عندما يلعب الرئيس بالسلطة

2024.04.15 | 09:22 دمشق

بشار الأسد
+A
حجم الخط
-A

أن يلعب الرئيس في الشارع أمر أكثر من مستهجن، ولكنه لن يكون كذلك حينما يكون هذا الرئيس هو بشار الأسد، وما الذي فعله الرئيس منذ اغتصابه السلطة سوى اللعب، بدءاً بلعبة تغيير الدستور مروراً بلعبة الانتخابات، وصولاً إلى لعبة شد الحبل وغيرها من الألعاب التي لعبها مع أطفال طرطوس منذ أيام برفقة زوجته..

لم يرَ الشعب السوري رئيسه الوريث جاداً ولا لمرة واحدة، فالمرح سمة ملازمة للأسد حتى في أحلك اللحظات التي مرت بها سوريا في أثناء حكمه، لم يتوقف الرئيس عن اللعب والضحك عندما كانت المظاهرات التي تدعو لرحيله تملأ الشوارع السورية، ولم يتوقف عن الضحك عندما طاف الدم السوري في الشوارع ذاتها، ولم يتوقف عن الضحك عندما كان جنوده وضباطه يتساقطون تباعاً، لم يتوانَ عن إطلاق ضحكاته في أثناء الزلزال أو خلال غرق مراكب المهاجرين أو في أثناء عصف الطبيعة بخيام اللاجئين أو عند إهانة السوريين من قبل دول الجوار التي يعيشون فيها، ولا في كل الكوارث التي تعرَّض لها الشعب السوري، وهو لا يزال يلعب ويضحك بينما السويداء تهبّ كلَّ يوم عن بكرة أبيها لمطالبته بالرحيل وتوجيه كل الإهانات لشخصه ولحكمه ونظامه وعائلته..

غير أن الأكثر لفتاً للنظر في هذا السياق هو أن الرئيس لا يتوقف عن الضحك أيضاً عندما تضرب إسرائيل مواقع في سوريا من دون أن يصدر أيُّ ردّ من رئيسها، بل ومن دون تعليق أو توعد أو تعهد بالرد في المكان والزمان المناسبين كما اعتاد السوريون، ودون لحظة حزن واحدة أو لحظة أسف أو تأثر على وجه الرئيس الذي تهان بلده بذلك الشكل العميق من جراء قصف العدو وعجزه عن الرد حتى بالإدانة، إنه باختصار الرئيس الضاحك المرح المصاب بعقدة خفة الظل والذي لا يمكن أن يتخلى عن الكوميديا مهما عصفت الكوارث ببلاده.

ولمَ لا يلعب الرئيس ولمَ لا يضحك، وهو الشخصية الركيكة المهزوزة، وهو صانع المجازر والإبادة، ومع ذلك فهو يجد من يجعل منه قائداً فذاً وبطلاً أسطورياً ورمزاً للوطنية والأخلاق والمروءة، ويجد من يجعله خطاً أحمر لا يمكن الاقتراب منه أو الغمز من قناته أو إهانته أو التصريح عن حقيقة عمالته وتخاذله وإجرامه، لمَ لا وهو يشتري الأبواق الذين يكيلون له كل أنواع المديح ويقلبون كل الحقائق ويزيفون الوقائع ويحاولون تغيير التاريخ لخدمة رئيس عصابتهم؟ لمَ لا وقد راحت الدول التي كانت تطالب برحيله تتنافس للتقرب منه ونيل رضاه، لمَ لا وقد لعبت كل الظروف الدولية التي تتحكم بها العصابات والمافيات العالمية دوراً في ترسيخ حالة التفكك التي تعيشها سوريا ويتعيش عليها رئيسها ويستمد منها ضحكاته وخفة ظله؟

لا يزال داخل بشار الأسد ذلك الطفل المدلل ابن الرئيس الذي حكم سوريا بالحديد والنار وترك له لعبة كبيرة تسمى سوريا، فأرضها وشعبها وسلاحها وجيشها وطائراتها وصواريخها ودباباتها ما هي إلاّ ألعاب لذلك الطفل الذي لا يريد أن يكبر

لا يزال داخل بشار الأسد ذلك الطفل المدلل ابن الرئيس الذي حكم سوريا بالحديد والنار وترك له لعبة كبيرة تسمى سوريا، فأرضها وشعبها وسلاحها وجيشها وطائراتها وصواريخها ودباباتها ما هي إلاّ ألعاب لذلك الطفل الذي لا يريد أن يكبر، إنه الطفل الذي يتسلى بشد الحبل تارة وبالقتل والمجازر تارة أخرى، ولا يجد في البراميل والكيماوي سوى ألعاب طفولية تحقق له مزيدا من السعادة، لمَ لا طالما ثمَّةَ من يحميه، وطالما ثمة قوى إقليمية ودولية تتنافس على استقطابه لتحقيق مصالحها من خلال غياب إحساسه بالمسؤولية وانعدام الحسّ الوطني لديه..

ليست تصرفات عفوية تلك التي يقوم بها الأسد، فمستشاروه والمحيطون به والذين يخططون له ويقترحون عليه أنماط السلوك وشكل التعامل، يشغلهم اليوم أمران: أولهما النكاية والشماتة بالشعب السوري، وثانيهما تأكيد النصر وأن الخطر الذي شكلته الثورة على الرئيس بات خلف ظهره، وضحكات الأسد لا تحمل معنى آخر، لأن كل النظريات التي تريد إيصالها عن كونه رئيساً شعبياً ومتواضعاً ستنسفها آليات الحماية المشددة التي لا يمكن أن تغيب عن السوريين بمن فيهم المؤيدون.

لعِبُ الرئيس وضحكاته ليست صادرة عن عبث، بل عن ثقة واطمئنان بأن المجتمع الدولي موافق على بقائه وهو الهدف الأعلى له ولتذهب سوريا إلى الجحيم، وهو لن يتوقف عن اللعب والضحك طالما كان مطمئناً بأن الكرسي الذي تركه له أبوه لن يأخذه منه أحد، فهو اللعبة الأغلى على قلبه، ومن خلاله فقط يستطيع أن يلعب ويضحك.

أكثر ما يطمئن بشار الأسد هو رضا إسرائيل، ولهذا نجده في غاية السرور والسعادة بعد كل قصف ينال من سوريا، فقصف العدو لبلدك سيكون سبباً كافياً لإنهاء حالة المرح والسعادة والتعامل بشيء من الجدية، غير أن القصف الإسرائيلي الذي لا يقترب من مكان الأسد يطمئنه ويؤكد له أن الجهة الوحيدة القادرة على تحييده لا تريد ذلك، ولهذا لا يتردد بالحديث عن الانتصار وهو في أعلى درجات الإذلال، ولا يتردد في تكرار أسطوانة الأمن والأمان في وصف حالة سوريا رغم تعرضها للقصف الإسرائيلي شبه اليومي، ورغم قابلية تجدد ذلك القصف في كل لحظة وفي أية بقعة سورية.

فقط عندما بدأت الثورة اعترف بشار الأسد بأن سوريا غير آمنة ليتّهم المتظاهرين المطالبين برحيله بتحويل سوريا إلى ساحة حرب، وبأنهم سبب انعدام الأمن والأمان، أما حينما تنتهك إسرائيل الأرض السورية يومياً، وعندما تستهدف العاصمة من كل أطرافها، وعندما تجول صواريخها في سماء دمشق وحلب وباقي المحافظات السورية، فلا ضرورة للحديث عن حالة حرب، أو عن غياب الأمان، وهنا لا بد للرئيس أن يلعب ويضحك وأن يُضحك غيره أيضاً بمن فيهم المشايخ الذين يحدثونه عن عظمته بنفاقهم وذلّهم المعتاد فلا يفوت الأسد فرصة للضحك وتخفيف الظل، وبالطبع لا يجرؤ أحد على عدم الضحك عندما يهرج الرئيس..

لا هوية سياسية لبشار الأسد، فهو عربي قومي عند الضرورة، فارسي وقت الحاجة، روسي إن اقتضى الأمر، صهيوني حينما تريد إسرائيل، وهّابي عندما تدعمه السعودية، ولا هوية  فكرية له ولا انتماء فهو علماني بين العلمانيين، متدين بين المشايخ، ليبرالي متسامح مع الطوائف إن خدم ذلك التوجه قضية بقائه على الكرسي..

الثابت الوحيد في شخصية بشار الأسد هو السعادة، فهو الرئيس السعيد دائماً، الضاحك دائماً، والمشغول بخفة الظل والذي لا يتوانى عن اللعب والضحك في أحلك الظروف التي تتطلب وعياً ونضجاً وحكمة، ولكن أنّى لذلك الوارث المدلل بكل تلك المواصفات؟

لا تقتصر مشكلة السوريين اليوم بانتصار قاتلهم عليهم واستمراره في الحكم، ولا تتوقف فقط عند مسألة غياب العدالة، ولا عند حالة الجوع والفقر والإذلال التي وصل إليها الشعب السوري، بل إن الجرح الأكبر يتمثل في شعور المهانة الطاغي الذي يعيشه السوري من جراء تلطيخ اسم بلده بطفل مدلل قاتل وجبان ولا يمتلك من صفات الرئيس سوى القدرة على القتل، ومع ذلك فهو لا يزال يحكم بلده ظاهرياً، أما فعلياً فهو لا يتحكم إلا بقرارات القتل والاعتقالات ومن ثم قراري اللعب والضحك، رئيس لطّخ اسم سوريا بالعار ليس فقط من خلال إجرامه، ولا من خلال قيادته لعصابات تهريب المخدرات، بل بشكل رئيسي كونه لا يزال ذلك الطفل الذي يصرّ على اللعب والضحك والتهريج، ولا يفعل شيئاً سوى ذلك..

لقد استقدم الرئيس وليَّ أمره الإيراني، والوصي الشرعي عليه "الروسي" ليس فقط للدفاع عنه، بل لأنه لا يريد أن يتوقف عن اللعب، وعندما يلعب الأسد فلا سبيل للحديث عن وطن أو عن شعب، عن جدية ومسؤولية، لا مجال للحديث عن الوطنية، فعندما يلعب الأسد تسيل دماء وتنهار مبان ويشرد شعب، إنها اللعبة الطفولية المدمرة والتي لا تزال المهمة الأولى والأساسية للرئيس اللقيط..