هل من وثائق سرية ستظهر بعد رحيل النظام؟!

2023.08.11 | 05:43 دمشق

هل من وثائق سرية ستظهر بعد رحيل النظام؟!
+A
حجم الخط
-A

في جلسة بمكتب المدير العام لمؤسسة السينما محمد الأحمد صيف عام 2007 على ما أذكر وبوجود مجموعة من السينمائيين السوريين، طرحت على الأحمد السؤال الآتي:

ما هي أسباب منع عرض فيلم نجوم النهار (سيناريو وحوار وإخراج أسامة محمد وإنتاج 1988) عرضاً جماهيرياً في صالات السينما واقتصار عروضه على المهرجانات؟

أجابني: (كان حافظ الأسد يرغب أحيانا في مشاهدة الأفلام السينمائية السورية في القصر الجمهوري، ومن الأفلام التي شاهدها كان فيلم ليالي ابن آوى للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، والذي أنتج بفترة متقاربة مع فيلم أسامة محمد، ونقل موظفو القصر الجمهوري أن الرئيس خلال مشاهدة فيلم عبد اللطيف كان يقهقه ضاحكا ويبدو أن الفيلم أعجبه جداً وكان سعيداً برؤيته، بينما حين شاهد الرئيس فيلم نجوم النهار لم يسمع أو يشاهد الموظفون في القصر أي رد فعل للرئيس، لا بل حين انتهى عرض الفيلم خرج مسرعا من مكتبه وعلامات انزعاج بادية عليه!! الأمر الذي فسره موظفو القصر ومدير مكتب الرئيس أبو سليم أنه منزعج من الفيلم ربما لأن الفيلم لم يعجبه...)!!

بالتأكيد لم يجرؤ أحدٌ على سؤال الرئيس عن رأيه بالفيلم، ولم يعرف أحد لماذا خرج الرئيس منزعجاً من مكتبه، ربما كان الرئيس مسرعا لقضاء حاجته أو لأي سبب آخر..

مكتب الرئيس أخبر وزارة الثقافة السورية بضرورة منع الفيلم لأنه لم يعجب الرئيس والفيلم أزعجه..!!

ومن يومئذ وحتى الآن، ورغم مرور ثلاثة وعشرين عاما على وفاة الأسد الأب ووراثة (العرش) من قبل الأسد الابن لم يتم عرض فيلم نجوم النهار عرضا جماهيريا في صالات السينما بدون وجود أي كتاب رسمي أو وثيقة تثبت منع الفيلم؟!!

تدار كل شؤون سوريا كما يؤكد باتريك سيل في كتابه (الأسد والصراع على الشرق الأوسط – صدر عام 1988) من خلال طريقين: التليفون وأبو سليم

يتساءل الروائي والصديق مالك داغستاني إن كنا سنعيش حتى نرى نشر الوثائق السرية الخاصة بمرحلة الأسدَين من قبل الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة... كما هي عادة الولايات المتحدة إذ تفرج عن الوثائق السرية بعد مرور خمسة وعشرين عاماً عليها، وأوردتُ قصة منع فيلم نجوم النهار لأدلل على كيفية إدارة عائلة الأسد للبلد، إذ كانت تدار كل شؤون سوريا كما يؤكد باتريك سيل في كتابه (الأسد والصراع على الشرق الأوسط – صدر عام 1988) من خلال طريقين: التليفون وأبو سليم، أي أن إدارة البلد على ما أعتقد كانت تتم بأوامر شفهية وبالتالي الوثائق السرية الخاصة بعائلة الأسد ستكون قليلة جدا إن لم تكن معدومة! وغالبا ما ستكون الوثائق المسربة في حال حصل التسريب بأسماء الواجهات السياسية والاقتصادية، التي كانت تعتمد عليها هذه العائلة في كل أعمالها وصفقاتها وجرائمها، ومن المعروف مثلا أن تصديق أحكام محكمة أمن الدولة العليا والمحاكم الميدانية، وخاصة أحكام الإعدام كان يقوم بها العماد مصطفى طلاس، ولقد أكد هذا الأمر بنفسه في مذكراته.. أي أن الأسد الأب لم يكن يوقع أي حكم إعدام صادر بحق المعتقلين!

ويورد باتريك سيل في الكتاب المذكور آنفا حديثه مع اللواء غازي كنعان حين كان المسؤول الأمني في لبنان والشخصية الأقوى على الساحة اللبنانية، إذ سأله سيل لكونه يتحمل مسؤوليات جسام في لبنان عن علاقته بالرئيس وكيفية اتصالاته به، أجابه كنعان (أن الاتصال بيني وبين الرئيس ذو اتجاه واحد)!! أي أن الرئيس هو من يتصل وليس كنعان، ومن المعروف أن قلة قليلة جدا لاتتجاوز أصابع اليد الواحدة من كانت تجالس الأسد الأب وتتحاور وتتسامر معه، وكثير من الوزراء لم يرَوا الرئيس سوى مرة واحدة في أثناء القسم حين التعيين!  

ولم يشذّ الأسد الابن عن أسلوب والده وخاصة خلال انتفاضة السوريين، والحرب السورية، فالأوامر غالبا ما تكون شفهية، وبالتالي لن تكون هناك وثائق تدين الأسدين أكثر خلال خمسين عاما في حال تمت محاكمة النظام عن الجرائم والمجازر التي ارتُكبت قبل وبعد عام 2011! وسيتحمل وزر كلّ ما جرى في سوريا من دمار وقتل وتصفية واعتقالات وتعذيب حتى الموت المسؤولون من الصف الثاني والميليشيات التي أسسها النظام وحلفاؤه، إذ ستلصق بهم كل المجازر والدمار الذي لحق بالبلد..

محاكمات الطغاة هي دوماً محاكمات هزلية أقرب لعروض الكوميديا، فالطاغية كالقاتل المحترف يحاول قدر الإمكان عدم ترك أثر يدل على علاقته بجرائمه

وهذا ليس وضعا شاذا، فمعظمُ النظم التي تمّت الإطاحة بها وجرت محاكمات لزعمائها لم يكن هناك كثيرٌ من الوثائق لإدانتها، وهذه إحدى ميزات النظم الاستبدادية والديكتاتورية، كما في محاكمات حسني مبارك أو صدام حسين، فمحاكمات الطغاة هي دوماً محاكمات هزلية أقرب لعروض الكوميديا، فالطاغية كالقاتل المحترف يحاول قدر الإمكان عدم ترك أثرٍ يدل على علاقته بجرائمه، يساعده بذلك نظام دولي معقد مبني على تشابك المصالح المخفي منها أكثر بكثير من الظاهر، إنّ كشف طاغية ما من دول العالم الثالث أوراقه ووثائقه ستصيب بالتأكيد وتضرّ بمصالح الدول الكبرى التي تلعب دورا كبيرا باستمرار هؤلاء الحكام المستبدين لعشرات السنين في السلطة، فالثروات المنهوبة من قبل الأنظمة القمعية يتشارك بنهبها مع الحاكم الدول المتحكمة بالاقتصاد العالمي، فنادرا ما أعلن بنك ما وخاصة في سويسرا عن حجم ودائع أي طاغية أو مجرم حرب من دول العالم الثالث ومن ثم أعيدت هذه الأموال لشعوب هذه الدول، لذلك ليس من مصلحة أحد كشف وثائق الاستبداد إلا بعد موت المستبدين والحكام بعقود طويلة، عندئذ ستكون كل هذه الأسرار موضوعا تاريخيا وقصصا من ماضي الشعوب، في حين يكوّم ملايين الضحايا بلا أسماء وطيَّ النسيان في مقابر شاسعة يتذكرهم بألم أحفادهم وأسرهم ومن بقيَ على قيد الحياة  مصادفةً.