موعد ناصر: ضابط أمن اللجنة الدستورية

2023.07.24 | 06:32 دمشق

آخر تحديث: 24.07.2023 | 06:32 دمشق

موعد ناصر
+A
حجم الخط
-A

في عصر السوشيال ميديا لم يحظ أربعون العميد أبو رامي سوى بمقطع ريلز مدته أقل من دقيقة، أنشأه أحد محبيه، يستعرض صوره على خلفية آية الكرسي بصوت المقرئ عبد الباسط عبد الصمد المرتبط بالتعازي.

لم تعتنِ قريته نمرة، التابعة لشهبا في ريف السويداء، بالمناسبة، فالاحتفاء بالأربعين ليس من أعراف الدروز. كما لم تهتم بها إدارة المخابرات العامة، التي قضى موعد ناصر معظم خدمته في ملاكها، فاستذكار الضباط الراحلين ليس من تقاليد الأجهزة الأمنية السورية. ولم يحيِ ذكراه حزب البعث الذي انتمى إليه منذ نعومة مخالبه حتى آخر حياته، ولا «مجلس الشعب» الذي نال مقعداً فيه لدورة، ولا «اللجنة الدستورية» التي حاز عضويتها الموسعة.

ولد موعد بن محمد ناصر عام 1953 لعائلة فقيرة. ونشأ بعصامية قبل أن يصل إلى تدخين السيجار. بعد أن نال الثانوية العامة انتسب إلى كلية الحقوق بجامعة دمشق وعمل كمعلّم وكيل في ريف السويداء، ثم موظفاً في «المؤسسة العامة لاستثمار حوض الفرات» في الرقة. قبل أن ينهي دراسته الجامعية ويتطوع في كلية الشرطة ويتخرج فيها، في نهاية 1978، ملازماً أول ويُفرز معاوناً لرئيس قسم شرطة عرنوس في وسط دمشق.

في تلك الأيام كان الفرع الداخلي في إدارة المخابرات العامة؛ أي الفرع 251 المعروف بفرع الخطيب، يخوض معركة شرسة ضد تنظيم «الطليعة المقاتلة...» وحوض إسلامي أوسع، كما كانت من مهامه ملاحقة خلايا «رابطة العمل الشيوعي» الناشئة في العاصمة ومحيطها قبل أن تستلم شعبة المخابرات العسكرية هذا الملف. كان محمد ناصيف خير بك، الرئيس الشهير لهذا الفرع، في حاجة إلى توسيع كادره، عندما نُقل موعد ناصر من ملاك الشرطة ليصبح ضابطاً في قسم التحقيق الذي كان يرأسه ابن محافظته تركي علم الدين، الأكبر من ناصر بعشر سنوات والأكثر خبرة.

يقول من خضعوا للتحقيق في هذا القسم، ومنهم المعارض السوري المعروف جورج صبرا، إن الرائد ناصر لم يكن يتدخل إلا بأن يضيف إلى جولات التعذيب، التي لم تكن رحيمة بالطبع لكنها كانت تهدف إلى الوصول إلى المعلومات لدى علم الدين، حفلات أخرى تبدو مدفوعة بنزعة حيوانية خاصة ومجانية.

لكن نجم ناصر لن يعلو حتى تسلمه قسم الطلبة الذي قضى فيه سنوات طويلة ما زالت حاضرة في ذاكرة من عاشوا عقد التسعينات في جامعة دمشق ومدينتها الجامعية. حيث كانت كلمته مسموعة بدءاً من تأمين مكان في السكن الطلابي للمعارف أو لمن يقدّمون هدايا، وصولاً إلى تقييم أعضاء الهيئة التدريسية وإبداء الرأي في ترقياتهم والمناصب التي يتولونها، فضلاً عن الإشراف على انتخابات اتحاد الطلبة والمساهمة في تشكيل فرع دمشق للحزب، وترشيح أسماء للإيفاد الخارجي لم ينس منها أولاده.

خارج الجامعة، في بلدة جرمانا التي سكنها، كان متعهدو البناء الناشئون في حاجة إلى تغطية نشاطاتهم المخالفة ريثما تتم «المصالحة» عليها. كانت تلك أيام الطفرة العقارية الأولى هناك في أوائل التسعينات، وكان موعد ناصر مستعداً لتقديم المعونة اللازمة لقاء شراكات من الباطن أو حصص أو رشاوى غير صارخة.

في 2006 تقاعد برتبة عميد. وقضى السنوات القليلة اللاحقة في الظل حتى قيام الثورة في 2011 عندما نشّط بعض علاقاته السابقة في جرمانا لضبط البلدة لصالح النظام، بدءاً من المخبرين وحتى مجموعة تشبيح كانت تستقوي باسمه عندما يستدعي الأمر.

في 2016 ترشح لعضوية «مجلس الشعب» في قائمة «الوحدة الوطنية» التي ضمت البعثيين وحلفاءهم مما جعلها ناجحة حكماً. وفي المجلس صار عضواً في «لجنة الأمن الوطني» بحكم خبرته، وفي «جمعية الصداقة البرلمانية السورية الفنزويلية» بسبب تحدره من السويداء التي يهاجر عدد كبير من أبنائها إلى هناك، لكن الأبرز كانت عضويته في «لجنة الإدارة المحلية والخدمات» ذات العلاقة مع «هموم المواطن».

موعد ناصر

من تلك الدورة الانتخابية، التي انتهت في 2020، تحتفظ وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع رائجة لموعد ناصر وهو «يقف وقفة رجل» في وجه الحكومة كما يقول التعريف. كان «النائب الشجاع» الخبير في الرطانة البعثية يوجّه «تحية إكبار وإجلال لقائد الوطن» لكنه لم يقصّر، كالعادة، في نقد تجار الأزمة والسماسرة والوسطاء والفاسدين وبعض «شذّاذ الآفاق» الذين شكّلوا عصابات تكسر هيبة الدولة. محذّراً من تحميل الموظف الصغير والعسكري عبء الغلاء، منبّهاً إلى فقدان المازوت في الشتاء القارس حتى اضطر سكان السويداء إلى شراء المحروقات المهرّبة من مناطق سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» وقتئذ، حتى دخلت كل «منزل من منازلنا» صار يستخدم «مازوت داعش». قبل أن تقاطعه رئيسة المجلس لتقول إنها لن تسمح بتمرير تعبير «مازوت داعش» تحت قبة المجلس، فهذا «مازوتنا... مازوت الوطن».

في عام 2018 احتاج النظام إلى مجموعة من خمسين كومبارساً ليمثلوا في «اللجنة الدستورية السورية». ومرة أخرى كان ناصر حيث يقتضي منه الدفاع عن دولة الأسد وحكم المخابرات. رغم أن النظام لم يمنح هؤلاء صفة تمثيلية بصورة رسمية، وقال إنه غير ملزم بما يوافقون عليه. وقد ظهر هذا عند موت ناصر نفسه، في 8 حزيران الفائت، حين خلا أي نعي له من ذكر عضويته، المستمرة حتى وفاته، في هذه اللجنة التي قال النظام إنها لجنة «تدعمها الحكومة» فقط.

إثر موته لمّح البعض إلى دور أخلاقي قذر مبهم التفاصيل لعبه في المدينة الجامعية، في حين ذكر آخرون أنه لبّى طلب أغلب من قصده وقتئذ للحصول على سرير في السكن وأشادوا بمكتبه المفتوح. لكن ما لا يعرفه المترحّمون في موقف العزاء أن صدر موعد ناصر لم يكن رحباً بالسجية، وأنه كان يتحرك ضمن هامش مدروس وهادف في تركيبة معقدة أدارها محمد ناصيف، وأن أكثر أسمائهم سُجّلت في قوائم بصفة «مصادر» يُستفاد منها بطريقة مواربة عند اللزوم، بعلمهم أو من دون علمهم.