هل يليق بنا؟

2023.10.03 | 18:11 دمشق

هل يليق بنا؟
+A
حجم الخط
-A

كنت استمعت في مكان عام، جمعني صدفة مع شباب سوريين، إلى حديث جانبي بادر فيه أحدهم وفيه كثير من التفاخر، تضمّن كلمات نابية أخجل من التفوّه بها وتلفظها لأنها تعكس الصورة الحقيقية لهؤلاء الشباب الذين -وعلى ما يبدو- ينحدرون من سلالة لا علاقة لها بالإنسان!

الإصغاء إلى حديثهم، والاستماع إلى ما يتفوّهون ويفاخرون به يخجل اللسان عن نطق مفرداته، والقلم عن تصويره، وكل همّ هؤلاء الشباب الذين غادروا سوريا ووصلوا إلى بوابة الحلم الأوروبي هو افتعال المشاجرات، ومعاقرة الخمرة والاهتمام بالنساء وملاحقتهن والإساءة لهن، والعمل على إيذائهن وبرغبة شديدة، وهذا كل ما يفكرون به، ويرضي رغباتهم!

وبدلاً من أن ينصبّ اهتمامهم في تعلم اللغة الأجنبية في البلد الذي يعيشون فيه، ويكرسون وقتهم في طلب العلم والدراسة والتنافس الشريف، والبحث عن الأعمال التي تناسبهم لجهة سد احتياجاتهم، وتأمين جزء من مطالبهم.. وإرسال ما أمكن من مبالغ إلى أهاليهم الذين يقيمون في الداخل السوري، ويعيشون في ذل وإهانة وفقر مدقع، كل ما يهمهم هو البحث عن المشاجرات واختلاقها لأتفه الأسباب، والتباهي والتغني بها. وكذلك كثرة أحاديثهم عن مغامراتهم البطولية، وإلصاق قذاراتهم وطيشهم حيال صبايا صغار السن ما زلن يتابعن دراستهن في الصفوف الأولى!

صور مقرفة، تمنينا على هؤلاء الشباب أن يتجاوزوها ويركنوها خلف ظهورهم، لأنهم يعيشون في بلاد سبق أن قدمت لهم ما بوسعها لقاء الاستقرار الآمن لهم ولأسرهم!

فهل بهذه الأخلاق السيئة النتنة نقابل الطيب والتعامل الحسن، فضلاً عن الدعم المالي غير المحدود، وغير ذلك، فهل جزاء الإحسان غير الإحسان.

لنصحُ من هذه التصرفات المشينة التي تسيء لكل سوري يعيش في البلاد الأوروبية وغيرها.

المطلوب من شبابنا احترام أنفسهم قبل كل شيء، وترك أمثال هذه الصور والمشاكسات "المعثّة" التي لا يتعلق بها ويبحث عنها ويمارسها سوى أصحاب العقول الخشبية القاصرة التي لا تفهم إلا بالإيذاء والسب والضرب، وهذا لا يليق بنا كسوريين! ..

ما يثيرك بروز الوجوه القبيحة الماسخة التي تمد بأعناقها نحوك، ووضعها العصي في العجلات بصورة مستمرة، لوقف أي نجاح أو تقدم يستهويك، أو تبحث عنه، فضلاً عن أنها تدّعي حبّها واحترامها لك، وهي في واقع الحال تظل رهن علاقات هشّة، وصور باهتة فقدت بريقها مع الأيام!

ما يلفت أن تلك الوجوه، رفعها العلم وبسط رزقها درجات، وفي الواقع لا تلمس منها إلا التذلل والضعف، لأنها لا تشكل إلا مجرد نكرة في المجتمع، وهي بالكاد قادرة على إكمال دورها بالشكل الذي يرضيها، لأنها كسولة، متطفلة على عباد الله!

استغربت كثيراً موقف بعض الأصدقاء وغيرهم عن مسألة السفر، الذين طالما يتساءلون عن مدى المكاسب التي يمكن أن نجنيها وراء ركضنا غير المبرر، كما يظنون.

السفر في حد ذاته مغامرة وراحة وحياة استكشاف، سبق أن أحببناه وعشقناه وانغمسنا فيه، وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً متنقلين من مكان إلى آخر. يبقى للسفر منافع وفوائد كثيرة وكثيرة جداً لا يمكن لها أن تُعدّ أو تحصى.

وبعيداً عن المكاسب المادية، لا سيما أن أغلب شبابنا اليوم بات يتساءَل عن مدى الدخل والكسب المادي الذي جنيناه نحن كمغتربين لقاء الساعات والأيام التي قضيناها بعيداً عن الأهل والأصدقاء والأحبة.

أقول: إنّ السفر والتنقل يظل له حسنات كثيرة لا يمكن أن تحصى..

 صحيح أنَّ المال له دور كبير في الحياة، ولكن ما يمكن أن يُستفاد من السفر والتنقل هو أبعد من ذلك بكثير.

السفر برأيي، مدرسة... ومدرسة بلا حدود، ومن خلاله يمكن أن ينعكس على حياة الناس والإفادة منه في مجالات شتى، وفي مواقف كثيرة.

والاغتراب بأشكاله، وبصورةٍ خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، له نكهته الخاصة، لأنه يُعرّضك للكثير من المواقف المُرعبة!.

مواقف، في الواقع، لا يحسد عليها أحد، وتتطلب الصبر المتلازم مع الهدوء التام، والرغبة في الحياة، في عالم يعصره الألم!.

يقول الإمام الشافعي:

تغرّبْ عن الأوطانِ في طَلبِ العُلا…

وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ:

 تفرّجُ همٍ واكتسابُ معيشةٍ…

وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ.

 

نظل نشتاق إلى من أحببناهم وأحبّونا بصدق، واحترموا العلاقة الحميمية التي ربطتنا بهم يوماً بعيداً عن أي أهداف أو مصالح أخرى.. إنَها مجرد مواقف كنا نُمني النفس أن تستمر.. ولكن هيهات أن تعود أيام الزمن الجميل الذي فقدنا فيه أصدقاء وأحبّة، ما زال البعض منهم يعيش في قلوبنا وفي جوانحنا ولا يمكن بحال أن يكون مجرد صديق.

إننا نودهم ونحترمهم بقدر ما نحترم أنفسنا ونقدر مشاعرهم وحاجتهم والحال الذي يعيشون.