icon
التغطية الحية

أزمة النقل والمواصلات وتداعياتها على القطاعات الحيوية في حلب

2021.04.03 | 06:02 دمشق

bantzar_albas_-_hlb.jpg
حلب - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

تتصاعد أزمة النقل والمواصلات في حلب بشكل غير مسبوق، وتتزايد أعداد الركاب في المواقف والساحات وعلى جوانب الطرق الرئيسية وسط المدينة وفي أطرافها بانتظار حافلات النقل الداخلي وسيارات الأجرة التي انخفضت أعدادها إلى النصف بسبب نقص وغلاء أسعار المحروقات، وهو ما أدى إلى ظهور مبادرات شعبية يحاول الناس من خلالها التخفيف من آثار الأزمة التي يتجاهلها النظام العاجز أصلاً عن تقديم أي حلول للقطاعات الحيوية والخدمية التي يبدو أنها تنهار تباعاً.

الباحث الاقتصادي خالد تركاوي يرى أن "فشل وشلل قطاع النقل والمواصلات في حلب وباقي المدن الكبرى سيؤثر سلباً على مختلف القطاعات الخدمية ويؤدي إلى كارثة حقيقية، ولن تنفع المبادرات الشعبية في حل الأزمة مادام النظام عاجزاً عن الإيتاء بأي فعل"، وأضاف تركاوي لموقع "تلفزيون سوريا" أن "السبب الرئيسي للأزمة هو غلاء أجور النقل بسبب ندرة المحروقات وارتفاع سعرها، كما أن أسطول النقل البري (مركبات وسيارات وحافلات) من طرازات قديمة له دور في تفاقم الأزمة وهو أسطول متهالك عفا عليه الزمن لا يؤدي دوره".

وصلني بطريقك

حملة "وصلني بطريقك" انطلقت قبل أيام في حلب وهي الأكثر شهرة، ويناشد المشتركون في الحملة أصحاب المركبات الخاصة (سيارات سياحية وشاحنات صغيرة) بالمساهمة في تخفيف أزمة المواصلات ونقل الركاب بين الأحياء والمناطق التي يقصدونها أثناء عملهم وبشكل مجاني، وبدأ طيف واسع من أصحاب المركبات التفاعل مع الحملة ومشاركة تجاربهم الشخصية اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظل أزمة المواصلات بحلب تغص المواقف والساحات بالركاب في أوقات الذروة التي تشهد تدفقاً رهيباً للركاب العاملين والموظفين في القطاعات العامة والخاصة وطلاب الجامعة والمدارس الخاصة.

 

168222714_4017593654988736_1264985391169250485_n.jpg

 

مصدر محلي في حلب قال لموقع "تلفزيون سوريا": "تكون أزمة المواصلات أكثر حدة بين الساعة السابعة والعاشرة صباحاً، والخامسة والتاسعة ليلاً، وتحولت ساحة باب جنين ليلاً إلى محطة استقبال كبيرة يتجمع فيها المئات من الركاب الراغبين بالعودة إلى منازلهم بانتظار حافلة تقلهم إلى الأحياء الشرقية والضواحي، يطول انتظار الباص أو السرفيس لأكثر من 3 ساعات أحياناً، ويحالف الحظ عدداً من الركاب في بعض الأحيان إن قرر أحد مالكي السيارات الخاصة أو شاحنات النقل الصغيرة (السوزوكي) المساعدة في نقل الركاب الذين يقصدون وجهات تقع على طريق المتبرع صاحب المركبة أثناء رحلته إلى المنزل أو العمل".

حلب- أزمة نقل ومواصلات.jpg

نهلة ورشا وجهاد وريبال وحنان وفاطمة أسماء لطلاب في جامعة حلب (الاسم الأول فقط لدواعٍ أمنية) تحدثوا لموقع "تلفزيون سوريا" عن معاناتهم اليومية للوصول إلى كلياتهم في الجامعة، وكيف آثر شلل قطاع النقل على مستقبلهم، وحمل الطلاب نظام الأسد المسؤولية عن انهيار القطاعات الخدمية واحداً تلو الآخر.  قالت نهلة لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الحملة الشعبية وصلني بطريقك لن تحل أزمة المواصلات لآلاف الطلاب المجبرين على الحضور بشكل شبه يومي في كلياتهم في الجامعة لحضور حلقات العملي والمحاضرات المهمة، والدكاترة لا يراعون أصلاً معاناتنا في ظل أزمة النقل" في حين أكد جهاد أنه "لم يحظَ بأي توصيلة مجانية منذ انطلاق حملة وصلني بطريقك منذ أسبوع، وينتظر يومياً بين الساعة والساعتين ليحصل على توصيلة، وفي كثير من الأحيان يصعد على الواقف أو يتعلق في باب الباص أو السرفيس".

بداية الأسبوع الأول من شهر نيسان/أبريل سقط شاب يدرس في جامعة حلب من حافلة نقل داخلي ممتلئة عن آخرها، كان الطالب يتعلق في باب الحافلة بسبب الازدحام وما إن وقع حتى دهسته حافلة أخرى تسير خلف الحافلة التي وقع منها، وتم نقله إلى مستشفى حلب الجامعي ليتلقى العلاج.

سوزوكي لنقل الركاب في حلب.jpg

يبدو أن حملة "وصلني بطريقك" قد راقت للجهات الرسمية التابعة للنظام في مجلسي المحافظة والمدينة وخفضت من حجم الانتقادات الشعبية الموجهة لهم بسبب عجزهم الكامل في إدارة الأزمة أو التخفيف منها على الأقل، الأمر الذي دفع في اتجاه الحديث عن حملة جديدة شبيهة بالحملة السابقة تحت عنوان "توصيلة ببلاش"، وتولت "جريدة الجماهير" التابعة للنظام في حلب مهمة الترويج للحملة وبطريقة رومنسية تشبه الطريقة التي اتبعت في الترويج للحملة الشعبية المتواصلة "وصلي بطريقك".

 أزمة المواصلات والمحروقات

منذ بداية شهر نيسان/أبريل الحالي أوقفت عدداً من شركات النقل البري في حلب عملها بشكل جزئي، وبخاصة الرحلات بين حلب ودمشق (السراج وزيتوني تورز) وغيرها، وما تبقى من الشركات التي ما تزال تسير رحلاتها من حلب إلى باقي المحافظات السورية رفعت أجورها بشكل كبير ويرجع ذلك إلى عدة عوامل.

وأهم العوامل المفترضة وفق وزير الاقتصاد والمالية في الحكومة المؤقتة، الدكتور عبد الحكيم المصري هي" تخفيض مخصصات المحروقات إلى النصف، وارتفاع سعر الديزل وباقي المشتقات في السوق السوداء" وأضاف الدكتور المصري لموقع "تلفزيون سوريا" أن "رفع الحواجز التابعة للفرقة الرابعة والميليشيات الموالية للنظام لضريبة المرور (إتاوات) إلى الضعف ساهمت أيضاَ في شلل قطاع النقل بين حلب والمحافظات، يضاف إلى ذلك ظهور طبقة من المستغلين في قطاع النقل والمواصلات يحاولون الاستفادة من الأزمة وهؤلاء في معظمهم يمثلون أمراء الحرب التابعين للنظام من قادة الميليشيات والتشكيلات الرديفة العشائرية وغيرها، والذين يستثمرون في هذا القطاع الخدمي".

 

 

الباحث والمحلل الاقتصادي رضوان الدبس قال لموقع "تلفزيون سوريا" إن " نقص الوقود هو المحور الرئيسي للأزمة ولكن لهذا المحور عدة أسباب وعوامل منها، صعوبة تأمين المحروقات من الآبار السورية في شرق وشمال شرق و(التدمير الكبير الذي لحق بالبنية التحتية لبعض الآبار الموجودة تحت سيطرة النظام)، وصعوبة الاستيراد من الخارج بسبب نقص القطع الأجنبي والعملة الصعبة، والفساد المستشري بدوائر الدولة بسبب تنفذ وتغول الرشاوى والمحسوبيات داخلها بشكل عام والأرباح الهائلة (أسعار بالدولار) التي يجنيها الموظفون والسماسرة من التلاعب بملف المواد النفطية بشكل عام".

وأضاف الدبس "يتبع الفساد سوء الإدارة واستلام الملف من قبل أشخاص غير مؤهلين لقيادة الدوائر ولكن فقط انتمائهم إلى الحزب أو العلاقات مع المسؤولين وكبار موظفي الدولة، يضاف عامل أساسي في سوريا هو تحكم أمراء وتجار الحرب بمفاصل الهيكل الاقتصادي السوري والنفط مفصل أساسي وعامل أساسي بالعجلة الاقتصادية لأي دوله في العالم. فالنفط يصل سوريا عبر تجار ويدخل البلد عبر أمراء الحرب ويوزع بوساطة الموظفين الفاسدين ويباع للمواطنين عبر بطاقات ذكية مملوكة لأحد المتنفذين (والنتيجة معروفة)".

شاحنة لنقل الركاب- نزلة ادونيس في حلب.jpg

وأشار الدبس إلى أن هناك "عامل الطمع لدى أصحاب التاكسي والميكروباص حيث يقومون ببيع حصصهم ومخصصهم من البنزين والمازوت بالسوق السوداء (تجار الحرب) بسبب فرق السعر الكبير بين سعر الدولة وسعر السوق السوداء. مما يؤدي لتوقف هذه الآليات عن العمل وتفاقم الأزمة"

الباحث والمحاضر في جامعات المعارضة بريف حلب، محمد بقاعي قال لموقع "تلفزيون سوريا" إن "حلب وباقي مناطق سيطرة نظام الأسد شهدت في العامين الماضيين خمس أزمات نقل ومواصلات بسبب أزمات تأمين المحروقات، ويبدو أن هذه الأزمة هي الأقسى ويقف النظام عاجزاً عن إيجاد أي حل لها، ولا تتعلق أزمة تأمين الوقود فقط بإغلاق قناة السويس كما يزعم النظام إنما يرجع الأمر إلى مجموعة عوامل، أهمها تحكم أمراء الحرب من الميليشيات الإيرانية والروسية ومجموعة القاطرجي بالكميات وبتوزيعها وتوجيه القسم الأكبر منها إلى السوق السوداء، بالإضافة إلى آثار العقوبات المفروضة على النظام والتي بدأت علاماتها تظهر بشكل جلي. وأضاف بقاعي "أفترض أن القطاعات الحيوية والخدمية في مناطق سيطرة النظام بدأت تنهار بشكل جدي، والتصريحات الروسية التي تحدثت عن أن الدولة السورية بدأت تنهار لم تأتِ من فراغ وكل ذلك سيشكل ضغطا إضافيا على النظام قد يتصاعد خلال الفترة المقبلة".

آثار الأزمة في حلب

حساسية الاقتصاد العام للعوامل المؤثرة فيه تزداد كلما قلت الثقة بالقائمين عليه، ولا شك أن النقل والمواصلات هي من البنى التحتية المؤثرة في نمو الاقتصاد، وكلما تطورت وسائل الاتصال والمواصلات والنقل زادت مساهمتها في تعافي الاقتصاد، وفي حلب خاصة التي يشكل قطاع النقل فيها عصب الاقتصاد المحلي، فنقل العمال والبضائع وتأمين وصول المواد الأولية في المكان والزمان المناسبين يساهم إلى حد ما في تعافي الاقتصاد الحلبي (صناعة وتجارة) كما يروج دائماً النظام.

فواز هلال مدير مكتب العلاقات العامة والإعلامية في نقابة الاقتصاديين السوريين الأحرار قال لموقع "تلفزيون سوريا" إن "التأخر في نقل الموظفين والمستهلكين إلى الأسواق ومواقع الإنتاج سيؤدي إلى أزمات متعددة للمنتجين والمستهلكين على السواء، وتأخر وصول المواد والعمالة إلى المكان المناسب وفي الزمان المناسب سيؤدي إلى نقص الإنتاج وارتفاع كلفته في الاقتصادات القوية، فما بالك باقتصاد منهار أصلا ولا يمتلك من الموارد إلا ما يرميه له المحتلان الروسي والإيراني من فتات".

وأضاف هلال "هذه الحالة تنطبق تماما اليوم على مناطق سيطرة نظام الأسد وميليشيات إيران في كل المحافظات السورية بما فيها حلب وريفها، وأزمة النقل هي (نتيجة وسبب) في آن معا لتردي الوضع الاقتصادي وشح المحروقات وقطع الغيار، وكذلك تسلط الميليشيات وشبيحة النظام على مفاصل الاقتصاد وأرزاق الناس وتسخيرهم في خدمة الجهد الحربي للنظام سينعكس بشكل مباشر على كل مرافق الحياة وقطاعاتها الحيوية".

وفي رده على سؤال كيف ينعكس فشل قطاع النقل على باقي القطاعات الخدمية والحيوية في حلب، قال الباحث رضوان الدبس "قطاع النقل والمواصلات هو شريان الحياة اليومية للمواطنين ونقصد بالمواطن هنا الموظف والطالب والتاجر والصناعي وغيرهم كثير، ولكم أن تتخيلوا عدم قدرة هذه الشرائح من المواطنين في حلب مثلاً على الوصول إلى أماكن عملهم وتجارتهم وأعمالهم، والخسائر المادية والمعنوية التي ستكلف المواطن خسائر بالملايين من جراء ذلك، تعطل قطاعات مهمة مثل الصحة والتعليم والأمن عن العمل أو العمل بربع الطاقة التشغيلية بسبب تأخر الموظفين أو عدم حضورهم أساسا".