أسباب الفساد في عدد من مؤسسات المعارضة السورية ومظاهره

2024.01.27 | 07:42 دمشق

آخر تحديث: 27.01.2024 | 07:42 دمشق

 أسباب الفساد في عدد من مؤسسات المعارضة السورية ومظاهره
+A
حجم الخط
-A

الخطأ في العمل الإداري والمؤسساتي واردٌ، كونه جزءاً من الأخطاء البشرية والتنظيمية التي رافقت تاريخ العمل الفردي والمؤسساتي، وعادة ما يندرج تحت إطاريْن رئيسييْن هما:

  • خطأ عفوي نتيجة عدم معرفة أو غفلة أو قلة خبرة أو عدم وضوح الأسس الناظمة.
  • خطأ مقصود ينتمي لحقل الفساد الناجم عن الرغبة بتحقيق فوائد ما.

من هنا تأتي مدونات الأخلاق الخاصة بكل مؤسسة، وتبرز أهمية الحوكمة لتكشف الكثير من الأخطاء، وتقدم أفكارها وتقريرها للقائمين على العمل بهدف إيجاد آليات لتطوير النظم الإدارية، والتخلص من الأخطاء والعثرات. لذلك فإن المؤسسات عالية المهنية ترفق تأسيسها بحوكمة خبيرة تقوم بتطويرها أولاً بأول في ضوء التجربة العملية لتحافظ على الشفافية والسمعة وتحفر اسمها في عالم الجودة، إضافة إلى وضوح تام في المنظومة الأخلاقية والسلوكية الناظمة.

 يبدو النوع الأول من أسباب الخطأ قابلاً للتصحيح أو إيجاد الأعذار أو العقاب المخفف كونه لا يرتبط بنية القصد.

 أما النوع الثاني فيقتضي الحساب والعقاب بحق من يقوم به لأنه ناجم عن سَبق إصرار فسادي ذي آثار كبيرة جداً.

ما الذي حدث، لتغدو "الكثير" من المؤسسات المعارضة السورية أو التي يديرها معارضون، ليس من السهل الشك في صدق معارضتهم السياسية للنظام في سوريا، محملة بالفساد، بل تصبح وكراً وبؤرة لكل ما هو مريب ومخالف.

من حيث المبدأ، لا توجد نفخة سحرية تخلص الإنسان من الفساد سواء أكان في الجو العام الذي ولد وتربى فيه، أو فساد خالط شخصيته، نتيجة رغبته بتحقيق ذاته أو حاجات نفسية وجودية، واكتساب رأسمال اجتماعي ومالي وشعبي جديد!

ولعل ما يجعل وجود مؤسسات معارضة فاسدة سورية شيئاً غريباً ومؤلماً كون وجودها ارتبط، في وجه من وجوهه، بالرغبة في مكافحة الفساد الذي لفّ الكثير من مفاصل مؤسسات النظام السياسي الحاكم في سوريا. لذلك فمن الطبيعي ألا تشبه مؤسسات المعارضة مؤسسات النظام السياسي في سوريا.

والمعارضة السياسية، كما قدمت نفسها، ارتبطت بأبعاد أخلاقية عليها أن تحافظ عليها. لكي لا تفقد ثقة الناس بها، ولتعطيهم أملاً في المستقبل بأن ما قاموا بالتضحية من أجله سيولّد مؤسسات تختلف عن المؤسسات الموجودة التي كانت تدير البلد، يوم كان هناك بلد اسمه سوريا!

نقصد بمؤسسات المعارضة التي طالها الفساد: الكثير من المنظمات والمؤسسات والمجالس والهيئات التي هبّ ناشطون سوريون ومهتمون بالشأن العام، ومعارضون أو متحمسون للثورة لإقامتها في الداخل السوري، وكذلك في الدول المجاورة كحالة تركيا وأوروبا، وقد مُوِّل كثير من هذه المراكز والمنظمات من جهات دولية وإقليمية.

دليلُ فساد كثير من تلك المؤسسات على اختلاف داعميها ما نقرؤه عنها، وما نعرفه كسوريين من العاملين فيها، أو من خلال متابعة عدد من أنشطتها

وهناك مؤسسات ومنظمات ومراكز لم يبادر السوريون بتأسيسها، بل دعمتها دول عربية وإقليمية ودولية بصفتها قوة ناعمة أو أحد أذرعها التي قد تستفيد منها تلك الدول خلال أمد ليس ببعيد، على أمل انتصار إرادة الشعب السوري، أو لتكون مصدر معلومات لها، أو كونها مؤسسات موثوقة (كما كانت النية حين التأسيس) تستطيع أن تسلمها جانباً من المساعدات، أو لتكون بيتاً لشرائح من السوريين الذين تقطعت بهم السبل من كتاب وصحفيين وأكاديميين وسياسيين ووجوه اجتماعية.

ودليلُ فساد كثير من تلك المؤسسات على اختلاف داعميها ما نقرؤه عنها، وما نعرفه كسوريين من العاملين فيها، أو من خلال متابعة عدد من أنشطتها، وأخبار الأشخاص القائمين عليها، وشبكة علاقاتهم وثرائهم ومشاريعها التي تقوم بها وصفقاتهم أحياناً، التي تُشتم رائحة الفساد فيها من جوانب عدة: مالية وتوظيفية ونفعية ومجالسية.

وتعود أسباب الفساد التي باتت تطبع الكثير من المؤسسات المعارضة في الداخل السوري وفي تركيا وأوروبا في جانب منها إلى:

- فقدان المحاسبة والحوكمة، واستغلال الإدارات لانعدام الرقابة وكثرة الأموال المقدمة من المانحين.

- الاعتماد على مبدأ الشطارة واستثمار القدرات العالية في عالم الأعمال والمطاطية في تفسير الأنظمة.

- الحاجة والحرمان وتردي الأوضاع الاقتصادية العامة واختلاط مفاهيم العمل العام بالعمل الخاص.

- غياب تقاليد إدارة المال العام وتغييب ثقافة الشفافية.

- طول أمد الثورة السورية وتبعات مآلاتها الحزينة.

- انكسار السوريين نتيجة عدم تحقيق أهدافهم؛ التي قاموا من أجلها مرحلياً.

- اهتزاز منظومة القيم والانشغال بالمطامح والمطامع الشخصية.

- إهمال كثير من الممولين للعلاقة المؤسسية واستبدالها بالعلاقات الشخصية.

- مرحلة ما بعد الصدمة وعقدة البحث عن خلاص فردي عبر استغلال الوجع الجماعي.

- السرعة واللملمة والتحشيد إبان مرحلة التأسيس، من خلال ضم شخصيات ممن حضر، أو ممن يتقاطع بالمصالح مع المؤسسين.

- أمراض مرحلة المد الثوري والحماس الذي طبع عدداً من المؤسسات بطابعه، غير أن الحماس لا يصلح لبناء مؤسسات ذات عمر طويل وكفاءة عالية.

- حرج الكثير من المجالس اللاحقة والإدارات من تقلص الدور الاجتماعي لتلك المؤسسات، مع إدراك كثير منهم أن هناك من يتعيّش من المؤسسة أكثر من كونه يعمل فيها، خاصة أن السبل تقطعت بكثيرين، وليس لديهم أو لدى من يساعدونهم في الداخل مورد رزق إن تم إنهاء عملهم، في ظل ظرف اقتصادي سوري صعب!

ومظاهر الفساد في عدد من مؤسسات المعارضة تبدت كما يلي:

- التوظيف والعمل في مؤسسات المعارضة والاعتماد على العلاقات الشخصية وغياهبها، إذ يندر أن تجد وظيفة معلنة في مؤسسة معارضة، أو إنْ وُجدت فتوجد كنوع من ذر الرماد، فالقرار معروف منذ البداية، خاصة أن المعايير التي توضع لوظيفة ما معايير مطاطة وقد أفادت الكثير من المؤسسات من جانب السرية لتمرير صفقاتها.

- وضع الشخص في مهمة لا تتناسب مع مؤهلاته وخبراته وقدراته؛ مما يجعل السيطرة عليه ممكنة وسهلة، ويغدو أداة في يد مجلس إدارة المؤسسة، وفي الوقت نفسه تكون النتائج كارثية على المؤسسة، ومستقبلها وسمعتها ومخرجاتها.

- اللعب بالمساعدات وفواتيرها وبيانات البيع والشراء وتسخيرها في اتجاهات متعددة، وتقاسم المكافأة مع الأشخاص المستفيدين أو صرف مساعدات لمن لا يستحق أو صرفها لعدد من أفراد العائلة.

- تسخير الشأن العام لخدمة الشأن الشخصي وفيه جوانب كثيرة يمكنك أن تجدها أينما التفتَ!

- اللجوء لنظام الشلة والتشبيح المعارضاتي، وإسكات كل صوت معارض أو نظيف وتهديده وتخويفه حتى يصل إلى مرحلة (الحيط الحيط ويا رب السترة).

- الألعاب الانتخابية في مجالس الإدارة والهيئات العامة السياسية والاجتماعية.

- الاعتماد في الترشيحات والسفريات على فكرة البيع والشراء والمصالح الشخصية وتقاسم المكافآت والهدايا.

- البطالة المقنَّعة في عدد كبير من المؤسَّسات، وبحث الشخصيات التي لا دور لها عن دور ما، ومحاولة ملء وقت فراغها الطويل ببث الشائعات والتحزبات والتكتلات والابتزازات مما يجعلها أداة تعطيل في المؤسسة.

إن الفساد في المؤسسات التي يقودها أفراد من المجتمع السوري المعارض يؤدي إلى خيبة أمل كبيرة كونه يحمل إشارات أخلاقية، ويرتبط بحجم التضحيات التي قدمها السوريون من أجل تحقيق أهدافهم

- اللجوء للحلول الآنية وعدم التنبه لأهمية تنمية القوى البشرية عبر دورات تدريبية تأهيلية لتنمية العاملين وقدراتهم ومعارفهم ومواكبة ما يحدث عالمياً في مجالات عملها.

- غسيل الشهادات العلمية في المدارس والجامعات في الشمال السوري والجزيرة والجامعات التركية خاصة.

إن الفساد في المؤسسات التي يقودها أفراد من المجتمع السوري المعارض يؤدي إلى خيبة أمل كبيرة كونه يحمل إشارات أخلاقية، ويرتبط بحجم التضحيات التي قدمها السوريون من أجل تحقيق أهدافهم في الحرية والديمقراطية والعدالة.

غالباً ما يتم التركيز إبان الحديث عن الفساد على فساد المؤسسات السياسية السورية المعارضة واتباعها منهج المحاصصة وتدوير المناصب وكثرة التحزبات، وهو تركيز لا غبار عليه، بيد أن هناك جوانب فساد كبيرة في منظمات ومؤسسات عسكرية ومؤسسات علمية عدة في داخل سوريا وخارجها ينبغي الوقوف عنده وكشفه كجزء من استمرار حراك الثورة السورية وبقاء قيمها، كي لا يكون حال السوريين بثورتهم على النظام كالمستجير من الرمضاء بالنار، وللحديث صلة في الأسابيع القادمة!