icon
التغطية الحية

أهالي الغوطة بين "الهروب إلى الظلام" و"ضوء الهدن"

2018.02.28 | 15:02 دمشق

أحد الأقبية التي يختبئ فيها أهالي الغوطة الشرقية - 26 شباط (تلفزيون سوريا)
 تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

ظنَّ أهالي غوطة دمشق الشرقية أن "الهروب إلى الظلام" والاختباء تحت الأرض سيكون أكثر أماناً لهم من آلة القصف "الفتّاكة" التي لم تستثنِ بشرا ولا حجرا، خلال الحملة العسكرية "الشرسة" لقوات النظام على الغوطة التي اشتدت قبل أسبوع، واستخدم فيها النظام الأسلحة "المحرمة دوليا" أكثر من مرة.

وبدأ الأمر عندما هربت مئات العائلات في الغوطة الشرقية قبل نحو شهر، من المناطق المجاورة لجبهات القتال بحثاً عن الأمان في مناطق أخرى داخل الغوطة المحاصرة، إلّا أن الحملة العسكرية لقوات النظام لم تستهدف خطوط التماس مع فصائل الغوطة بقدر قصفها للمناطق المأهولة بالسكّان، وتركزّ القصف "المكثّف" على دوما وعربين وحرستا وسقبا وكفربطنا وحمورية، موقعاً مئات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.

اضطر أهالي الغوطة حينها إلى الاختباء في أقبية المنازل، وبدأوا يروون حكايا الخوف والقهر والقلق وانعدام الحياة في تلك الأقبية عبر شبابيك صغيرة مطلة على ضوء اعتقدوا أنه ضوء الشمس، قبل أن يستدركوا أن الشمس لا تشرق ليلاً، وأن الضوء ما هو إلّا نيران القصف "الفوسفوري" وانفجار قنابل "نابالم" الحارقة.

 

أهالي الغوطة "تحت الأرض"

أحد المسعفين في فرق الدفاع المدني وصف بعبارة "أهالي الغوطة تحت الأرض"، ما آل إليه الحال عقب هروب سكّان الغوطة الشرقية إلى الملاجئ وأقبية المباني، فيما اختصرت إحدى السيدات ذلك بالقول "من زنزانتي الجماعية (القبو) بشوف الدنيا، السما كتير بعيدة عنا وصعب تنشاف، محجوزة من المروحية والميغ والسوخوي والاستطلاع".

قصص وكلمات وعبارات ومناشدات واستغاثات لمئات القابعين في أقبية الظلام، رأت النور في مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يرى أصحابها نور السماء وضوء الشمس، معظم تلك القصص روتها "نيفين حوتري" (38 عاما) سيدة من الغوطة الشرقية تعيش مع زوجها وطفليها "مايا وقصي" وعائلات أخرى في أحد الأقبية.

تقول "نيفين" لموقع تلفزيون سوريا، إنها وسوريات أخريات يعشن في الأقبية مع عشرات العائلات بينهم أطفال، يروين قصصا من يوميات المدنيين الذين تحولوا للعيش تحت الأرض بعد أن كانوا فوقها، وأنهن ينشرن تلك المعاناة والمأساة على الحائط الأزرق في "فيس بوك".

وترى "نيفين"، أن ما تنشره وأخريات يأتي من باب "التعبير عن معاناة المحاصرين وتوثيقها، وإيصالها للعالم الخارجي، رغم أنهن يعلمن مسبقاً، أن معظم دول العالم ستبقى داعمةً لنظام الأسد في ارتكاب مجازره بحق أهالي الغوطة الشرقية وعموم المناطق السورية الخارجة عن سيطرته، لحين تحقيق مصالحها"، منوهة في الوقت عينه للمعاناة الإضافية المتعلقة بتأمين "انترنت جيد" عن طريقة شبكة "الواي فاي"، وشحن الموبايلات عن طريق "بطاريات".

"هو الليل وكل شيء مظلم, لا أحد قادر على رؤية أحد.. الوقت يمر، ونحن منفصلون عن العالم الخارجي"

"هو الليل وكل شيء مظلم, لا أحد قادر على رؤية أحد، ولكن يمكنني سماع أصوات الناس من حولي دون أن أعرف من يتكلم..، سأل أحدهم: أي يوم هو؟ وبدأ الناس بالتخمين، بعضهم قال الثلاثاء، الآخر الخميس، فقط واحد قال الجمعة.. الوقت يمر، ونحن منفصلون عن العالم الخارجي"، هي إحدى القصص التي نشرتها "نيفين" على حسابها الشخصي في "فيس بوك" من داخل أحد الأقبية التي لجأت إليها مع عائلات أخرى هرباً من القصف.

وتروي "نيفين" ما تشعر هي به أيضاً، إذ قالت بالأمس "على التراب تماما نحنا نايمين. اليوم هو السادس، دون أي خدمات داخل القبو مع عشرات الأولاد.. النظام وروسيا من طرف، ومجلس الأمن شريكهم بالمماطلة، التهجير مو حل"، وذلك فبل التصويت على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي طالب بهدنة لمدة 30 يوما، كما تتمنى "نيفين"، بأن تعيش ليوم لا تصل فيه رسائل المتضامنين المليئة بعبارات الرجاء بأن يحفظهم الله مما هم فيه، إنما تتبادل النقاش عبر "فيس بوك" ليصبح "شو طابخين"، وتؤكد "لسا بدنا حرية".

ورغم أن خيار الاختباء في الأقبية هدفه البحث عن الأمان، إلّا أن الخوف ما يزال يسيطر على الأهالي، وهو ما عبّرت عنه إحدى سيدات الغوطة الشرقية على حسابها في "فيس بوك" بالقول "اللحظات الأكثر رعباً هي حين تسقط الصواريخ، ثُمَّ يتبع ذلك صمت. نشعر أنَّ أرواحنا تغادر أجسادنا حين تقترب الطائرات، ونشعر بالارتياح حين تذهب بعيداً"، مضيفةً "لا أريد الموت في قبو. رأيتُ عائلةً بأكملها تموت في قبو، الأسبوع الماضي".

 

ظروف متردية في أقبية الغوطة

في ظل حملة القصف "المكثّف" والمستمر على الغوطة الشرقية، قالت مديرة منظمة "أنقذوا الأطفال في سوريا" المقيمة في العاصمة الأردنية عمّان، سونيا خوش، إنَّ آلاف الأسر أمضت معظم الأسبوع الماضي في الأقبية تجنُّباً للقصف، وأن "المكان الأكثر أمناً هو أن تكون تحت الأرض".

منظمة "أنقذوا الأطفال في سوريا": المكان الأكثر أمناً في الغوطة الشرقية هو أن تكون تحت الأرض!

ونوّهت "خوش" التي تعمل مع المجموعات المحلية في الغوطة الشرقية منذ سنوات أيضا، "الحقيقة هي أنَّ الناس يوجدون في هذه الأقبية والملاجئ، لكنَّ ذلك لا يمنحهم حتى الراحة النفسية بأنَّهم سيكونون في مأمنٍ من القصف، الجميع خائفٌ فحسب الآن"، وذلك وسط مخاوف من استخدام النظام لقنابل "ارتجاجية" لاستهداف الأقبية وجعلها "قبورا" للمحتمين بها.

بدروها، حذّرت مجموعات الإغاثة من أنَّ الظروف في الأقبية ربما تتدهور سريعاً. لأنها تفتقر إلى التهوية والكهرباء والمياه الجارية ومرافق دورات المياه، فيما قال المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية، إنَّ تلك الظروف  غالباً ستؤدي إلى مشكلاتٍ صحية مثل "أمراض الجهاز التنفسي، والقمل، والجرب".

وسبق أن قال المجلس المحلي لمدينة عربين، إن 1375 عائلة (بينهم 500 طفل أعمارهم أقل من سنتين) تعيش منذ أواخر العام المنصرم، في 75 ملجأ فقط بالمدينة، 40 منها بلا تهوية وتفتقر للماء والصرف الصحي والنظافة، إضافة لـ17 قبو "غير صالحة" للسكن وحالتها "سيئة جدا"، وذلك في ظل نقص حاد بالأدوية والمواد الغذائية بسبب الحصار المفروض على الغوطة الشرقية منذ خمس سنوات.

 

الغوطة الشرقية .. قصف مستمر بين هدنتين

لم تمض سوى دقائق فقط على إعلان وزارة الدفاع الروسية بدء "هدنة" يومية لمدة خمس ساعات في الغوطة الشرقية، حتى خرقتها قوات النظام السوري، واستهدفت بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ أحياء سكنية في مدينة دوما، أسفرت عن مقتل مدني وجرح آخرين أسعفوا إلى نقاط طبية.

وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يوم الإثنين 26 شباط 2018، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر بفرض هدنة "إنسانية" في الغوطة الشرقية، اعتباراً من يوم الثلاثاء 27 شباط، ولمدة خمس ساعات يوميا تبدأ من التاسعة صباحا وحتى الـ 12 ظهرا، بهدف إجلاء المدنيين، الأمر الذي دفع بفصائل الغوطة وعلى رأسها "جيش الإسلام" إلى اعتبار "الهدنة الروسية" سعيا لتهجير الأهالي، وأنها غير معنية بها، مبدية التزامها فقط بقرار مجلس الأمن رقم "2401" الذي أقر هدنة لمدة 30 يوما في الغوطة.

وسبق "الهدنة الروسية"، إقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم السبت 24 شباط، وقفا لإطلاق النار لمدة 30 يوما في سوريا والغوطة الشرقية على وجه الخصوص، إلّا أن قوات النظام خرقتها أيضا بعد ساعات من إقرارها، وحاولت مجددا اقتحام الغوطة الشرقية من عدة محاور، تصدّت لها فصائل الغوطة، وقتلت أكثر من 70 عنصرا للنظام، وأسرت 14 آخرين.

وعن "الهدنتين" تقول "نيفين حوتري"، إن "أهالي الغوطة الشرقية، ومن خلال خبرتهم بإجرام روسيا وقوات النظام، يعلمون تماما أنه لا يوجد شيء اسمه هُدن أبدا، وأن النظام وروسيا يطرحون تلك المبادرات المزعومة لتحقيق مصالحهم فقط، والعالم يتفرج".

سيدات الغوطة الشرقية: لو أردنا الخروج من الغوطة لخرجنا سابقا ولم نصبر 7 سنوات

ولفتت "نيفين"، أنها سألت بعض النساء اللواتي يشاركنها أحد الأقبية في الغوطة الشرقية، إذا فتح الطريق لخروج المدنيين – حسب الهدنة الروسية - هل تخرجن؟، وكانت إجابتهن رفض الخروج، مضيفة أن غايتها من السؤال كانت للتأكد من أن قناعة الأهالي لم تتغير خلال فترة اضطرارهم الاختباء في الأقبية، وأن "قناعتهم كـ قناعتها، لو أرادوا الخروج من الغوطة لخرجوا ولم يصبروا نحو 7 سنوات".

يشار إلى أن "الهدنة الروسية"، وقرار مجلس الأمن رقم "2701"، يأتيان بالتزامن مع التصعيد العسكري لقوات النظام الذي اشتد مؤخرا في الغوطة الشرقية المحاصرة منذ خمس سنوات، وأسفر عن مقتل وجرح مئات المدنيين، وخروج العديد من المشافي والأفران عن الخدمة، واضطرار مئات العائلات للاختباء في أقبية المباني، في ظل ظروف إنسانية صعبة يعيشها أهالي الغوطة.