أسئلة محرجة في حضرة مظاهرات إدلب العظيمة

2018.09.27 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في اللحظة التي كان العجز والقهر يُخيّمُ على كل من يهمه مستقبل حوالي ثلاثة ملايين سوري في إدلب، كانوا أمام احتمال الاجتياح العسكري والتهجير والقتل والعودة إلى حضن بشار الأسد وحلفائه. وفي اللحظة التي كان يمكن لهذا الاحتمال إن حدث، أن يجعل ملايين السوريين، في سوريا وحول العالم، في حالة من اليأس والقنوط الكاملين، في تلك اللحظة تماماً، عاد زخم المظاهرات في إدلب بشكل لافت وحاشد. ترافق ذلك مع موقف صلب من القيادة التركية، اعتَبَرَ إدلب مسألة أمن قومي. حيث صرّح الرئيس التركي، أنه لا يمكن لبلاده أن تتجاهل جرائم الأسد التي ارتكبها خلال السنوات الماضية. وأعلن للعالم عبر مقالات وتغريدات، أنه لن يترك الشعب السوري في إدلب وحيداً. وكان الإجراء المباشر أن زاد الجيش التركي تعزيز نقاطه في إدلب بشكل لافت، مرسلاً رسائل لشركاء أستانة أساساً، أن خروجه من إدلب غير وارد أبداً، وأن الاعتداء على جنوده هناك لن يُترك دون ردٍّ مباشر.

زادت هذه التحركات من ثقة الشارع السوري بنفسه، فملأت حشوده الساحات في شمال سوريا، ولأول مرة منذ سنوات، كان علم الثورة السورية يرفرف شامخاً، بلا أعلام سوداء أو بيضاء أو أعلام فصائل عسكرية، لكن بالمقابل ظهر بجانبه العلم التركي.

وفي تصريح سبق القمة التركية الروسية الأخيرة، قال الرئيس أردوغان: "اليوم في إدلب لا يتجوّل أحدٌ حاملاً بيده أعلام روسيا أو أمريكا أو ألمانيا، إنّهم يتجولون حاملين أعلام تركيا، وهذا يحمل رسائل مهمة، فلم يكن بوسعنا ترك هؤلاء لوحدهم، فضلا عن وجود روابط قرابة بيننا". ويضيف: " تقول الدول المنخرطة في سوريا إنّ النظام هو من دعانا، ونقول لهم إن جئتم إلى سوريا بدعوة من النظام، فنحن جئنا بدعوة من الشعب نفسه، ونحن لا نعترف بالدولة الحالية في سوريا، ولكن هم يعترفون، نحن نعترف فقط بالشعب السوري، فهؤلاء إخواننا".

أمام هذا المشهد المعقد والصعب، لابد من طرح بعض الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها:

  • أولاً: كيف ستستفيد الثورة من هذا الحراك الجماهيري الكبير والصاعد من جديد؟ كيف يمكن أن تستفيد منه وهي ما تزال في حالة لايوجد لها قيادة سياسية وعسكرية واحدة.
  • ثانياً: هناك شريحة واسعة من النشطاء السوريين يعارضون رفع العلم التركي إلى جانب علم الثورة السورية. والسؤال هنا، كيف يمكن أن تدافع القيادة التركية عن موقفها وتواجدها في إدلب، وعن أسباب تعزيز نقاطها العسكرية هناك، أمام روسيا وحِلفِها، وأمام أمريكا وبقية دول العالم، إن لم تكن هناك إشارات ومطالب جماهيرية تدعم وجودها.
  • ثالثاً: ما هي قيمة وأهمية الموقف التركي وأثره في مظاهرات اليوم والغد، وكيف سيتم التعامل معه في المستقبل. ونحن نعلم أن أي دولة، في النهاية، ليست جمعية خيرية، وإن كان هناك بُعد أخلاقي في تصرفاتها السياسية.
  • رابعاً: حول أسماء الجُمع، التي يجب أن تُعبِّر عن الوعي السياسي لنخبة الجمهور المتظاهر، أضف للرسائل الواجب إيصالها للمجتمع الدولي. فالأسماء التي تنشر للتصويت يجب أن تكون مدروسة وغير ارتجالية، وكلها يخدم القضية السورية وأهدافها السياسية، ثم يتم عرضها للتصويت العام. وبالتالي، هل آلية اختيار أسماء الجُمع حالياً تلبي هذا المعيار؟
  • خامساً: ماذا يمكن أن تفعل الثورة السورية فيما لو تغير الموقف التركي (وأنا أستبعد أن يتغير)، ولكن إذا افترضنا حصول ذلك، ماذا يمكن أن يكون شكل الشعارات والهتافات ومستقبل المنطقة.

أخيراً، مظاهرات إدلب بداية فارقة وأمل جديد لمستقبل أفضل. ولكن بالقدر الذي نَطرَح فيه سؤال التنظيم والتخطيط، وجاهزية الاحتمالات البديلة في الأيام القادمة، بالقدر الذي نحصل فيه على نتائج تخدم مصالح الشعب السوري وآماله وتطلعاته.