هل تنهي الحروب الهجينة الحروب التقليدية للدول الكبرى؟

2023.05.16 | 07:14 دمشق

هل تنهي الحروب الهجينة الحروب التقليدية للدول الكبرى؟
+A
حجم الخط
-A

لاشك أن الحروب هي المصطلح والكلمة الأشد رعبا وكارثية وتحمل في طيات ساعاتها وأيامها الخراب والقتل والتدمير والتهجير، والمعروف أن كثيرا من البشر يتصرفون بالعنف والعدوانية بشكل طبيعي، مما يجعل حدوث الحروب أمراً لا مفر منه، والملاحظ أنه ومنذ أن وجدت المجتمعات البشرية على سطح الأرض فالحرب لا تزال تصنف على أنها الشيء الدامي والمدمر الذي انتشر على مر العصور وبشكل كبير في تاريخ البشرية، وبالتالي فالحروب هي المشكلة الرئيسية والأساسية التي تقف في وجه السلم والأمن العالمي، وتعتبر التهديد الأهم والمباشر للعيش المشترك واستمرار العلاقات الدولية بشكلها الطبيعي والصحيح.

تعريف الحرب: الحرب هي ظاهرة من ظواهر العنف الجماعي المنظم التي من الممكن أن تستخدم بها مختلف أنواع وسائط الصراع التقليدية المعروفة، وربما غير المعروفة التي وصلت إليها البشرية، أما الغايات التي تندلع من أجلها الحرب فهي الوصول إلى الأهداف والغايات المخطط لها وتحقيقها مهما كانت النتائج والكلفة. 

أنواع الحروب:

لا شك أن الحروب تختلف في تصنيفها وأنواعها، وذلك مع اختلاف طبيعة الأراضي والتضاريس التي تحدث عليها، ومع اختلاف أسباب اندلاعها وأهدافها والنتائج المراد تحقيقها من خلالها عند وضع الخطط واتخاذ القرارات التي يمكن أن تؤدي لكوارث إنسانية ونتائج لا تحمد عقباها، وبالتالي جاء اختلاف التسميات والأنواع مع التطور النوعي الذي صاحب الحروب وتطور أساليبها وأسلحتها وتكتيكاتها ومنهجها واختلاف المدارس العسكرية، واختلاف أنواعها البرية والبحرية والجوية والغايات منها.

مفهوم الحروب الهجينة:

الحروب الهجينة هي تكتيكات واستراتيجيات عسكرية قادرة على الجمع والتوليف بين الحروب التقليدية العادية والحروب غير النظامية والحرب السيبرانية. كما يمكن أن نعرفها أيضا بأنها الهجمات التي يمكن أن تستخدم فيها الوسائل النووية والبيولوجية والكيميائية والعبوات والألغام الناسفة وحرب المعلومات، والأعمال الإرهابية والحرب الإلكترونية، كما تضم إضافة إلى ذلك العنف العشوائي بشتى أشكاله والإكراه والفوضى والأعمال الإجرامية.

ويمكن أن يكون هذا التنوع في الإجراءات من عمل جهة أو دولة واحدة. كما يمكننا أن نطلق وصف الحرب الهجينة على الديناميكيات المعقدة في ساحة المعركة التي تتطلب السرعة وردود الفعل المرنة والقادرة على التكيف مع كافة ظروف المعركة وتبدلاتها الناشئة، والقدرة على التعامل مع المواقف الطارئة التي تتطلب اتخاذ إجراءات استثنائية واتخاذ القرارات والتوصيات الناجعة والسريعة. والحرب "الهجينة" حسب تعريف مؤسسة "راند" هي "نشاطات خفية قابلة للإنكار تدعمها قوات عسكرية تقليدية أو نووية بغرض التأثير على السياسة الداخلية للبلدان المستهدفة، أما الباﺣﺚ الأﻣﻴﺮﻛﻲ" ﻧﺎﻳﺜﺎﻥ ﻓﺮﺍﻳﺮ" من «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» فقد ﻭﺿﻊ ﺗﻌﺮﻳﻔﺎ ﺁﺧﺮ اعتبر فيه أننا نكون أمام ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻬﺠﻴﻨﺔ «ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ دولة أو ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺴﻠّﺤﺔ اﺛﻨﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ والتكتيكات ﺍﻟﻬﺠﻮﻣﻴﺔ ﺍﻷﺭﺑﻊ الآتي ذكرها: "ﺣﺮﺏ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، _ﺣﺮﺏ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ _ إﺭﻫﺎﺏ كوارثي _ وﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ"، وذلك لمواجهة التفوق العسكري المعادي».

لا شك أنّ الحروب التي اندلعت خلال العقدين الماضيين على مسارح عمليات متعددة وخاصة تلك التي كانت في الشرق الأوسط (العراق، سوريا) وشرقي أوروبا (أوكرانيا)، تدلّ دلالة واضحة أنها تخاض وفق أساليب الحرب الهجينة التي تتداخل فيها وتتمازج أصناف وأهداف وطرق وأنماط متعددة من أنواع الحروب. فمن وسائل الحرب التقليدية المعروفة (دبابات وصواريخ ومدافع وطائرات) إلى وسائل وطرق قتال العصابات وأعمال حرب الإرهاب ونشر الرعب بأبشع صوره. ناهيك عن استخدام الدول والأطراف المتحاربة عناصر وأساليب وتكتيكات الحرب الحديثة كالاستغلال الممنهج لوسائل الإعلام، وممارسة الحرب النفسية وخوض الحروب الإلكترونية والسيبرانية، ومن الممكن أن يكون هناك توازن عسكري ما بين الدول والأطراف وهذا بدوره سيؤدي حكما إلى إطالة أمد الحرب ورفع مستويات كلفتها وخسائرها المادية والبشرية، ما يؤدي إلى صعوبة حسمها لمصلحة أي طرف من الأطراف المتحاربة بشكل سريع.

عمليا فإن بعض الحروب الهجينة تصبح حروبا بديلة أو حروبا مركبة تخوضها وتديرها بعض الدول العالمية الكبيرة بوساطة لاعبين أصغر (بالوكالة) من خلال العمل الخبيث والممنهج على استغلال الخلافات والاختلافات وتناقض الأهداف والرؤى وتأجيجها، والعمل على إذكاء وتوسيع الاختلافات الفكرية والدينية والمذهبية والإثنية داخل المكونات المتعددة في مجتمع أو دولة ما، للوصول إلى أهداف استراتيجية وتحقيق مصالح وغايات الدول الكبرى وتجار الحروب.

قد تطول الحروب الهجينة أحيانا وتستمر حتى تدمير جيوش بعض الدول وتفتيت مجتمعاتها أو حتى تغيير أنظمتها السياسية وحدودها الجغرافية بغية التوصل لاحقا إلى تسويات واتفاقات جيواستراتيجية على مستوى الإقليم أو العالم. ولذا نستطيع القول إن بعض الدول الكبرى تعتمد على الحروب الهجينة غالبا كبديل عن الحروب التقليدية التي من الممكن أن تخوضها بوسائلها وقوتها العسكرية الذاتية؛ لأن نتائجها وكلفتها من الممكن أن تكون نهاياتها كارثية عليها وعلى استمرارية مصالحها في حال خاضتها بصورة علنية ومباشرة. أي باختصار الحرب الهجينة هي استثمار تكتيكي واستراتيجي بكلف أقل، وذلك من خلال القتال بأرواح الآخرين وأموالهم، سواء كانوا من أبناء البلد أو من المرتزقة أو من متعاقدي الشركات الأمنية الخاصة العابرة للحدود، أو حتى من بعض المنظّمات المصنّفة عالميا على أنها إرهابية.