كيف استولت إيران على ملف لم شمل السوريين إلى هولندا والنمسا وبلغاريا وسلوفينيا؟

2024.03.02 | 06:16 دمشق

كيف استولت إيران على ملف لم شمل السوريين إلى هولندا والنمسا وبلغاريا وسلوفينيا؟
+A
حجم الخط
-A

يبدو العنوان غريباً، فإيران حرصت أشد الحرص خلال مرحلة ثورة السوريين التي بدأت عام 2011 على تفريق شمل السوريين وليس لمّ شملهم، فما الذي جعلها في الشهور الأخيرة مدخلاً لتسفير مزيد من السوريين إلى أوروبا، وهل هو جزء من التغلغل في المشهد السوري والإمعان في استثماره واستغلاله يوماً بعد يوم، وهي التي، دون أدنى شك، تفرح بكل شخص يغادر سوريا، وتفسح له المجال وترحب به!

في الوقت نفسه تمّ توجيه المعابر الحدودية بين لبنان والمناطق التي يديرها النظام السوري بالتضييق على دخول السوريين إلى لبنان بحجة النزوح واللجوء، بتوجيهات من الأمن العام اللبناني الذي يديره حلفاء إيران.

تؤمِّن إيران من خلال خط لم الشمل للسوريين عبر أراضيها أكثر من ستمئة دولار لكل شخص، حيث يبلغ العدد سنوياً أكثر من خمسة عشر ألف مسافر

كيف فتحت إيران باب لم الشمل السوري إلى أوروبا عبر أراضيها من خلال سفارات عدد من الدول الغربية وكيف تم التنسيق مع تلك الدول، خاصة أن دبلوماسيين إيرانيين اغتالوا مواطنين إيرانيين (من الأحواز) لجؤوا إلى هولندا قبل سنوات؟ مع أنه منذ أن أغلقت السفارات الأوروبية في دمشق أخذت سفارات تلك الدول في لبنان دورها في الحصول على تأشيرات الدخول للسوريين إلى أوروبا، إضافة إلى السفارات الأوروبية في تركيا.

تؤمِّن إيران من خلال خط لم الشمل للسوريين عبر أراضيها أكثر من ستمئة دولار لكل شخص، حيث يبلغ العدد سنوياً أكثر من خمسة عشر ألف مسافر، أي أن هذا الخط يؤمن أكثر من تسع ملايين دولار سنوياً تقريباً، ويدار من شخصيات بأسماء مستعارة مرتبطة بالنظام والسلطات الإيرانية، ويشغّل الخطوط الجوية بين دمشق وإيران في العودة من خلال أجنحة الشام وخطوط ماهان الإيرانية عبر مطار اللاذقية، وتستثمره إيران أوروبياً للتدليل على أن تلك الخطوط تحمل ركاباً مدنيين من دمشق إلى إيران بهدف الالتحاق بعائلاتهم في أوروبا، وأن إيران لا مشكلة لديها في الجانب الإنساني المدني فيما يخص السوريين، لكنها في الوقت نفسه يعد لم الشمل فرصة ثمينة للحصول على "داتا" السوريين في أوروبا!

لم شمل اللاجئين السوريين في أوروبا يبدأ بحصول اللاجئ على تأشيرة لعائلته وأطفاله تحت سن الثامنة عشرة، عادة ما تكون خلال فترة قصيرة من حصوله على إقامة السنوات الخمس، والمعدل في حالة العوائل السورية في عينات عشوائية نحو خمسة أشخاص لللاجئ الواحد، فإذا كان نصف من يتقدم بطلب اللجوء هم ممن لديهم عوائل فإن عدد من يتم لم شملهم من السوريين في هولندا على سبيل المثال سنوياً يتجاوز العشرة آلاف، نسبة كبيرة منهم تأتـي عبر إيران..!

لا تشترط إيران على السوريين الحصول على فيزا، بل تعطيهم تأشيرة دخول في المطار تخولهم البقاء في إيران لمدة ثلاثة أشهر، وعادة ما يكون الشخص قد حجز موعداً مسبقاً بالسفارة عبر الإنترنت، وبالتالي هناك مكاتب تقوم باستقبالهم في المطار وإسكانهم بشقق ومرافقتهم إلى السفارة ومن ثم انتظار حصولهم على الفيزا الهولندية وحجز تذاكر لهم ومرافقتهم مرة أخرى إلى المطار تحت غطاء الترجمة وتقديم الخدمات اللوجستية، علماً أن عدداً من تلك المكاتب تقدم خدمات أخرى كالتجميل وزراعة الشعر.

الحكومة الهولندية على سبيل المثال من جهتها تخير الشخص حين الموافقة على طلب لم الشمل في اختيار الدولة التي تلائمه ليتم إرسال موافقة لم الشمل إلى السفارة الهولندية فيها وبالتالي تتمكن عائلته من الحصول على تأشيرة دخول لمرة واحدة.

قبل عامين من الآن كان من الصعب التفكير في أن تكون إيران طريقاً للم الشمل، لكن تقييد دخول السوريين إلى تركيا ولبنان وكذلك تشابكات الوضع العراقي وعدم الوصول إلى اتفاق بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة كردستان العراق والسلطات الأوروبية جعل إيران الدولة الوحيدة المتاح إليها السفر دون عناء، وبات معظم السوريين معارضين وموالين يختارونها كوجهة لعائلاتهم كي تكون مكاناً لإنجاز أوراق لم الشمل!

يجيب بعض ممن يسافرون عن طريق إيران ووصلوا إلى هولندا أنهم اختاروها وجهة للم الشمل للأسباب التالية:

  • أسعار التذاكر الرخيصة من دمشق إلى إيران (بين 100 إلى 200 دولار)
  • عدم الحاجة إلى فيزا للدخول إلى إيران، أو كما يسميها السوريون (احجز واطلع بالطائرة)!
  • رخص إيجار الشقق بإيران في فترة الانتظار التي تتراوح بين ثلاثة أيام إلى أسبوع بين موعد تقديم الأوراق والحصول على التأشيرة والسفر إلى أوروبا.
  • وجود مكاتب مختصة تقوم بخدمة الترجمة والتوصيل من وإلى المطار والحجز كذلك، إضافة إلى ارتباط أولئك الأشخاص بمشغلين ومشرفين يسهلون الإجراءات في المطار وأرقامهم منتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان (لم شمل السوريين عن طريق إيران) أو سوى ذلك.
  • سرعة حجز المواعيد في السفارة الهولندية في إيران وسرعة الحصول على الفيزا، مقارنة بالسفارة الهولندية بلبنان.
  • أسعار التذاكر الرخيصة من سوريا إلى إيران ومن إيران إلى أوروبا لأنه لا يسمح للإيرانيين بالسفر إلى أوروبا، علماً أنه لا توجد خطوط مباشرة من إيران إلى أوروبا فتكون الرحلة إما عبر تركيا أو عبر دولة خليجية.

ما دامت إيران تناصر الفلسطينيين فلماذا لا تسمح لفلسطينيي سوريا بأن تكون محطة للم شملهم؟ أم أن الاستثمار لم ينته بهم

محللون ومتابعون يرون أن الأمر أبعد من حالات لوجستية تكنيكية، بل يحمل أبعاداً سياسية ورسائل تريد إيران إيصالها للغرب، ونوع من استعمال القوة الناعمة. فيما يرجعه كثيرون إلى أن الغرب يحرص كذلك على إرسال مثل هذه الرسائل إلى إيران وإلا ما السبب الذي يجعل المواعيد تأخذ في طهران فترة قصيرة جداً والحصول على الفيزا خلال يومين، في حين أنه في لبنان قد يستغرق شهراً وأكثر ولماذا لا تضغط على الحكومة اللبنانية لتسهل دخول سوريي لم الشمل الراغبين بالسفر إليها؟

وعلى الهامش يبرز سؤال: ما دامت إيران تناصر الفلسطينيين فلماذا لا تسمح لفلسطينيي سوريا بأن تكون محطة للم شملهم؟ أم أن الاستثمار لم ينته بهم ولا يزالون يشكلون ورقة ضغط يمكن الإفادة منها وبالتالي لا فائدة من تسهيل تسفيرهم!

أياً كانت الرسائل بين دول من أوروبا وإيران من خلال لم الشمل السوري؛ تبدو رسائل لا تنسجم مع السياق العام للعلاقة بينهما في ظل ملف مؤلم لحقوق الإنسان في إيران مما يدعو للتساؤل: متى ينتهي المنشار الإيراني من استغلال الوضع السوري لتفريق الشمل ولمّه!