مسار أستانا 21 والمتغيرات الإقليمية

2024.01.24 | 05:50 دمشق

آخر تحديث: 24.01.2024 | 05:50 دمشق

مسار أستانا 21 والمتغيرات الإقليمية
+A
حجم الخط
-A

ها هي وزارة الخارجية الكازخستانية تعلن عن استئناف مفاوضات أستانا للجولة 21 وهي التي كانت قد أعلنت عن انتهاء هذا المسار في حزيران الماضي عبر وزير خارجيتها كانات توميش، وإن تركت الباب موارباً بشأن ذلك عبر تصريحات لاحقة، ولكن ما يدعو للتساؤل هنا أنه خلال نصف عام تقريباً يتم الإعلان عن تصريحين متناقضين من قبل الخارجية الكازاخستانية مما يدلل على أن المتغيرات الإقليمية في المنطقة والتي تخص الحليف الأول لها وهو روسيا، يحتاج لاستمرار هذا المسار وبالطبع فإن هذا الأمر يسري على تركيا وإيران الدولتين الضامنتين أيضاً.

لا شك أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة لها الدور الأكبر في هذا التغير والتحول وأقصد هنا العودة لمسار أستانا الذي حقق أهدافه في تجميد الحرب في سوريا، واعتبار الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإعادة سوريا كما كانت وإعادة إعمارها لكن الحاصل اليوم أن رقعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني آخذة بالتوسع (في لبنان والبحر الأحمر والعراق)، ومن المستبعد أن لا تكون الأراضي السورية خارج هذه الرقعة فالميليشيات المسلحة المدعومة من إيران والموجودة على الأراضي السورية هي بالتأكيد بيدق سوف تحركه طهران عند الحاجة، وخاصة أن احتمالات فتح جبهة عسكرية مع حزب الله في الجنوب اللبناني قائمة الاحتمال، وفي حال حصل ذلك لا بد من خلق جبهة أخرى لإرباك الجيش الإسرائيلي، وهنا لا توجد سوى الأراضي الجنوبية لسوريا وهذا يحتاج لموافقة النظام السوري ومن أجل هذا لا بد من تحقيق نوع من التوازن في الشمال السوري مع تركيا التي تدعم المعارضة السورية والموجودة بجيشها هناك، وهذا التقارب سوف يخدم مصالح الجميع (إيران وتركيا والنظام السوري وحتى روسيا).

لعل تصريح أردوغان على أن بلاده عازمة على تجفيف كامل مستنقعات الإرهاب في سوريا دلالة واضحة على أن الخلاف التركي الأميركي في الملف السوري ما زال قائماً

تركيا التي تلقت ضربتين قويتين خلال أقل من شهر من قبل حزب العمال الكردستاني أدت إلى مقتل 21 جندياً، حيث اعتبرت ذلك أنه رسالة موجهة لها نتيجة تدخلها في الحرب الإسرائيلية على غزة، ولعل تصريح أردوغان على أن بلاده عازمة على تجفيف كامل مستنقعات الإرهاب في سوريا دلالة واضحة على أن الخلاف التركي الأميركي في الملف السوري ما زال قائماً، بل ويزداد وهذا يستدعي من أنقرة تحسين العلاقات مع روسيا وإيران لزيادة الضغط على واشنطن، ومن أجل تمكينها من ضرب وقصف قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها الفرع السوري للحزب العمال الكردستاني، ومنعه من تكرار ما قام به، فالمناطق التي تسيطر عليها قسد هي الخاصرة الرخوة للحدود التركية.

روسيا التي ترى أن الدعم الأميركي الكبير لإسرائيل في حربها في غزة فرصة كبيرة لإظهارها على أنها العدو الحقيقي للمنطقة، وليست روسيا، وأن ما تقوم به من دعم للأكراد من أجل الانفصال في سوريا يستوجب الوقوف بوجهها لمنع ذلك، وهذا الأمر بكل تأكيد يهم تركيا بل إنه يهدد الأمن القومي التركي، وعليه فإن فرصة التقارب مع تركيا ممكنة جداً في الجولة 21 من مسار أستانا وتحويل بوصلة أنقرة السياسية نحو دمشق لمنع هذا الانفصال، وخاصة أن تركيا دخلت في دوامة الحرب القائمة بين حماس وإسرائيل واعتبار الأخيرة أن تركيا داعمة لعدوتها حماس.

تريد إيران موازنة الأمور بين النظام وتركيا وإحياء الملف السياسي في ظل تدهور الأوضاع في غزة

أما إيران التي تريد أن تحافظ على حلفائها في المنطقة سواء حزب الله أو حماس أو الحوثي فتحتاج لأن تبقي جزءاً من الأراضي السورية مؤهلة لخوض أي اشتباك مع إسرائيل في حال احتاجت لذلك، وهي تعلم أن ذلك لا يناسب النظام السوري الذي لا يريد الدخول في أي اشتباك مع إسرائيل، وهنا تريد إيران موازنة الأمور بين النظام وتركيا وإحياء الملف السياسي في ظل تدهور الأوضاع في غزة، ولعل بيان وزارة الخارجية الكازاخستانية بأن جدول الأعمال الأولي للاجتماع يتضمن تطورات الوضع الإقليمي في محيط سوريا يعطي دلالة واضحة على أن عودة مسار أستانا هو حاجة للجميع وأن هذه المصالح تصب في دمشق.