في هذا الشتاء.. السوريون والأوروبيون سيبردون معا

2022.07.13 | 15:21 دمشق

أطفال سوريون يتحوقون حول النار للتدفئة
+A
حجم الخط
-A

تعتقد روسيا، بعد أشهر من غزوها أوكرانيا، أنها بحاجة إلى الانتقال من مرحلة الدفاع في مواجهة العقوبات والهجوم الغربي عليها إلى مرحلة الرد الذي قد تكون مؤلمة جدا للأوروبيين، وفق أحدث البيانات الصادرة عن الخارجية الروسية.

شتاء هذا العام قد يكون الأول منذ عقود مديدة، نتشارك فيه نحن أبناء الشرق مع نظرائنا الغرب في مواجهة البرد بلا تدفئة، وإن زدنا عليهم بغياب العوازل، فيبدو أن التحضير لمعركة الشتاء قد بدأ بشكل لا عودة فيه على جميع الجبهات من دولة تتمتع بقدرة غير بشرية بالطاقة، وملعب سياسي رحب أفرزته حرب مضى عليها أكثر من سبعين عاما ما زلنا ندفع ثمنها.

حصلت روسيا على كرتها الخاص بالشرق، بعد انتصارها بالأمس في مجلس الأمن بقرار تمديد تفويض إدخال المساعدات الإنسانية الأممية العابرة للحدود إلى سوريا لمدة ستة أشهر فقط، الذي من المقرر أن ينتهي في العاشر من شهر كانون الثاني من العام المقبل، أي في ذروة الشتاء، ويبدو أنه موعد المعركة الفعلي، حيث سيكون الابتزاز فعالا بشكل أكثر مع غرق خيام المهجرين بالمطر أو بالثلوج في شمال غربي سوريا، ودخول أوروبا في سبات شتوي، بلا مؤونة تقويها على مواجهة انخفاض درجات الحرارة.

لعبة ابتزاز الروس التي أخذت منحىً نادر الحدوث في عالمنا الحالي، بأن تقوم دولة تعادل خمس العالم قوة ومساحة باستغلال ملف إنساني مقتصر على بعض السلل الغذائية إلى جانب ضروريات الحياة من مياه وطبابة التي يتقوّى بها مدنيون فارّون من موت تسببت به روسيا نفسها التي تستخدم ذلك الملف سلاحا سياسيا بلا أي فوائد على أي صعيد، فقط كي تؤكد بأن هذا العالم أمام مفصل جديد يشابه إلى حد كبير مراحل ما قبل الحربين العالمتين. تتقن روسيا الحروب إن تعددت الجبهات ولو تكررت الهزيمة، ولا أهمية لطهر الأدوات، ضمن صراع استعادة مكانة لا يمكن لها أن تعود، فمعهد التاريخ لم يشهد حدوث مثل هذه الطفرة، لكن بوتين يصر على محاولته ولو كانت يائسة.

 شتاء 2022 – 2023 سيكون واحدا من الشتاءات الاستثنائية مع انتصار روسيا في معركة المساعدات في سوريا، من دون أي مقابل لصالح تدعيم النظام أو انتقال التمويل الإنساني من التعافي المبكر إلى إعادة الإعمار سواء أكان شاملا أو جزئيا يشمل هذا القطاع أو ذاك، وحتى العقوبات لا يبدو أنها نجحت في تخفيفها أو إبطال مفاعيل بعضها، مع عزوف واشنطن ولندن وباريس عن التصويت على المشروع الروسي، فأقرّ الطلب الروسي، مع انتقادات كلامية، وتعهدات قد تكون فارغة على استمرار المساعي لضمان تدفق المساعدات إلى سوريا في جولة التجديد المقبلة.

تعهدات الغرب عموما وأوروبا على وجه الخصوص، لا يمكن أخذها على منحى جدي، مع وقوعها نفسها تحت السيطرة الروسية التي ستظهر ملامحها بشكل أكبر مع بدء مفاعيل فصل الشتاء، ليس على صعيد الصناعة والإمدادات الكهربائية فحسب، بل سيكون للتدفئة قول فصل، ولا سيما مع انخفاض تدفقات الطاقة الروسية إلى تلك الدول، وسط تهديدات روسية بزيادة الضغط، يقابله بإعلانات أوروبية آخرها كان من ألمانيا (من أكثر مستوردي الطاقة الروسية)، بأن عصر الاعتماد على الطاقة الروسية قد شارف على الانتهاء مع توقفها  تماما عن شراء الفحم الروسي في 1 أغسطس/ آب، وابتداء من 31 ديسمبر/ كانون الأول ستتخلى أيضا عن النفط الروسي، حسبما ذكرت وكالة "رويترز"، من دون وجود ملامح حقيقية عن البدائل سواء من حيث توافرها أو كفايتها.

لا يعلم للآن أي تفصيل عن البدائل التي لطالما هددت بها واشنطن وشركاؤها روسيا في حال عدم تمديد إدخال المساعدات إلى سوريا، ولا يبدو أن هذه البدائل موجودة أو على الأقل كافية لسد الرمق، وذات الأمر ينطبق على الدول الأوروبية التي ستواجه مصيرا مشابها للسوريين، مع عجزها عن تأمين البديل الكافي لنفسها، فكيف هي الحال للسوريين الذين يعيشون انتظارا لا يقابله اهتمام غربي مكافئ لحجم التفاصيل التي تمر وتدور بها قضيتهم، مع غيابِ أيِّ حراك سواء أكان سياسيا أو تنظيميا لخلق آليات خاصة قادرة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.