب والأجور والآجارات، بحسب نسبة التضخم التي يعلنها البنك المركزي التركي أو وزارة المالية، دون الحاجة للذهاب إلى المحاكم لتعديلها، وهذا لاينطبق على الأراضي السورية في الشمال، رغم تولية مناطق منها للولاة الأتراك في أنطاكية أو غازي عنتاب".

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي، مصطفى السيد، أن "أسرع طريقة لتفادي تراكم الأوراق التركية المهترئة أو التالفة، هو جمعها من قبل الأفراد وتسليمها إلى مسؤولي المجالس المحلية في كل مدينة أو قرية، التي بدورهم يستبدلونها للسكان عبر تكليف مندوب خاص بالتوجه إلى أقرب مركز PTT في شمالي سوريا على نفقة كل مجلس".

يشار إلى أن الليرة التركية اعتمدت بشكل رسمي في مناطق شمالي سوريا (إدلب وأرياف حلب) في حزيران 2020، بعد إقرار التعامل بها من قبل حكومتي الإنقاذ والمؤقتة، من خلال تسعير جميع السلع بالليرة التركية.