icon
التغطية الحية

أسباب عودة التصعيد إلى إدلب.. روسيا وإيران تفتحان جبهتين على تركيا بعد قمة طهران

2022.07.23 | 12:17 دمشق

ؤرلا
إدلب - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تؤكد جميع المعطيات والتحركات العسكرية لمختلف الأطراف شمالي سوريا فشل قمة ضامني أستانا، التي انعقدت في طهران الأسبوع الماضي، بإحداث توافق بين تركيا وروسيا وإيران على الملفات الخلافية، لا سيما فيما يخص الملف السوري، ومما يعزز ذلك، حالة التصعيد العسكري ضد القواعد التركية في العراق من جماعات محسوبة على إيران، يوازيه تصعيد روسي على محافظة إدلب، من أولى نتائجه مقتل 7 مدنيين بينهم 4 أطفال يوم أمس.

"التسخين العسكري" ما بعد أستانا

في قمة أستانا، منتصف الأسبوع الماضي، بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده "مصرة على اجتثاث بؤر الإرهاب في سوريا"، وعلى الرغم من معارضة طهران وموسكو للعملية بحسب التصريحات الرسمية لهما، لكن أردوغان قال إن بلاده "تنتظر من روسيا وإيران دعماً بهذا الخصوص".

وبات من المؤكد أن الأطراف الثلاثة لم تتوصل إلى حلول مرضية خلال القمة حول العملية التركية المحتملة ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وفي أثناء وجوده على متن الطائرة لدى عودته من زيارته الرسمية إلى إيران، قال أردوغان إن "ملف العملية (العسكرية) الجديدة شمالي سوريا سيظل مدرجاً على أجندتنا إلى حين تبديد مخاوفنا المتعلقة بأمننا القومي"، و"نريد أن تكون روسيا وإيران معنا في مكافحة التنظيمات الإرهابية على بعد 30 كم من الحدود الجنوبية لتركيا، وعليهما إمدادنا بالدعم اللازم".

في حين ذكر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن تركيا لديها اختلافات في الرأي مع روسيا وإيران في الملف السوري، وأن دعم البلدين لنظام الأسد غير صائب، كما لفت إلى أن واشنطن وموسكو تعهدتا بتطهير الحدود بين تركيا وسوريا من عناصر "PKK"، لكن هذا لم يتحقق إلى اليوم.

الخلاف بين الأطراف خلال القمة، بدأ يُترجم في الميدان سواء بسوريا أو العراق خلال وقت قصير، حيث تعرضت قاعدة عسكرية تركية في بلدة "بامرني" التابعة لقضاء آميدي (العمادية) شمالي دهوك في كردستان العراق لهجوم بطائرتين مسيرتين، بعد يومين من استهداف قرية سياحية في قضاء زاخو في دهوك، أدى إلى مقتل تسعة مدنيين وجرح آخرين، وتوجيه السلطات العراقية اتهاماً لـ تركيا بالمسؤولية عن القصف وارتكاب ما وصفته بـ"انتهاك صريح وسافر للسيادة العراقية"، في حين ندّدت وزارة الخارجية التركية بالهجوم، داعيةً السلطات العراقية إلى "التعاون للكشف عن الجناة الحقيقيين"، ذلك في وقت أكدت مصادر أمنية تركية لوكالة "الأناضول" أن "حزب العمال الكردستاني" هو المسؤول عن الهجوم.

ضغط روسي إيراني مزدوج على تركيا

فُسّر الضغط العسكري والسياسي على تركيا بعد الحادثة، بأنه محاولة من الميليشيات الإيرانية لتقويض النفوذ التركي شمالي العراق، وتوسيع هامش التفاوض والمناورة في الشأن السوري بعد انتشار ميليشيات مدعومة من إيران في مناطق سيطرة "قسد" شمالي سوريا، والتلويح بالمشاركة في صد أي هجوم تركي محتمل.

ويؤكد الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، محمود علوش، في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أنّ التحولات الكبيرة التي تشهدها العلاقات الروسية الإيرانية بفعل تداعيات حرب أوكرانيا تدفع موسكو إلى إيلاء أهمية للمصالح الإيرانية في سوريا على حساب الشراكة مع تركيا. فالإيرانيون يريدون توظيف التحالف الجديد الناشئ مع روسيا لتحسين موقفهم بالتنافس مع تركيا في سوريا والعراق.

من جهتها، صعّدت روسيا في محافظة إدلب، وقتلت 7 مدنيين بينهم 4 أطفال من عائلة واحدة، إثر استهداف الطائرات الحربية الروسية مزرعة لتربية الدواجن ومنازل مدنيين على أطراف قرية الجديدة، في ريف إدلب الغربي.

ويقول الباحث "علوش" إن استهداف المدنيين في إدلب جزء من استراتيجية الضغط التي تمارسها روسيا والنظام وإيران على تركيا، وهو ينطوي على رسالة تحذير لأنقرة بأن أي عملية عسكرية تركية جديدة في المنطقة ستؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار في إدلب.

وتُشكّل إدلب الخاصرة الضعيفة للاستراتيجية التركية في سوريا كونها تحتوي على عدد كبير من المدنيين، وأي انهيار للهدنة يمكن أن يؤدي إلى موجة لجوء جديدة نحو تركيا، وهو ما لا يستطيع أردوغان تحمّل تداعياته لكونه على أبواب انتخابات، وفقاً للباحث.

والخلاف بين تركيا وروسيا وإيران في سوريا قديم متجدد، وقد بدا هذا الخلاف خاصة بين أنقرة وطهران بصورة مختلفة، بعد قصف فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا لـ حافلة عسكرية للميليشيات الإيرانية غربي حلب في 13 أيار الماضي، ما أدى إلى مقتل 13 عنصراً وإصابة 15 آخرين.

وينحدر معظم العناصر الذين لقوا مصرعهم نتيجة الاستهداف من بلدتي نبل والزهراء المعروفتين بولائهما لإيران وميليشيا حزب الله اللبناني، ما دفع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية للرد عبر استهداف سيارة لـ "فيلق الشام" المدعوم من تركيا في قرية باصوفان بمنطقة عفرين، ما أدى إلى مقتل 8 مقاتلين.

تصعيد بعد تطمينات.. تركيا تحت الضغط

جاء التصعيد الروسي في ريف إدلب الغربي، بعد أيام من لقاء ضباط أتراك مع وجهاء وأهالي جبل الزاوية جنوبي إدلب، وتوجيه تطمينات لهم بأن المنطقة لن تشهد عمليات عسكرية قريبة.

وجرى اللقاء داخل القاعدة التركية في بلدة "بليون"، وقال رئيس المجلس المحلي في المنطقة، عبد الغني عثمان، لموقع تلفزيون سوريا، إن الضباط الأتراك طلبوا من رؤساء المجالس المحلية العمل على إعادة السكان النازحين إلى جبل الزاوية، مع تعهد بتأمين كل الاحتياجات والجوانب الخدمية اللازمة.

وعلى إثر المجزرة في قرية "الجديدة" غربي إدلب، تظاهر مدنيون في نقاط متفرقة شمال غربي سوريا، واستنكروا الصمت الدولي حيال القصف المتواصل على المدنيين، وطالبوا "الضامن التركي" والفصائل بحماية السكان.

في السياق نفسه، قال المجلس الإسلامي السوري، إنّ "الضامن (تركيا) الذي يتولّى حماية منطقة شمال غربي سوريا دولياً مطالبٌ بموقف واضح تجاه هذا القصف الهمجيّ الروسي، الذي هو خرقٌ لكلّ الأعراف الدوليّة في حماية المناطق التي يضمن سلامتها دولياً، ومطالبٌ بمراجعة اتفاقياته وسياسته مع من يقتل أطفالنا في مهدهم".

ثلاث نقاط تفسّر عودة التصعيد

بحسب تقرير نشره "مركز جسور للدراسات" يُمكن تفسير عودة التصعيد الروسي إلى إدلب من خلال عدد من النقاط وهي:

  • التأكيد على عدم استقرار المنطقة، خاصة بعد ظهور زعيم هيئة تحرير الشام في إدلب 16 تموز/ يوليو 2022 إلى جانب رئيس حكومة الإنقاذ، وحديثه عن فشل النظام السوري في الإدارة، مقابل ضرورة اعتناء المعارضة بالإدارة، وتحويل مناطق شمال غربي سوريا إلى كيان سُنيّ.
  • الضغط على تركيا ودفعها للتراجع عن العملية العسكرية شمالي سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية.
  • رغبة روسيا في فَصْل الملفات العالقة مع تركيا، وتأكيد عدم رغبتها في التنازُل لصالح الأخيرة في سوريا، مقابل أيّ تسهيل لمرور الحبوب من أوكرانيا، لذا تعمل موسكو على وضع ملفّ إدلب على طاولة المفاوضات ومطالبة تركيا بالوفاء بالتزاماتها الواردة ضِمن مذكرات التفاهُم السابقة بين الجانبين.

ويرى المركز أن قمة طهران لم ينتج عنها تفاهُمات محددة، ولذلك من المتوقع المزيد من التصعيد الروسي في إدلب، بغرض التأثير على مَسار المفاوضات مع تركيا، وإعادة التوازُن لها، ما يعني أن إدلب قد تشهد المزيد من القصف الجوي والهجمات المدفعية التي قد تطول حتى محيط المواقع العسكرية التركية، مقابل ردود من فصائل المعارضة، لكن التصعيد سيكون منضبطاً مع الحرص على عدم الدخول في مواجهات مفتوحة.

ملفات عالقة بين ضامني "أستانا"

قال الباحث في الشأن السوري، محمد السكري، إن التصعيد الروسي في إدلب، جاء بالتزامن مع جملة من المتغيرات في الساحة السورية، وغياب القدرة لدى ضامني مسار أستانا على المستويين الفني والرئاسي، في إيجاد صياغة واضحة لحلِ الملفات العالقة، ولا سيما تلك المرتبطة بالعملية العسكرية التركية.

وأشار "السكري" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن التمترس الإيراني خلف الفيتو الروسي وإعادة تشكيل طبيعة خطوط التماس مع قوات المعارضة من خلال انتشار القوات الإيرانية وقوات النظام السوري في عمق مناطق "قسد"، جعل الموقف التركي إزاء العمل العسكري أكثر صلابةً مما كان عليه، إذ أسمت أنقرة تكتيك الانتشار الإيراني بـ "تبدّل الرايات" لا القوات، أي أن ذلك لا يبدد مخاوفها.

ولعلّ هذا بالفعل ما دفع موسكو لإعادة التصعيد عبر قصف إدلب، في رسالة واضحة على إمكانية انهيار نظام وقف إطلاق النار، والعودة للتصعيد، ويُشير ذلك، إلى أنّه لم يجرِ التوافق حول ملف غرب الفرات بين الفاعلين، وإنما فقط شرق الفرات بإعادة التنسيق والعمل المشترك بشأن الدوريات المشتركة، وتوحيد الموقف العام تجاه واشنطن حول ضرورة انسحابها.

هل تنزلق الأمور نحو مواجهات مفتوحة؟

سبق التصعيد الروسي والإيراني الأخير في شمال غربي سوريا، تحضيرات عسكرية تركية ورفع جاهزية للجيش الوطني السوري، في سياق التحضير لمعركة تهدد بها تركيا ضد "قسد"، تزامن ذلك مع حديث عن تحضيرات عسكرية لفصائل المعارضة في إدلب، وحديث زعيم هيئة تحرير الشام "الجولاني" عن أنّ الظروف العامة في "المحرر" أو الدولية والمحلية والاقليمية تدفع باتجاه أن هناك فرصة كبيرة ستأتي على المنطقة للتحرير العسكري.

ويبدو أن تركيا تتجه لتقليص التزامها في إدلب بما يتعلق بخفض التصعيد ومكافحة الإرهاب كردّ على عدم استجابة روسيا وإيران لمطالبها بشن عملية عسكرية ضد قسد شمالي سوريا، بحسب الباحث عبد الوهاب عاصي، الذي قال إن ‏هذا لا يعني انهيار وقف إطلاق النار، إنما محاولة الضغط على روسيا، لكن التفاوض هكذا قد يؤدي إلى الانزلاق نحو مواجهات مفتوحة.

وأكدت مصادر عسكرية خاصة لموقع تلفزيون سوريا، في وقت سابق، أن فصائل المعارضة في إدلب، تلقت أوامر تركية بالتجهيز لشن عمل عسكري ضد قوات النظام في وقت قريب لم تحدده تركيا، لكن في الوقت نفسه، تفيد المعطيات والتحليلات بأن احتمالية قيام عملية عسكرية من طرف المعارضة على جبهات إدلب مرهونة بقيام كل من روسيا وإيران ونظام الأسد بمساندة قسد ضد تركيا والجيش الوطني في العملية العسكرية المحتملة، وفي حال تُركت قسد وحيدة في وجه تركيا فإن جبهات القتال في إدلب ومحيطها لن تشهد أي تغيير في الوقت الراهن على أقل تقدير.

وعن احتمالية بدء عمل عسكري ضد مواقع النظام بريف إدلب، قال المحلل العسكري العميد فاتح حسون، إنّ التحضيرات لعملية ضد "قسد" من قبل الجيش الوطني والقوات التركية، بلغت مرحلة متقدمة جداً، وكادت تدخل مرحلة التنفيذ.

وأضاف "حسون" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أنه "عند وضع الخطط لمعركة هجومية من الطبيعي والبديهي أن يدرس المخططون الاحتمالات المتعددة لردود أفعال العدو، ومنها الرد بهجوم من جهة غير متوقعة ومن قبل أطراف أخرى حليفة له وبفتح جبهة جديدة ليربك قواتنا، أو يلتف عليها".

ولفت إلى أنه "من ضمن الاحتمالات التي وضِعت في أثناء التخطيط لعملية في مناطق شمالي حلب وشرق الفرات، أن يشن الطرف الآخر عبر حلفائه من الميليشيات الإيرانية ونظام الأسد وبإيحاء روسي هجوماً على جبهات إدلب، وخلال هذا الهجوم قد يستهدفون النقاط التركية أو وحدات الجيش الوطني أو القوى الأخرى، وقد يستغلون الوضع للتقدم ضمن هذه المناطق والسيطرة عليها".

ولذا؛ فالعسكريون في إدلب ومن جميع القوى وضعوا في حسبانهم كل الاحتمالات وأعدوا لها الخطط اللازمة لمنع حصول خرق والتحضير لهجوم معاكس على القوات المهاجمة، بحسب العميد.