نظرة في كتب «التوجيه المعنوي» للجيش الوطني

2021.09.20 | 06:16 دمشق

thumbs_b_c_94caa66f84d76efe23cf102ff26545fc.jpg
+A
حجم الخط
-A

مؤخراً، وعلى خطا جيوش عقائدية عديدة في أنحاء العالم العربي، نشرت «لجنة الدراسات والمناهج» التابعة لإدارة «التوجيه المعنوي» في «الجيش الوطني السوري» المعارض، تسعة كتب تمثل التوجه الفكري والإيديولوجي لهذا الجيش الذي أسس في أواخر 2017 كقوة منظمة وموحدة يُفترض أن تكون بديلة عن الحالة الفصائلية، تتبع وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التابعة بدورها للائتلاف. وقد شاع في أوساط معدّي هذه الكتب، متوسطة الحجم، أن ستة منها نهائية في نظرهم، في حين طُرحت الكتب الثلاثة الأخرى كنسخ تجريبية تنتظر التدقيق الأخير.

من الكتب الثابتة الأولى يأتي «ركائز الإيمان» في 90 صفحة، تشغل العقائد ثلثيها، بدءاً من الإيمان بالله ومحبته والخشية منه والتوكل عليه واستخارته والثقة به ودعائه، مروراً بذكره في مأثورات الصباح والمساء، وانتهاء بأركان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. في حين تشغل العبادات الثلث الأخير للكتاب الذي يقتصر منها على الصلاة؛ مقدماتها من غسل ووضوء أو تيمم، وأنواعها من مفروضة أو مسنونة أو خاصة، كصلاة الجمعة والتراويح والعيدين والجنازة، مع ما يحيط بذلك من مبطلاتها ومكروهاتها. وفي ذلك كله لا يخرج واضعو الكتاب، الذين لا تُذكر أسماؤهم، عن العقيدة الأشعرية السائدة في بلاد الشام وعن الأحكام الفقهية للمذاهب السنّية الأربعة.

وعلى النهج نفسه يأتي كتاب «الأخلاق والتزكية» في 110 صفحات، تحتل الأخلاق الحميدة «الفضائل» ثلثيها، و«المنهيات» ثلثها الأخير. وفي الأولى يذكر المؤلفون الصدق والأمانة والرحمة والوفاء والعفة والصبر وإتقان العمل والشجاعة والإعداد والتدريب والسمع والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحب الوطن والجهاد في سبيل الله، مما تمتزج فيه الفرائض بالأخلاق، وصولاً إلى الشهادة. وبعد ذلك تأتي الرذائل، التي تدخل في باب المحرمات لا الأخلاق المذمومة. إذ يذكر الكتاب بعض ما تستلزمه «الساحة»، كخطورة سفك الدماء المعصومة وقطع الطريق والخيانة والفرار، وحرمة التعدي على الأعراض والأموال. وأخيراً التحذير من الكذب والكلام الفاحش والغش والمخدرات والمسكرات، وصولاً إلى «حياة بلا تدخين».

01.jpeg

يختلف الكتاب الثالث «مقدمة توجيهية في أهمية وعي المعركة» (176 صفحة) عما سبق وعرضناه، من جهة انشغاله بالسياسة والسياق الثوري المنطلق من «الهوية الوطنية الجامعة» بهدف الوصول إلى «دولة المواطنة». مبتدئاً بأسباب اندلاع ثورات الربيع العربي، وبلمحة عن تاريخ سوريا منذ الانتداب الفرنسي حتى حكم حافظ الأسد، ومجازره، وتوريث السلطة. مبيناً أسباب الثورة السورية، ومبادئها الخمسة كما أعلنها «المجلس الإسلامي السوري» في أيلول 2015. يستعرض الكتاب نشأة الجيش الحر، وتطوره من كتائب إلى ألوية، وأبرز معاركه. ورموز الثورة كعبد الباسط الساروت. ودخول تيار «الغلاة» على خط تفكيك الجيش الحر، سواء عبر جبهة النصرة وتحولاتها، وداعش، وما بينهما من تنظيمات مثل «جند الأقصى». ثم ينتقل إلى تاريخ القضية الكردية، وتشعب مساراتها بعد الثورة بين تيارين، شق أحدهما، وهو حزب الاتحاد الديمقراطي pyd، طريقه نحو بناء فيدراليته الخاصة. وإلى التدخل العسكري الإيراني وحلفائه اللبنانيين. والتدخل الروسي وأسبابه الاستراتيجية. ومجمل القرارات والتفاهمات الدولية حول سوريا، ولا سيما مؤتمرات جنيف. ثم المساندة التركية للثورة، وأسباب ذلك، والعمليات العسكرية التي دعمتها. ليختم الكتاب بتقدير واقعي للأوضاع الصعبة التي تعيشها الثورة اليوم، متنبئاً بتجاوزها بالصبر والصمود وإعادة امتلاك زمام المبادرة، ثم النصر.

وضمن قوس أوسع يأتي كتاب «ثورات التحرر العالمية» (85 صفحة) الذي يبدأ من الثورة الفرنسية، مستعرضاً أبرز أسبابها وأهم أحداثها. ثم قضية فلسطين وجذورها وتسلسل محطاتها، والحروب بين العرب وإسرائيل، والانتفاضات الشعبية، وأهم التنظيمات الفلسطينية وحركات المقاومة ورموزها. منتقلاً إلى الثورات السورية وظروفها منذ الاحتلال الفرنسي حتى الآن. فالثورة الجزائرية الكبرى وأسبابها وأحداثها وصولاً إلى الاستقلال. فحرب فيتنام ضد قوات التدخل الأميركي التي اضطرت أخيراً إلى الانسحاب، تماماً كما سيحصل بعد ذلك للجيش السوفييتي في أفغانستان، التي يبدي الكتاب إعجابه بقادة مقاوميها الأوائل وبحركة طالبان التي كانت، وقتها، تحارب الأميركيين. قبل أن يختم بثورات الربيع العربي؛ تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، مؤكداً على حتمية وصولها إلى أهدافها ولو تأخر مسيرها.

في حين تشغل قضية إسلامية داخلية كتاب «تنظيمات الغلو: جذورها التاريخية وإخفاقاتها الاستراتيجية ودورها في عرقلة تحرر الأمة ونهضتها» (73 صفحة). وفي مقدمته تقول اللجنة إن هذا «المقرر» قد وضع ليكون «منهاجاً توجيهياً للعسكريين والأمنيين والمواطنين» لئلا يقعوا في فخ التطرف. وينقسم الكتاب إلى وحدات ودروس، تعقب كلاً منها أسئلة على طريقة المناهج المدرسية. ويستعرض نشأة التيارات الجهادية التي استندت إلى فهمها الخاص لبعض الملامح الفكرية التي وضعها سيد قطب الذي يقدمه الكتاب بوصف «المفكر الإسلامي الكبير»، وصولاً إلى تأسيس تنظيم القاعدة الذي يبدو أبرز خصوم الكتاب الذي ينقل اتهامات لأسامة بن لادن بالعمالة لوكالة المخابرات الأميركية أو لوكالات استخبارات سواها. راصداً بروز ملامح التطرف في أفغانستان والجزائر والعراق، ثم سوريا مع تأسيس «جبهة النصرة» والمسارات المعروفة التي اتخذتها وصراعاتها المتنوعة.

عملياً، وبغض النظر مؤقتاً عن العيوب الجذرية في هذه الكتب وفي مستند وجودها، فإن ما يتواتر من أخبار تجاوزات عموم عناصر الجيش الوطني يوحي بأنهم لم يتأثروا بها أبداً

أما السادس والأخير من مجموعة الكتب المعتمدة فهو «التربية الأمنية» (123 صفحة). ورغم عنوانه العريض إلا أنه يتركز حول السجن فقط. فيوجّه ربعُه الأول نصائحَ في السلوك الأمثل للسجانين، في حين تتابع الصفحات الطويلة التالية وعظ السجناء في ما يشبه برنامج إصلاح ومناصحة. يرسم الكتاب، كما تقول مقدمته، ضوابط تعامل الجيش الوطني مع المعتقلين لديه، «وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ الأمم المتحدة». غير أن أكثر ما يرجع إليه بالفعل هو كتب الفقه التي تتحدث عن جواز توقيف «مجهول الحال» لمجرد التهمة، والتحقيق معه لبيان صحتها من عدمه. وخلال ذلك لا يجوز ضربه، بخلاف من عُرف «بالفجور والإجرام واحتيج إلى الكشف عن أدلة أو شركاء آخرين»، إذ يسوّغ تعذيبه بطرق غير مؤذية. ويحض الكتاب السجانين على العناية بدين الموقوفين وصحتهم وتغذيتهم وتعليمهم والبيئة التي يُحتجَزون ضمنها. كما ينصحهم بالتحلي بالأمانة والرفق والرحمة وحسن الخلق والشجاعة والصبر. أما السجناء فيوجههم إلى سبل تثبيت العقيدة وترسيخها في نفوسهم، والعناية بالعبادات القلبية كالتوبة، والعملية كالصلاة والصيام. كما ينصحهم باتباع مجموعة من الآداب الإسلامية؛ كالصحبة الصالحة وحسن الخلق ومساعدة المحتاجين والتنبه إلى أهمية الوقت وغير ذلك من الأخلاق التي تكاد ترسم صورة شخص مثالي. أما الخصال السيئة التي ينهى السجناء عنها فهي حزمة واسعة كذلك، تبدأ بالتدخين وتمر بالمخدرات وتصل إلى إيذاء الآخرين والفساد والإفساد والغضب والكبر والظلم والمجاهرة بالمعاصي، مما يتقاطع بعضه مع ما ورد في كتاب «الأخلاق والتزكية».

02.jpeg

أما الكتب التي طُرحت بشكل تجريبي، بانتظار التدقيق النهائي، فهي «معارك خالدة من تاريخنا» (130 صفحة). والمقصود هو التاريخ الإسلامي، إذ يبدأ الكتاب بغزوة بدر ويختم بفتح القسطنطينية. وبينهما غزوات ومعارك أحد والخندق (الأحزاب) واليرموك والقادسية ونهاوند وملاذكرد والزلاقة وحطين وعين جالوت، مخصصاً عدة صفحات لكل منها، تأريخاً وعرضاً وتحليلاً، مع رسوم متخيلة وخرائط للقوات. والثاني بحث بعنوان «المشروع الإيراني الصفوي في المنطقة العربية» (30 صفحة). وهو لا يختلف عن أي كتيب بهذا العنوان؛ مستعرضاً الطبعة الجديدة للمطامع الإيرانية في نسخة «الولي الفقيه» التي وضعها الخميني وتبنتها إيران منذ 1979. ومرتكزات قوة المشروع الإيراني، وأدواته الصلبة والناعمة. ورصده في سوريا؛ أهدافه واستراتيجية مواجهته والخطوات العملية المختلفة لذلك. وأخيراً كتاب «الصناعة الاستراتيجية لمواجهة المخطط الإيراني في سوريا» (110 صفحات). وهو الوحيد الذي يذكر اسم مؤلفه، مطيع البطين، في المقدمة التي كتبتها إدارة التوجيه المعنوي، متبنية الكتاب الذي ألّفه صاحبه قبل سنتين وبثه على حلقات في يوتيوب.

تفتح هذه الكتب أسئلة كثيرة. أولها عن حاجة جيش السوريين إلى «توجيه معنوي» في بلد ذاق الويل من «التوجيه السياسي» الذي رافق «الجيش العربي السوري» كأحد ميزات الجيش العقائدي، أم أنهم يرغبون في الوصول إلى جيش محترف غير إيديولوجي وغير مسيّس؟ وإذا كانت الحاجة إلى التعبئة لازمة الآن، نتيجة تفاوت خلفيات أفراد الجيش الوطني وعشوائية انضمامهم وتعدد فصائلهم؛ فما هو تصور قيادة هذا الجيش لعمر إدارة التوجيه؟ فبالتأكيد لا تصلح هذه الكتب لتصحبنا إلى مرحلة ما بعد الصراع، طالما أنها مقررات فئوية وضعت بمنطق الأغلبية السنّية العربية وتستند إلى مرجعياتها الدينية تحديداً، مما لن يناسب شرائح علمانية من هذه الأغلبية نفسها، فضلاً عن عموم أبناء الأقليات، معارضين كانوا أم موالين أو رماديين، إذ لن يجدوا أنفسهم في الفضاء القيمي والبيئي الذي تتحرك فيه هذه الكتب التي تتسم، أيضاً، بنقص الخبرة في التأليف في هذا المجال. فمن الواضح، من مضمون الكتابة ولغتها، أن اللجنة لم تتشكل من ضباط، بل من شرعيي فصائل إسلامية معتدلة من الجيش الحر. ولا شك أن خطاباً يناسب قوات محلية يختلف بشدة عما يُفترض وجوده لدى جيش «وطني» شامل!

عملياً، وبغض النظر مؤقتاً عن العيوب الجذرية في هذه الكتب وفي مستند وجودها، فإن ما يتواتر من أخبار تجاوزات عموم عناصر الجيش الوطني يوحي بأنهم لم يتأثروا بها أبداً، وربما لم يسمعوا بصدورها. فهي، في نهاية المطاف، تقترح سلوكاً منضبطاً وأخلاقياً أعلى مما تمارسه أكثريتهم. وهو ما لم تفلح في تغييره لا عصا الشرطة العسكرية ولا رومانسية التوجيه المعنوي..