أستانا جديد: "الزير من البير"؟

2019.08.04 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عشية بدء اجتماع أستانا 13، زجت روسيا بمجموعات جديدة من قواتها الخاصة بهدف تمكين النظام من تحقيق تقدم يذكر على جبهات شمال غرب سوريا.

دفعت أنقرة بالمقابل بتعزيزات عسكرية جديدة على جبهات الحدود الجنوبية بعد ساعات من اجتماع مجلس الأمن القومي الذي ذكر بتمسك تركيا في إقامة "ممر للسلام" داخل الأراضي السورية وعلى طول الكوريدور الحدودي.

الهدوء الحذر الذي ساد اجتماعات أستانا لا يعني بالضرورة أن الطريق آمنة وسالكة أمام تفاهم حقيقي نحو وقف إطلاق نار شامل على جبهات إدلب وحماة، ينهي سياسة القضم التدريجي للأراضي التي يمارسها النظام بتوجيه روسي مباشر.

صحيح أن كل طرف محلي وإقليمي يشارك منذ عامين في اجتماعات أستانا نجح في تضمين البيان الختامي للقاء ما يعبر عن وجهة نظره ويريده هذه المرة كذلك، إلا أن أسئلة ونقاطاً غامضة كثيرة برزت إلى العلن وتحتاج إلى توضيح وإجابات أيضا.

ألن يوفر إعلان الدول الضامنة الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، تمسكها بمحاربة المجموعات الإرهابية في إدلب دون خطة تحرك عملي، الغطاء اللازم للنظام وموسكو لمواصلة الخروقات والهجمات تحت ذريعة القضاء على الإرهابيين من جانب واحد؟

لماذا لم نسمع بآلية تحرك ثلاثية جديدة تسرع ترجمة القرارات والخطط السابقة المتفق عليها وكيف سينجح الفرقاء في الجمع بين حماية اتفاق وقف إطلاق النار المعلن وفتح الطريق أمام هدنة حقيقية على الأرض و"مواصلة" النظام وروسيا الحرب على النصرة وداعش نيابة عن القوات التركية وهو ما قاله البيان الختامي نفسه بقبول من الجانب التركي والمعارضة عندما أشار إلى "القلق البالغ إزاء زيادة وجود هيئة تحرير الشام الإرهابية في المنطقة"؟

وهل يكفي شجب الدول الضامنة لاستهداف وسقوط المدنيين، والتعهد "باتخاذ تدابير ملموسة، لضمان حماية السكان وفقاً للقانون الإنساني الدولي" ليكون ذلك رادعا للنظام لوقف الهجمات؟ أم هي عملية تبرير ستستغلها دمشق لمواصلة الهجمات" شرط أن تكون حذرة في اختيار الأهداف وأماكن القصف"؟

الهدنة المشروطة التي أعلن عنها النظام السوري في شمال غربي سوريا من جانب واحد لا قيمة ميدانية وسياسية وقانونية لها على مستوى الالتزام والتقيد بالتنفيذ

الهدنة المشروطة التي أعلن عنها النظام السوري في شمال غربي سوريا من جانب واحد لا قيمة ميدانية وسياسية وقانونية لها على مستوى الالتزام والتقيد بالتنفيذ لأنه سيتخلى عنها ما إن تصدر الأوامر الروسية بذلك لوصول موسكو إلى ما تريده في مفاوضاتها مع واشنطن وتل أبيب حول الملف السوري خلال اجتماع رؤساء الآمن القومي الإسرائيلي والروسي والأميركي في القدس مؤخرا. وإلا فما ما معنى أن يقال لنا إن النظام في دمشق يوافق على "وقف إطلاق النار شريطة أن يتم تطبيق اتفاق سوتشي الذي يقضي بتراجع المسلحين بحدود 20 كيلومتراً في منطقة خفض التصعيد وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة" وأن يطلب إلينا تجاهل حقيقة أن قواته هي التي تخرق هذه الاتفاقيات وتحاول السيطرة على مناطق جديدة وتستهدف نقاط المراقبة التركية هناك؟

توقيت تذكير دمشق بموقفها الميداني على هامش اجتماع الأستانا والذي أوجزه اللواء حسن حسن "إذا عجز المسار السياسي عن تحقيق المطلوب، فإن الجيش لن يتوقف على الإطلاق، لا عند إدلب ولا عند أي منطقة تنتشر فيها المجموعات الإرهابية". موقف يتعارض مع نص وروح البيان الختامي للأستانا 13 وهي رسالة لا يمكن أن تنتشر دون الضوء الأخضر الروسي. فهل نشاهد قوات النظام وهي تغادر المناطق التي دخلتها منذ 3 أشهر خرقا لاتفاقية سوتشي بعد الانتهاء من اجتماعات الأستانا حيث لم يحدث ذلك قبل اللقاء ونكتفي بقبول خطوة وقف النار التي قد لا تطول إذا لم يأخذ النظام ما يريده سريعاً؟

كاد أن يكون الإنجاز الوحيد والأهم الذي سجله اجتماع الأستانا هو تكرار موقف الرفض "لمحاولات فرض حقائق جديدة على أرض الواقع بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة"، لولا معرفتنا بعدم جدية موسكو في العزم على مواجهة مثل هذه الطروحات في شرق سوريا حيث دخلت منذ أشهر في عملية تفاوض مع واشنطن في إطار صفقة تتعلق بالنفوذ الإيراني و"العناد" التركي في سوريا؟ لو كانت موسكو جادة بإعطاء أنقرة ما تريده في سوريا بعد صفقة صواريخ إس 400 وتعريض تركيا لعلاقاتها مع أميركا لكل هذا الخطر ، لكانت قدمت للرئيس أردوغان هدية إخراج قوات النظام من المناطق التي دخلها في الأسابيع الأخيرة وساعدتها على مواجهة واشنطن في شرق الفرات.

لو نجح النظام بدعم روسي إيراني في الوصول إلى ما يريده على جبهات إدلب لما كان هناك ضرورة لعقد اجتماع الدول الضامنة لأنه لن يكون قد تبقى ما تضمنه وترعاه في شمال غرب سوريا لا في إطار اتفاقيات الأستانا ولا تحت غطاء سوتشي التركي الروسي. والذهاب وراء الحديث عن أن إنجازات الأستانا الأخيرة تمهد لاتفاقيات هدنة جديدة بين المتحاربين يضمن عودة الأمور إلى ما كانت عليه بتاريخ لحظة الإعلان عن مذكرة سوتشي الروسية التركية بتاريخ 17 من أيلول 2018.

قدر أستانا 14 سيكون مرتبطاً بمدى جدية موسكو وطهران في تنفيذ المتفق عليه

قدر أستانا 14 سيكون مرتبطاً بمدى جدية موسكو وطهران في تنفيذ المتفق عليه. أنقرة أيضاً محاصرة بتفاهم إخراج" النصرة" من المعادلة بشكل أو بآخر مسمار جحا المستخدم ضدها ونقطة ضعفها الوحيدة في ملف إدلب. تفجير الوضع من قبل دمشق وموسكو يعني إنهاء القمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية المرتقبة في إسطنبول، منتصف آب الحالي فهل هذا ما يخدم مصالح وحسابات روسيا وايران؟

الدور الذي لعبته تركيا لتعزيز قدرات فصائل المعارضة عسكريا ولوجستيا وإفشال الخطة الروسية لتغيير خارطة الجغرافيا السياسية في إدلب مهم، لكن هذا لا يعني أن النظام سيتخلى عن حلم التمدد ومواصلة سياسة القضم باتجاه الحدود التركية السورية في شمال غرب البلاد.

اجتماعات الأستانا واتفاقية سوتشي لم تعد الحصانة التي تحتمي بها أنقرة في مساوماتها مع موسكو. والكرملين قد يكون ينتظر الإعلان عن سقوط كل هذه المنصات ما إن تأتي الإشارة من واشنطن عبر الإعلان عن فشل مفاوضات شرق الفرات والمنطقة الآمنة وقرار تركيا التحرك العسكري من جانب واحد.

لا خيار أمام تركيا والفصائل سوى التزام الحذر الكامل فالإنجازات على الورق أسقطتها موسكو أكثر من مرة وهي قد تكون تناور نيابة عن واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم الأخرى هذه المرة لتعزيز نفوذها وفرصها واسترداد ما فقدته مؤخراً من خيوط في الملف السوري غير عابئة بحضور ضيوف من العراق ولبنان والأردن.

هل المطلوب الآن إزالة أسباب الحوار في الأستانا باتجاه تسجيل تغيرات جذرية عسكرية سياسية لصالح طرف ضد طرف آخرعلى طريقة "مات الثور فضت الشراكة"، أم أن قناعات حقيقية برزت إلى العلن تؤكد استحالة حسم الخلاف عسكرياً وميدانياً كما جاء في بيان المجتمعين؟ ساعات قليلة ونعرف ما الذي يريده فرقاء النزاع وإذا كان هناك رغبة حقيقية أن "يشيلوا الزير من البير" هذه المرة.