ميركل.. درس أخير في تعريف الزعامة

2021.12.04 | 04:59 دمشق

thumb_329632_700_400_0_0_exact.jpg
+A
حجم الخط
-A

انتهت ولاية مستشارة ألمانيا الموحدة أنجيلا ميركل بوداع استثنائي من الجيش الاتحادي الألماني بهدوء وسكينة عكسهما وجه المرأة التي قادت أعظم اقتصادات العالم لمدة ستة عشر عاماً من الإنجازات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، ومن دون هتافات وشعارات، عبرت الوجوه المحيطة بها عن الشكر الجزيل لتلك الزعيمة التي رعت بلادها كأم مدبرّة اهتمت بمنزلها وبجيرانها، وحتى بمن قدموا إليها ضيوفاً دفعوا قسراً وهرباً من الموت في بلدانهم فوجدوا الرعاية والاحتضان.

وليس غريباً أن يرى اللاجئون السوريون في وداعها يتماً جديداً لهم، وهي التي اندفعت لالتقاط الصور معهم ليس من باب الدعاية الانتخابية بل لأنها تعاملت مع قصصهم المأساوية كأمّ بينما رفضتهم دول العالم المحكومة بالذكور الموتورين أو الأشقاء الأعداء، ولهذا ودعوها بالأمس على حساباتهم الافتراضية كما لو أنهم فقدوا أهلهم مرة أخرى في سوريا التي ما زالت على حالها مظلمة وبائسة.

في تطرقها إلى أهم الأزمات التي واجهتها فاستذكرت الأزمة المالية والاقتصادية عام 2008 وأزمة اللاجئين عام 2015

وفي كلمتها التي سبقت الاحتفال لم تتحدث ميركل بزهو وتعال عن إنجازاتها، وفضلها على الأمة الألمانية كما يفعل القادة العرب في إطلالالتهم على شعوبهم الفقيرة والمستعبدة، ولكنها دعت للدفاع عن الديمقراطية والوقوف في وجه الكراهية والعنف والمعلومات المضللة، وأما في تطرقها إلى أهم الأزمات التي واجهتها فاستذكرت الأزمة المالية والاقتصادية عام 2008 وأزمة اللاجئين عام 2015 وهذا يعكس مدى التفكير العظيم بالقضايا الإنسانية المعيشية كانت أو تلك التي تهدد حياة الآخرين وأمنهم وهو جوهر سياسة ميركل الزعيمة.

أما في فلسفة المستقبل الذي تركته بأيدي الآخرين من القادة الألمان فأوصت كما كل حاكم حقيقي صادق باستمرار فكرة توازن المصالح: (أود أن أشجع على الاستمرار مستقبلاً في النظر إلى العالم بعيون الآخر، أي إدراك وجهات النظر التي أحياناً ما تكون غير مريحة ومتناقضة من قبل الطرف المقابل، وأود أن أشجع على العمل من أجل توازن المصالح).

أردت من الاستطالة في الحديث عن ليلة ميركل الأخيرة ما هو أبعد مما حصل من تفاصيل بل أن نستذكر معاً كيف يخرج الزعيم العربي من سلطته وكرسيه، وكيف يخاطب جمهوره الداخلي والخارجي (إن وجد)، وكيف ينظر المودعون إلى أيامه وبأي عيون؟.

لا يخرج الزعيم العربي من قصره إلا قتيلاً بانقلاب عسكري أو تدخل خارجي، أو بالاستبعاد القسري الذي تحققه الإرادة الإلهية أي الموت، والبعض يعاند المرض ويحكم على كرسي متحرك، وآخر يحكم من المشفى الذي يعالج فيه من السرطان الذي سيقتله أخيراً ولكنه يمنحه الفرصة لتسليم الوريث الذي يشاء لا الوريث الحقيقي وإن كان شقيقاً.

الآخرون في حياة الزعيم هم كل من ينحنون أمامه فقط، وأما الذين يهمسون في سرهم بالرفض فهم خونة ومارقون

الزعيم العربي لا يتحدث في خطاباته عن الجماهير إلا من باب ولائها لعرشه، وحتى فقرها هو تضحية لأجل استمرار الوطن وصموده، ولا يأبه للعالم وآفاق السياسات الدولية والإقليمية بل يرى الأمر من خلال بزته التي تكفي ليرى الشعب والعالم قدرته على البقاء حتى آخر شهقة روح، وأما الاقتصاد والمجتمع ولقمة الشعب فهي مفردات تخدم سياسة الاستبداد التي تعني الوطنية والسيادة.

الآخرون في حياة الزعيم هم كل من ينحنون أمامه فقط، وأما الذين يهمسون في سرهم بالرفض فهم خونة ومارقون، والحوار معهم يعني فقط حذفهم بالسجن أو القتل أو النفي وفي أحسن الأحوال وضعهم في الإقامة الجبرية في بيت فاخر معزول عن كل حياة.

تذهب ميركل إلى منزلها كأي أمّ أنجزت مهمة تربية أولادها وتعليمهم ووضعهم على سكة الحياة، وفي اليوم التالي ستذهب إلى السوبر ماركت لشراء بعض الخضراوات والفاكهة، وتسير على مهل دون خشية أو خوف، وأما الزعماء العرب فيذهبون إلى حتفهم ملعونين وأما الناجون منهم فيختفون عن الأنظار في منافيهم الاختيارية.