مأزق الاحتلال: توسع الجبهات المقاومة

2021.05.26 | 06:57 دمشق

3000.jpeg
+A
حجم الخط
-A

إن كانت الأحداث الجارية اليوم قد اشتعلت بسبب الأحداث في القدس وفي المسجد الأقصى، فإنها بالأساس عبارة عن استمرار لنضال شعب كامل أمام منظومة احتلال كولنيالي غاشم.

لقد حاولت حكومة الاحتلال من دون وجه حق تهجير عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح بالقدس، كما زاد الاحتلال من استفزازاته واعتداءاته على المصلين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك من أجل السماح للمستوطنين المتشددين اليهود بالدخول للاحتفال في ساحة المسجد، مما تسبب في تصدٍ كبير من الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى لمحاولات الاحتلال التي لم تحترم الأماكن المقدسة ولا الأوقات المقدسة ولا الحقوق الأساسية للفلسطينيين.

تفاجأ الاحتلال من بقاء الإرادة لدى الفلسطينيين في القدس بهذه القوة خاصة بعد التطورات التي جرت منذ عام 2018 حيث كانت حكومة الاحتلال تتوقع أن يكون الفلسطينيون في حالة كبيرة من الإحباط خاصة بعد تطبيع عدد من الدول العربية مع إسرائيل وبروز إسرائيل كقوة رابحة تستطيع أن تفعل ما تريد وبعد قيام
إسرائيل بعمليات ضد المشروع النووي الإيراني وعدم وجود رد إيراني عليها. ولذلك كانت تتوقع أن تنجح في مخططاتها في القدس، ولكن الأمور لم تسر مثلما أرادت.

بالرغم من عدم وجود ترابط جغرافي بين القدس وغزة فإن الهوية الفلسطينية والإسلامية تجاوزت هذا الانقطاع الجغرافي الحالي الذي يفرضه الاحتلال

ومن زاوية أخرى، بالطبع على المستوى الداخلي، تخدم عملية التصعيد بنيامين نتنياهو الذي يتمنى أن يرضي المتشددين اليهود حتى يحافظ على بقائه في موقع رئيس الحكومة، ولكن العملية بالأساس عملية تهويد مستمرة للقدس ومحاولة طرد الفلسطينيين من أحيائها.

وقد طالب الفلسطينيون المجتمعون في المسجد الأقصى والذين دافعوا بأجسادهم عن المسجد الأقصى من المقاومة الفلسطينية في غزة أن تقوم بدورها لحماية المسجد الأقصى وقالوا للمقاومة إنهم يرون فيها الفاعل الأساسي الذي يمكن أن يضغط عمليا على إسرائيل لتوقف اعتداءاتها لأن المخطط كبير، ويهدف لمراحل تكون فيها الانتهاكات أكبر، وإزاء هذا الأمر وجهت المقاومة الفلسطينية في غزة تحذيرات للاحتلال ليكف عن الاعتداء عن المصلين في المسجد الأقصى، لكي يقوم بإطلاق سراح المصلين الذين اعتقلوا خلال شهر رمضان، ولكن الاحتلال لم يأخذ التحذيرات على محمل الجد ولم يستجب فقامت المقاومة بإطلاق عدة صواريخ على بعض أهداف الاحتلال مما فاجأ الاحتلال الذي كان يراهن على أنه استطاع الفصل بين غزة والقدس.

لقد أثبتت المقاومة في غزة أن عينها بالفعل على القدس والأقصى، وأن مشكلة غزة لا تتمثل فقط في فك الحصار، بل فيما هو أكبر وهو الدفاع عن حقوق ومقدسات الشعب الفلسطيني وعلى رأسها المسجد الأقصى. كما أن الرسالة الثانية هو أنه بالرغم من عدم وجود ترابط جغرافي بين القدس وغزة فإن الهوية الفلسطينية والإسلامية تجاوزت هذا الانقطاع الجغرافي الحالي الذي يفرضه الاحتلال.

قام الاحتلال بعد ذلك بمحاولة لترويع غزة وإرهابها منذ البداية، والقول لها بأن تدخلها في معركة المسجد الأقصى سوف يكلفها ثمنا كبيرا وقام بشكل مكثف بتدمير البيوت وقتل الأطفال حيث استشهد حتى مساء الجمعة أكثر من 130 فلسطينيا في غزة وأكثر من 6 شهداء في الضفة الغربية معظمهم من الأطفال والنساء. ولكن المقاومة استمرت بضرب الاحتلال بالرغم من الثمن الكبير وقالت إن معركة الأقصى تستحق هذا الثمن. وأظهرت المقاومة أن لديها إمكانيات عملت على تطويرها منذ الحرب الأخيرة في عام 2014. وبالطبع لا توازي هذه الإمكانيات إمكانيات الاحتلال، ولكن تستطيع أن تجعل الاحتلال يعيش مشكلة أمنية كبيرة.

من زاوية أخرى لم يتوقع الاحتلال أن تكون هناك جبهة توتر ثالثة تشكل خطرا كبيرا على أمنه، وهي جبهة فلسطينيي عام 1948 وهم الفلسطينيون العرب الذين يعيشون داخل إسرائيل والذين لم يظهر منهم رد فعل جماعي كبير ضد الاحتلال منذ عشرات السنوات، وكانت هذه أكبر مفاجأة للاحتلال حيث خرج الفلسطينيون في مدن اللد وعكا وحيفا والرملة وغيرها ضد الاحتلال مما جعل الاحتلال يشعر أنه أمام تهديد خطير على وضعه الداخلي.

كانت هذه أكبر مفاجأة للاحتلال حيث خرج الفلسطينيون في مدن اللد وعكا وحيفا والرملة وغيرها ضد الاحتلال مما جعل الاحتلال يشعر أنه أمام تهديد خطير على وضعه الداخلي.

على مستوى آخر يبدو أن منطقة الضفة الغربية أيضا ستشهد تحركا فلسطينيا ضد الاحتلال وهي جبهة ليست جديدة، ولكن الاحتلال استطاع منذ عام 2002 أن يحيدها بشكل كبير وهو يضغط عليها بشكل كبير ويراقب كل حركة فيها خلال السنوات الماضية ولهذا إذا تحركت هذه الجبهة فإنه سيكون لديه مشكلة كبيرة جديدة.

على مستوى أوسع يراقب الاحتلال عودة القضية الفلسطينية على الأجندة الإقليمية والعالمية بعد غيابها منذ عام 2011 وقد خرج الآلاف في معظم العواصم ليعبروا عن غضبهم.

يريد الفلسطينيون الآن وقف الاعتداءات على المسجد الأقصى ويريدون وقف العدوان على غزة ووقف إخلاء البيوت في منطقة الشيخ جراح.

كان من المتوقع أن يسعى الاحتلال لإنهاء الجولة الحالية بأسرع وقت خشية من توسعها بشكل يضره، والدليل على ذلك التدخل الأميركي الواضح يوم الخميس 13 من أيار، ولكن الاحتلال حاول أن يجعل المقاومة في غزة تدفع ثمنا كبيرا قبل أن يوافق على وقف إطلاق النار.

لقد أخطأ الاحتلال الإسرائيلي التقدير ورفع من وتيرة اعتداءاته وحاول أن يغطي على جرائمه بمزيد من الجرائم مما هدد بخروج الأمور عن السيطرة. باختصار ما يحدث هو غير مسبوق وسيكون له ما بعده.