آل الأسد والخديعة الكبرى

2022.12.31 | 07:22 دمشق

آل الأسد والخديعة الكبرى
+A
حجم الخط
-A

تشهد مناطق سيطرة النظام السوري أزمة غير مسبوقة، أرخت بظلالها على كل جوانب الحياة، خاصة بعد أزمة المحروقات التي شلت البلاد وتزامنت مع دخول فصل الشتاء، واستمرار الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بما تبقى من الدولة السورية، والذي انعكس بشكل كبير على المواطنين السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام، ولم يستثن الانهيار هذه المرة المؤيدين، بل يمكننا القول إنهم في عين العاصفة هذه المرة أسوة بباقي شرائح المجتمع السوري.

وكعادته في التعامل مع هكذا أزمات لم تجد الطغمة الحاكمة من وسيلة سوى القفز عن الأسباب الموضوعية التي تتمثل بفشلها الذريع في إدارة الملف الاقتصادي، كما فشلت سابقاً في إدارة الملف السياسي والأمني، لتعيد أبواقه اجترار الحجج الواهية التي تسببت بهذه الأزمة من قبيل المؤامرة الخارجية والعقوبات الغربية وو.. إلى آخر هذه الحجج التي لم تعد قادرة على إقناع أي إنسان عاقل، في حين تتكفل المعاناة والفشل الذريع والإهمال المتعمد من قبل أركان النظام بإقناع من قبلوا بالزج بأبنائهم في المقتلة السورية إرضاءً للقيادة "الحكيمة"، بحجم الخديعة التي انطلت عليهم ودفعوا ثمنها أرواح آلاف الشبان من أبنائهم.

اليوم ونحن نقف على أعتاب سنة جديدة من المأساة السورية المتواصلة منذ وصول عائلة الأسد إلى سدة الحكم، هناك سؤال جوهري أصبحت الإجابة عليه ضرورة قصوى للسوريين بشكل عام والمؤيدين منهم على وجه الخصوص، "هل كان الأسد الأب وابنه طائفيين ويحبون طائفتهم"؟

فمنذ وصول الأسد إلى السلطة عام 1970 سيكون هذا السؤال الغريب عن الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي السوري أحد المحددات الأساسية لملامح سوريا خلال العقود الخمسة القادمة، وستتكفل الإجابات السطحية عليه بتشكيل واقع سياسي واجتماعي مأزوم سينسف ما تبقى من ملامح المجتمع والدولة السورية التي نخرت بها سياسات النظام الاستبدادي حتى النخاع.

وفق هذه الإجابة تشكل وعي سياسي واجتماعي جديد وطارئ على المجتمع السوري قائم على الإقرار بأن هذا النظام هو نظام طائفي، وللقضاء عليه يجب ضرب أذرعه وأدواته الطائفية

أولى الإجابات السطحية كانت الإقرار من قبل غالبية المجتمع السوري بأن هذا النظام نظام طائفي، وارتكزت هذه الإجابة على الممارسات المتبعة من قبل النظام بتحويل أهم المؤسسات في الدولة السورية وبالتحديد الجيش والأمن والمخابرات إلى مؤسسات طائفية بامتياز، ووفق هذه الإجابة تشكل وعي سياسي واجتماعي جديد وطارئ على المجتمع السوري قائم على الإقرار بأن هذا النظام هو نظام طائفي، وللقضاء عليه يجب ضرب أذرعه وأدواته الطائفية.

ثاني الإجابات السطحية على هذا السؤال كانت من قبل شريحة واسعة من الطائفة العلوية والتي تبنت فكرة أن هذا النظام هو نظام طائفي، وأنه ممارساته الطائفية ما هي إلا تعبير عن انتماء أصيل للأسد الأب والابن إلى هذه الطائفة، وأن هدفه الأول والأخير هو حمايتهم من الأكثرية التي تريد الانقضاض عليهم في أية لحظة، وبسبب هذه الإجابة رهنت الطائفة دماء ومستقبل أبنائها خدمة لهذا النظام، والذي لم يتوان عن عسكرة هذه الطائفة والزج بالجزء الأكبر من شبابها في المؤسستين العسكرية والأمنية، وتحويل الذهنية الريفية البسيطة في هذا المجتمع من الخلاص عن طريق رفع السوية الثقافية من خلال التحصيل العلمي إلى مجتمع تسوده العقلية العسكرية، ما خلف واقعاً يتناسب تماما مع ما تم رسمه مسبقا من قبل آل الأسد.

واليوم وبعد أكثر من 5 عقود على هذا النظام تجب إعادة طرح هذا السؤال مجدداً والإجابة عليه وفق معطيات الواقع التي أفرزتها الأجوبة السابقة.

هل كان نظام الأسد نظاماً طائفياً؟ بمعنى أدق إلى أي حد كان انتماء النظام للطائفة حقيقياً وسامياً، وإلى أي حد سعى هذا النظام للنهوض بواقع طائفته وحمايتها من أي خطر يتهدد أبنائها، وهل كان مستعداً للتضحية في سبيل مستقبل الطائفة ومستقبل أبنائها.

واقع الحال اليوم يشي بأمور مختلفة تماماً عن كل ما حاول النظام تصديره للسوريين باختلاف انتماءاتهم ومشاربهم، فالواقع الطائفي الذي حاول النظام تكريسه طوال هذه العقود كشفت الثورة السورية قبحه وفظاعته، آلاف الشبان من الطائفة العلوية تم زجهم في محرقة عبثية لم يكن الهدف منها سوى بقاء الأسد في سدة الحكم، بالإضافة لآلاف المعاقين التي خلفتها حروب الأسد وهم في ريعان الشباب، ومن بقي حياً وسليماً من هذه المحرقة يطحن الآن بصمت تحت وطأة الواقع المعيشي والاقتصادي المزري، ومستقبل أقل ما يقال عنه بأنه مبهم ومخيف فيما تنعم عائلة الأسد وأبناؤها بخيرات البلاد المنهوبة.

كانت أولويته بقاءه في السلطة ولو كلف ذلك إحراق الوطن بما فيه، بما في ذلك الطائفة العلوية

الشق الآخر للمأساة هي "خصومة الدم" التي وضع الأسد أبناء طائفته فيها من خلال المواجهة المفتوحة ضد كل أبناء الشعب السوري، حتى باتت هذه الخصومة تهدد بشكل حقيقي مستقبل الطائفة بشكل خاص ومستقبل الوطن السوري بشكل عام، مزعزعة حالة السلم الأهلي التي كانت عبر آلاف السنين هي الحماية الطبيعية لكل أبناء الوطن السوري، فهل كان نظام الأسد بما يملكه من دهاء وخبث غافلاً عما ستتسبب به سياساته من تهديد لمستقبل الطائفة العلوية في سوريا؟ الجواب بكل تأكيد لم يكن غافلاً، بل كان مدركاً تماما لحجم الكارثة، لكن كانت أولويته بقاءه في السلطة ولو كلف ذلك إحراق الوطن بما فيه، بما في ذلك الطائفة العلوية وهو ما عبر عنه بشكل صريح وواضح على لسان بعض الحمقى من أتباعه "الأسد أو نحرق البلد"، وهنا يحق لنا أن نسأل أليس العلويون من أهل هذا البلد؟

قبل عدة أشهر وخلال إحدى الأمسيات دار حوار حول الممارسات الطائفية لنظام الأسد، ومن بين الحضور كان معتقل سابق لدى نظام الأسد لمدة 30 عاماً، تحدث خلالها مستفيضاً عن الممارسات الطائفية خلال فترة الاعتقال، قاطعته قائلاً بأن آل الأسد لم يكونوا طائفيين وللأسف أقول "يا ليتهم كانوا طائفيين، بل كانوا أسوء من ذلك بكثير".

استغرب الحضور كلامي لكني تابعت قائلاً: ما تسبب به حافظ الأسد ومن بعده وريثه القاصر بشار الأسد بحق سوريا بشكل عام وبحق الطائفة العلوية بشكل خاص، لا يليق به حتى أن ننعته بصفة الطائفي، فلو كان طائفيا ويحب طائفته لما ورطها بكل هذا الدم قبل أن يترك أبناءها بين قتيل أو معاق.

لو كان طائفيا لشعر ولو لوهلة بأن وجوده بات يهدد مستقبل أجيال قادمة من طائفته لن تجد من مستقبل لأبنائها سوى التطوع في ميليشيات إجرامية تحت مسمى "الجيش السوري" أو تجار مخدرات منبوذين دولياً، أو تائهين في وطن ينبذهم ويتهددهم بالفقر والمجاعة.