icon
التغطية الحية

أوبن ديموكراسي: اللاجئون والتسلسلات الهرمية العنصرية في لبنان

2022.01.17 | 16:12 دمشق

التمييز العنصري من أهم المشكلات التي تواجه اللاجئ الأفريقي في لبنان
التمييز العنصري من أهم المشكلات التي تواجه اللاجئ الأفريقي في لبنان
أوبن ديموكراسي - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لا أحد ينكر بأن لبنان يعاني من مشكلة العنصرية، إذ تنتشر في هذا البلد بشكل كبير حوادث حول تمييز عنصري وانتهاكات جسدية ولفظية بحق اللاجئين والمهاجرين من ذوي البشرة السوداء أو الداكنة. وقد وثقت منظمات المجتمع المدني مثل الحركة المناهضة للعنصرية ممارسات عنصرية واستغلالية شائعة، بل حتى لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري أشارت مرات عديدة إلى عدم وجود قوانين مناهضة للتمييز في لبنان، وأوصت تلك الدولة بحظر ومنع ومعاقبة كل مظاهر التمييز العنصري الموجودة فيها.

وخلال بحث أجري حول حماية اللاجئين في لبنان وامتد لعقد من الزمان، أجريت فيه كثير من المقابلات مع اللاجئين وغيرهم من المهاجرين التي تعود أصولهم لبيئات مختلفة، إلى جانب المقابلات المطولة التي أجريت مع عاملين في مجال المساعدات الإنسانية وناشطين ومسؤولين في الدولة، تبين أنهم جميعاً يتفقون على شيء مهم واحد، وهو أن التمييز العنصري يمثل مشكلة أساسية بالنسبة للاجئين القادمين من دول مثل السودان وأريتريا وإثيوبيا. ومع ذلك، يبدو أن الاستجابة الإنسانية لم تلق بالاً لتلك المشكلة برمتها من الناحية العملية، كما أن عمليات خصصت لاستجابة طارئة أكبر للاجئين من دول الجوار في الشرق الأوسط طغت على وضع هؤلاء اللاجئين، ولكن ما الذي يحدث، وما الذي بوسعنا أن نقوم به حياله؟

الاستجابة الإنسانية والتسلسلات الهرمية العنصرية

تهيمن التسلسلات الهرمية العنصرية على العمل الإنساني منذ مدة طويلة وفي مختلف بقاع العالم، إذ أشارت تيندايي أتشيومي التي تشغل منصب المقرر الخاص لدى الأمم المتحدة حول أشكال العنصرية والتمييز العرقي والخوف من الأجنبي وما يتصل بذلك من حالات تفتقر إلى التسامح في عصرنا الحالي، إلى ظهور تداعيات عنصرية محددة أكثر نتيجة لسياسة اللجوء العالمية، ما يعكس بأن فكرة العرق ما تزال قائمة بوصفها بنية ظهرت في عصر ما بعد الاستعمار ويتجلى ذلك عبر تخصيص المنافع والميزات لبعض الناس وحرمان آخرين منها.

إذ بالرغم من تأكيد المفوضية العليا للاجئين في عدة مناسبات على أن عدم التمييز مبدأ أساسي لتفويض الحماية لديها، إلا أن تقديم الحماية والمساعدات يعكس تغير الديناميكيات الجيوسياسية التي تعتمد على تطبيق إطار عمل يقوم على تفضيل جماعات معينة دون غيرها.

يوجد في لبنان بضعة آلاف من السودانيين، إذ مثّل اللاجئون السودانيون قرابة 4% من مجموع الأشخاص الذين يعتبرون موضع اهتمام بالنسبة للمفوضية العليا للاجئين وذلك في عام 2018. ولكن بما أن غالبية التمويل الذي تقدمه الجهات المانحة ذهب خلال العقد الماضي لتمويل برامج محددة أو على أساس الجنسية السورية، لذا فقد تم "تهميش" اللاجئين السودانيين في خضم "كل هذا النقاش" وذلك بحسب ما ذكره أحد العاملين السابقين في المجال الإنساني,

وهذه الملاحظة ليست جديدة بالضرورة ولا تقتصر على السياق اللبناني. ففي المراجعة التي أجرتها مفوضية اللاجئين في عام 2009 حول عملياتها المخصصة للاجئين العراقيين في الأردن ولبنان وسوريا، تبين وجود مستوى "غير مقبول" من المعاملة المتباينة مع اللاجئين من غير العراقيين، وقد شملت اللاجئين من أصول أفريقية. وخلال فترة قريبة في الأردن، ذكر البعض أن المعاملة التمييزية التي أبدتها المفوضية تجاه اللاجئين الأفارقة كانت السبب وراء الضغوطات الخارجية الهائلة التي دفعت لتبني نهج "لاجئ واحد" والذي ينص على أنه لا ينبغي للمنظمات الإغاثية الإنسانية ولا للحكومات ولا لوكالات الأمم المتحدة أن تميز جنسيات على أخرى أو أن تعمل لصالح جنسيات معينة من اللاجئين.

إن التهميش القائم على بنى عنصرية تجاه هؤلاء اللاجئين يهدد بإخفاء وتعتيم التفاهمات الإنسانية المتعلقة بشؤون حمايتهم. ويتضح ذلك بشكل جلي في العمليات الإنسانية لتقييم مدى الضعف والتأثر التي نشاهدها في لبنان اليوم.

تقييم مدى الضعف والتأثر

إن التقييمات الإنسانية لمدى الضعف والتأثر بشكلها الحالي في لبنان لم تفسر سبب وجود فئة متضررة بسبب التخلي عن حماية اللاجئين الذين تعود أصولهم إلى أفريقيا، فخلال الاستجابة المقدمة للاجئين السوريين، أصدرت كل من المفوضية العليا للاجئين مع اليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي تقييماً سنوياً حول مدى ضعف وتأثر اللاجئين السوريين في لبنان، ويقدم هذا التقرير أحدث المستجدات حول وضع هذه الفئة من السكان في ظل قطاعات متعددة. ومنذ عام 2016، أخذت تلك الهيئات والمنظمات تجري تقييمات مماثلة بالنسبة لفئات أخرى من اللاجئين، شملت اللاجئين من أصول أفريقية، وظهر ذلك في تقييم مدى ضعف وتأثر اللاجئين من جنسيات أخرى في لبنان. وتعتبر تلك التقييمات مهمة لأنها تمثل الأساس الذي يتم بناء عليه تقديم الحماية والمساعدات.

غير أن هذا التقييم الأخير أظهر تباينات كبيرة في نسب ضعف وتأثر جماعات وفئات مختلفة من اللاجئين، إذ تبين من خلال تقرير تقييم مدى ضعف وتأثر اللاجئين من جنسيات أخرى في لبنان لعام 2018 بأن وضع "حملة الجنسية العراقية وغيرها من الجنسيات الأخرى غير السورية" قد "طغت عليه أولويات أخرى" في كثير من الأحيان، وخلص ذلك التقرير إلى أنه من بين فئات اللاجئين التي شملها الاستقصاء، ساء وضع من تعود أصولهم إلى دول غير العراق بشكل ممنهج وبلغ ذلك درجة كبيرة في بعض الأحيان، وذلك بالنسبة لسائر المؤشرات تقريباً، ويمثل السودانيون جزءاً من تلك الفئة.

وفي الوقت الذي نجد فيه تقارير تقييم مدى الضعف وهي تظهر بدلاً من أن تخفي مشكلات اللاجئين السودانيين، إلا أنها بالرغم من ذلك تشتمل على نواقص وعيوب أساسية، أولها أنها تضع اللاجئين السودانيين وغيرهم من اللاجئين الأفارقة ضمن فئات غير واضحة مثل فئة "غير العراقيين" أو "غير السوريين"، أو "اللاجئين من جنسيات أخرى". ما يعني أن الجهات الفاعلة على المستوى الإنساني تسهم في إخفاء مشكلات وظروف الحماية التي تتصل بتلك الفئات من اللاجئين. كما أن تسميات كهذه تهدد بتصوير السودانيين وغيرهم من اللاجئين الأفارقة على أنهم مجرد "بقايا" مقابل فئة اللاجئين "الأساسية" بدلاً من أن تظهرهم وكأنهم فئة واضحة تتمتع بحقوق مماثلة.

ثانياً، لم يتطرق تقرير تقييم مدى ضعف وتأثر اللاجئين من جنسيات أخرى في لبنان للديناميكيات التقاطعية والبنيوية التي تتموضع فيها حياة اللاجئين السودانيين، مثل الفئة الاجتماعية-الاقتصادية، والنوع الاجتماعي والعرق. والحق يقال إن هذا التقرير تعامى عن مسألة التمييز العنصري بأكملها، ولم يشر إلى أي مشكلة تتصل بالعرق أو التمييز، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التقييم لم يأخذ بالحسبان فئة بأكملها وذلك بالنسبة للأضرار التي تمثل جوهر وأساس الأمور المتعلقة بقضية الحماية.

الشرعية والمحاسبة

بالعموم، تعتبر التسلسلات العنصرية ضمن عملية حماية اللاجئين في العالم مشكلة خطيرة تهدد شرعية المفوضية العليا للاجئين وتنذر بمحاسبتها، وذلك لأن هذه المنظمة مكلفة بتقديم الحماية والمساعدات الدولية لكل اللاجئين، بطريقة عادلة ودون أي تمييز.

وفي الوقت الذي تتعرض فيه سياسات الدول التي تعالج مشكلة التمييز بسبب الخوف من الأجانب والغرباء لانتقادات كثيرة لكونها غير كافية، يظهر تطور إيجابي جديد ألا وهو دليل ضد العنصرية والخوف من الغرباء والذي أصدرته المفوضية العليا للاجئين في عام 2020 ومن المتوقع لهذه الوثيقة التي تؤسس لتلك السياسة أن توسع مجال المفوضية في التعامل مع أشكال بنيوية للتمييز القائم على العرق أو على الخوف من الغريب.

أي إن الوقت قد حان لتطبيق تلك المناهج الشاملة التي تشتمل عليها تلك السياسة الجديدة وذلك عبر إدراجها ضمن التقييم الإنساني لمدى الضعف والتأثر الذي تساهم المفوضية العليا للاجئين بإعداده والتخطيط له. ثم إن الاعتراف والإقرار بالضعف والتأثر القائم على العرق الذي يعاني منه اللاجئون من أصول أفريقية في لبنان يعتبر خطوة مهمة نحو تفكيك المنظومة العنصرية السائدة في تلك المنطقة.

المصدر: أوبن ديموكراسي